31/10/2010 - 11:02

خطة الفصل الشارونية وفلسطينيو الداخل/ مهند مصطفى

خطة الفصل الشارونية وفلسطينيو الداخل/ مهند مصطفى
بقي اقل من اسبوع على خطة فك الارتباط الشارونية عن قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، والتي نعتبرها خطة لاخلاء المستوطنين وليس انسحابا من ارض محتلة بل اعادة انتشار لقوات الاحتلال على الارض.

ستعمق خطة فك الارتباط من الاستيطان في الضفة الغربية، وستكرس واقع الكتل الاستيطانية كورقة سياسية للتفاوض حول الحل النهائي (صح النوم، متى سمعنا هذا المصطلح آخر مرة)، على كل حال لا يؤمن شارون بتسويات تؤدي الى الحل النهائي، ويحبذ ادارة الصراع من خلال تسويات مرحلية على نمط خطة الفصل التي تمنحه مكانة اقليمية ودولية سياسية للتفاوض وادارة الصراع الداخلي والخارجي.

ويتسلح شارون بتجارب سابقيه الذين حاولوا الوصول الى الحل النهائي، اما من خلال جدول زمني محدد مثل رابين، او من خلال الوصول الى تسوية دائمة للصراع مثل نتنياهو وباراك على غرار مؤتمر كامب ديفيد المصري، وهو ما فعله باراك في نفس المنتجع ايضا، الاول قتله يميني متطرف، والثاني فشل في الحياة السياسية الداخلية وعرض اسرائيل لخسارات دولية كبيرة، اما الثالث فقد فشل سياسيا وانطلقت في عهده الانتفاضة الفلسطينية المباركة.

لا يؤمن شارون بفلسفة الحل النهائي وفي نفس الوقت لا يضع جدولا زمنيا لهذا الحل. ولا احد يعرف ما سيكون واقع ما بعد الانفصال على الساحة السياسية. ولا يسقط شارون من حساباته استغلال هذه الورقة في التسويات القادمة وفي الحلول المرحلية سواء احادية الجانب او بالاتفاق. واحتجاج اليمين الحالي، ليس على خطة الفصل الحالية بل على خطة الفصل القادمة، رغم ما شكلته هذه الخطة من ضربة موجعة للفكر اليميني المسياني بشقيه الديني والصهيوني.

يناقش الاعلام العبري وحتى العربي حتى الان انعكاسات خطة الفصل على الساحة الاسرائيلية السياسية الداخلية وعلى واقع ومستقبل القضية الفلسطينية، الى جانب الحماس الشديد الذي تشهده الساحة الفلسطينية والعربية لتنفيذ الخطة، مغيبة على اثر هذا الحماس بوعي وبدون وعي القضايا الجوهرية التي يدور حولها الصراع والحل في آن معا: حق العودة، الحدود، المستوطنات في الضفة الغربية، الدولة والقدس الشريف.

لا احد يطرح موقف الاقلية العربية الفلسطينية والتي تشكل خمس سكان الدولة بشأن خطة الانفصال، النقاش السياسي الوحيد الذي ادير حول هذه المسألة كان من على منبر الكنيست وطرحت فيه الكتل والاحزاب السياسية العربية موقفها السياسي من حطة الفصل. وركزت في طرحها، وبحق، على الابعاد الخطيرة للخطة على القضية الفلسطينية ومستقبلها في ظل الاستراتيجية الشارونية والتي تشكل خطة الفصل احدى معالمها.

يتعلق موقف الاقلية الفلسطينية من خطة الانفصال من محورين: الاول الموقف السياسي العام من الخطة، والثاني تأثير الخطة عليهم. بالنسبة للشق الاول تتفق التيارات السياسية المركزية العربية في الداخل على ثوابت القضية الفلسطينية وتعتقد غالبيتها ان خطة الانفصال جاءت لتعزيز الموقف السياسي الاسرائيلي في التسوية وعلى ارض الواقع. ولكن هناك اختلاف بين تيارات سياسية حول خطة الفصل فمنهم من يعتبرها انجازا ويجب دعمها اعلاميا وسياسيا، ومنهم من يعتبرها بديلا عن التسوية وتكريسا للكتل الاستيطانية، وهناك من يقف متفرجا بدون موقف ينتظر ما ستفسر عنه المرحلة التي تعقب خطة الفصل. واستطاع شارون ان يخلق هذا التمايز ليس على الساحة العربية فحسب، بل ايضا على الساحة الاسرائيلية، لا نسمع اليوم عن نقاش سياسي حول ما بعد الخطة (طبعا سوى الحديث عن قدرة السلطة الفلسطينية على ادارة شؤون قطاع غزة بعد الانسحاب). الكل منقسم بين مؤيد للخطة ويدعمون شارون على تنفيذها وتأجيل نقده الى بعد الخطة، وقسم معارض لها، لا يسار ولا يمين ولا يحزنون.

لا شك ان الموقف السياسي الفلسطيني في الداخل من خطة الانفصال كان مختلفا عن موقفهم من اتفاق اوسلو وحالة الاسرلة التي اعقبت الاتفاق على مستوى السلوك والتفكير السياسي. لقد اصبحوا اكثر وعيا لابعاد الخطة واهدافها، رغم ما تثيره الخطة في سعيها لانهاء الاحتلال للوهلة الاولى. وينبع هذا بالاساس الى تراجع مظاهر الاسرلة وتعميق الوعي الوطني والديني بفضل خطاب التيارين القومي والاسلامي.

اما بالنسبة للشق الثاني فخطة الفصل الشارونية لا تنفصل ولو بجزء منها عن خطة شارون لتهويد الجليل والنقب. وهو التأثير المباشر على الاقلية الفلسطينية، ففي نيسان من العام الماضي قال شارون خلال زيارته للولايات المتحدة "ان خطة الانفصال ستؤدي الى نشوء واقع جديد افضل لدولة اسرائيل, حيث ستؤدي الى تعزيز الامن والاقتصاد وتقوية المجتمع, وبهذا الشأن اعتقد انه من المهم احضار امكانيات جديدة للنقب والجليل". وترجم شارون هذا التصريح الى اقتراح قانون، وهو قانون الاخلاء والتعويضات والذي يوفر دفعة اضافية تقدر بحوالي 90 الف دولار لكل مستوطن يرغب بالانتقال الى النقب او الجليل. واقرت الوكالة اليهودية في هذا الصدد اقامة مستوطنات جديدة في الجليل لاستيعاب المستوطنين فيها، اضافة الى برامج الحكومة في النقب فيما يتعلق باقامة المستوطنات الفردية والريفية. كانت هناك محاولات من بعض الجمعيات والمؤسسات لطرح الموضوع على الساحة المحلية والدولية فيما يتعلق بابعاد الخطة على الاقلية الفلسطينية، الا ان هذا الجهد بقي مقطوعا، تنعدم فيه الاستمرارية رغم خطورة ما يحيط بنا من تسريع لمخططات التهويد، والتي يتولى امرها شمعون بيرس ويجند الاموال لتنفيذها.

لن ننسى طبعا ان نقول ان العملية الارهابية في شفاعمرو واستشهاد اربعة فلسطينيين: هزار, دينا، ميشيل ونادر. هي احدى انعكاسات الخطة على الفلسطينيين في الداخل، هذه الخطة اصبحت تهدد امن العرب الشخصي والجماعي، لم يعد انعكاساتها تنحصر في تهويد الحيز بل في ممارسة الارهاب السياسي ضد العرب ككل، فالارهابي اليهودي لم يأت الى شفاعمرو بل جاء الى مدينة عربية، ولم يقتل هزار او ميشيل بل قتل فلسطينيين. اعتقدنا جميعا ان الارهاب اليهودي سيحاول المس بالفلسطينين في الاراضي المحتلة عام 1976 لوقف تنفيذ الخطة، ولكن اختياره فلسطينيين من الداخل هو انعطاف خطير في تفكير اليمين المتطرف ينسجم طبعا مع الثقافة العنصرية السائدة والتي تطالب بالانفصال عن ام الفحم اولا قبل الانفصال عن غزة، ولا ندري هل يتحول هذا الشعار الى حقيقة سياسية ام لا.


التعليقات