31/10/2010 - 11:02

تداعيات انتخابية: الدرس الرئيسي- قائمة مشتركة/ خالد خليل

تداعيات انتخابية: الدرس الرئيسي- قائمة مشتركة/ خالد خليل
ثقافة التبرير تحتل حيزا مرموقا في التكوين النفسي والعقلي لمجتمعنا، وهي على وجه الخصوص السلاح الأقوى في أيدي النخب لقلب الحقائق في زمن الأزمات. وهذه الثقافة متأصلة وبنيوية في ثقافتنا العامة، والقيادات السياسية تبرع بامتياز في استخدامها خاصة إذا كان الأمر مرتبطا بمصالح حزبية ضيقة.

هذا الكلام ليس تقديما لتوجيه النقد لهذا الحزب او ذاك وإنما إقرار بان معظم الأحزاب بررت، وما زالت، عدم إقامة قائمة عربية واحدة أو قوائم ثنائية بين تيارات تحمل مشاريع سياسية واضحة ومحددة بأسباب واهية، كانت نتيجتها المباشرة السماح للأحزاب الصهيونية أن تصول وتجول في الوسط العربي وتحصد عشرات آلاف الأصوات بطريقة مقززة ومذلة للعرب. فالقضية لم تعد فقط قضية أصوات إنما قضية كرامة وطنية وأخلاقية، خاصة وان منتفعي الأحزاب الصهيونية في الوسط العربي أصبحوا يرفعون رؤوسهم بوقاحة منقطعة النظير، مفاخرين بانجازاتهم، وتكاد ساحتنا تخلو من مواجهة معهم، إلى درجة بات معها مجتمعنا يقبلهم ولا تؤرقه محاولاتهم لشرعنة الخيانة والنذالة السياسة والأخلاقية.

جميع الأحزاب العربية رفعت شعار كنس الأحزاب الصهيونية من الشارع العربي، باستثناء أبناء البلد التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات دون التعليق إعلانيا على ضرورة كنس الأحزاب الصهيونية من الوسط العربي، كما علقت إعلانيا على ضرورة كنس الأحزاب العربية من الكنيست الصهيوني من خلال المقاطعة.

عتبي على رفاقنا في ابناء البلد ورغم تفهمي الكامل لموقف المقاطعة ونظافة المقصد من ورائه، أنهم وقعوا في مطب تغليب العام على حساب الخاص ولم يدركوا ضرورة الموازنة بين شعار المقاطعة وكنس الأحزاب الصهيونية من شارعنا، فغلبوا مبدأ المقاطعة المطلق على العلاقة الضرورية بين وعي المقاطعة وتنظيف الشارع العربي من الأحزاب الصهيونية، وذلك يستلزم الدعوة للتصويت للأحزاب العربية لمن لا يريد المقاطعة.

جميع الأحزاب أيضا رفعت قبل تقديم القوائم شعار الوحدة والقائمة المشتركة.

الملفت للانتباه أن مفاوضات الوحدة بين التيارات الرئيسية الثلاث في الوسط العربي لم تكن إطلاقا حول برامج سياسية أو انتخابية.

ما هي أسباب عدم الوحدة إذن؟
للوقوف على حقيقة ما حدث ينبغي الانتقال من التعميم إلى التخصيص:

القائمة الموحدة والتجمع تفاوضا حول إقامة قائمة مشتركة قبل قدوم الطيبي وعرضت الموحدة أن يكون عزمي بشارة على رأس القائمة مع عدم تكافؤ بتوزيع المقاعد. التجمع يؤجل هذا العرض حتى انعقاد مؤتمره ليعاود الاتصال بالموحدة فيجدها تتفاوض مع الطيبي!

كثيرون في التجمع يرفضون التحالف مع الموحدة مبررين ذلك نحو الخارج بوجوب وحدة ثلاثية، أما نحو الداخل فالمبرر هو عدم التحالف مع قائمة يتبنى بعض نشطائها المركزيين نفساً انتهازيا وطائفياً... (من جانب آخر مسموح التنسيق والعمل المشترك خلال الانتخابات مع القائمة الانتهازية بهدف كنس الأحزاب الصهيونية ورفع نسبة التصويت في الوسط العربي).

في الماضي كانت الحركة الإسلامية ترفض القائمة المشتركة إذا وقف على رأسها مسيحي فكنا نتهمها وبحق بالتخلف فبماذا سنتهمها الآن ؟ الموحدة لا تريد الوحدة إلا مفصلة على مقاسها وبالتالي لا يمكن أن تقبل أيا كان من طائفة أخرى على رأس القائمة بتبرير عقائدي. أما التحالف مع الحكومة فهو شرعي عقائديا عندما تقتضي المصلحة الحزبية للموحدة ذلك!

التجمع عرض على الجبهة صيغة جديدة للتحالف وإقامة قائمة مشتركة ثنائية، الجبهة رفضت العرض، مبررة ذلك بالذات بعدم قدرتها على قبول التوزيع المطروح من التجمع بسبب التزامها لدوف حنين أن يبقى الثالث، وحسب التوزيعة المقترحة من الممكن أن يصبح حنين السادس إذا كان رأس القائمة جبهويا، أو الخامس إذا كان رأس القائمة تجمعيا، وفي كلا الحالتين مشكلة؟؟

الدافع الحقيقي وراء الرفض الجبهوي يجب أن تقوله الجبهة لجمهور الناخبين دون تبريرات واهية... لان اقتراح الوحدة التجمعي كان كفيلا بتحقيق نصر كبير للقائمة المشتركة الثنائية (7-8 أعضاء كنيست).

يؤكد الواقع ان دوافع الرفض الجبهوي نابعة من امتزاج غريب بين ضغط إرث حزبي قديم مبني على تقزيم ونفي الحركة الوطنية والراديكالية منها بالذات، وبين انشداد الى احتياجات الداخل الجبهوي لخلق تسوية متوازنة ترضي الخاسر والمنتصر في الجبهة!


في الواقع تختلف برامج الأحزاب الرئيسية الثلاثة في الوسط العربي اختلافا بينا: فالحركة الإسلامية تطرح الحل الإسلامي، في حين يطرح التجمع الحل القومي الديمقراطي، وتطرح الجبهة المساواة الاندماجية.

هذا الاختلاف شرعي وحقيقي، وهو يمثل بحق التوجهات السياسية المختلفة في مجتمعنا.

ولو أن هذه البرامج السياسية المختلفة كانت مثار نقاش في مفاوضات الوحدة لأصبح مبررا عدم تحققها.

لكنه من الخطأ تغليب الاختلاف السياسي في موضوع القائمة البرلمانية المشتركة، وهذا ما لم يقم به أي من الأحزاب الثلاثة وهم بذلك مصيبون عين الصواب.

ولا شك إن أداء أعضاء الكنيست العرب مندوبي القوائم الثلاث كان أداء جيدا وجميع القضايا التي أثيرت من قبلهم في الكنيست السابقة متشابهة إلى حد كبير، وتخدم قضايا الجماهير العربية. ولا يختلف نائب عن زميله إلا بالقدرات الفردية التي قد تجعل أداءه البرلماني أحيانا أفضل من غيره، أما من الوجهة السياسية فلم تسجل في الدورة السابقة اختلافات تذكر. وهذا أمر طبيعي لان النضال البرلماني بطبيعته يتمحور حول قضايا مطلبيه إن كان على مستوى التشريع أو التأليب، والبرلمان الإسرائيلي في حالة الأقلية العربية في البلاد ليس مسرحا لطرح القضايا السياسية المبدئية الخلافية بين الأحزاب العربية، بل غالبا ما كان جميع النواب العرب موحدين وراء نفس المطالب مع بعض الاستثناءات.

باختصار لا يوجد خلاف أو اختلاف مبدئي أمام تشكيل قائمة مشتركة هدفها النضال البرلماني لتحقيق مكاسب للجماهير العربية. وتشكيل مثل هذه القائمة من شأنه كنس الأحزاب الصهيونية ونبذ منتفعيها من الوسط العربي، وهذا الهدف يجب أن يكون محوريا لتحقيق هدفين آخرين هما:

أولا- حماية مجتمعنا من شرعنة الخيانة وتكريس ثقافة الاستجداء والواسطة التي يكرسها أعوان الأحزاب الصهيونية في الوسط العربي، وإعادة فرض هيبة الحركة الوطنية سياسيا وأخلاقيا وعدم تقاسم هذه الهيبة مع زلم حزب العمل والليكود وكديما الذين من المفروض نبذهم ليعودوا إلى أوكارهم بدلا من مفاخرتهم العلنية في خدمة أسيادهم مما ساهم في تشويش الوعي لدى الأجيال الصاعدة، وبخاصة تلك الفئات الكثيرة اللامبالية والمبتعدة رويدا رويدا عن أي خطاب وطني أخلاقي.

ثانيا- زيادة تمثيل الجماهير العربية في الكنيست، وهو أمر في غاية الأهمية لانجاز مزيد من المكتسبات في القضايا ألمطلبيه والسياسية. فعلى ارض الواقع يقف النضال البرلماني على رأس سلم أولويات الأحزاب العربية، والظروف الموضوعية الحالية تحدد السقف النضالي للجماهيرنا ضمن هذا الإطار وهي بالممارسة لا تتجاوزه الا بالتنظير أحيانا غير المستند إلى برامج عملية.

بناء على ذلك فان رفع نسبة تمثيل العرب في البرلمان يصبح هدفا ضروريا..والطريق إلى ذلك من خلال القائمة المشتركة، فحتى في الانتخابات الأخيرة ورغم تدني نسبة التصويت حصلت الأحزاب العربية مجتمعة على نحو 250 ألف صوت، وما لا شك فيه انه لو تحققت الوحدة لزاد هذا العدد عشرات الآلاف وكان العرب سيحصلون في اقل تقدير على 12 مقعدا مع إمكانية لزيادة هذا العدد إلى 14 أو 15 مقعدا في حال رفع نسبة التصويت عندهم.

فماذا يضيرنا لو كانت القائمة العربية ثالث قائمة في البلاد من حيث الحجم. ألا يساعد ذلك على فرض أجواء جديدة في الدولة تحتم عليها التعامل بشكل مختلف مع العرب؟

إذا راجعت الأحزاب العربية نفسها بجرأة وشجاعة، فلن تنتظر حتى الانتخابات القادمة لمناقشة القائمة المشتركة، وعليها أن تبدأ من الآن بوضع أسسها. ومن جانب آخر فلتبق التعددية وليعمل كل حزب على تحقيق مآربه وأهدافه السياسية والمبدئية.

لقد كانت سابقة التجمع بالدعوة للتصويت للأحزاب العربية خطوة بناءة وايجابية ساهمت في خلق أجواء جديدة في الشارع العربي خالية من التوترات والمهاترات.

يتوق المواطنون العرب إلى انطلاق مبادرة وحدوية لا تتوقف عند الشعار والتنظير وبعيدة عن التبرير، ومن دون ذلك ستجد الأحزاب العربية ذاتها مستنفذة في الانتخابات القادمة التي سيقاطعها أيضا أكثر من 40%، وعندها لن يجرؤ اي حزب ادعاء تمثيله للجماهير.


التعليقات