31/10/2010 - 11:02

دوافع انقلاب المالكي على الفدرالية! / عبد الزهرة الركابي

-

دوافع انقلاب المالكي على الفدرالية! /  عبد الزهرة الركابي
أيقن نوري المالكي رئيس حكومة المنطقة الخضراء ببغداد أن منصبه الشكلي في ظل الاحتلال، سيكون بلا معنى أو مسمى في حال المضي قدما بسلطة الفدراليات ونظام الأقاليم، وخصوصا في منطقتي الجنوب والفرات الأوسط اللتين ستكونان في حال تطبيق النظام الفدرالي من حصة منافس حزب المالكي (الدعوة)، حزب الحكيم (المجلس الإسلامي الأعلى)، لا سيما بعد تحجيم التيار الصدري والتضييق على نشاطه السياسي والميليشياوي.

وقد حاول المالكي إقامة تحالف بين حزبه وحزب الحكيم، لكن الأخير رفض ذلك من مبدأ الاستئثار الكلي بفدرالية الجنوب وعدم رغبته في أن يشاركه حزب منافس فيها. ومن الواضح أن المالكي قد عض أصابع الندم بعدما قطع شعرة معاوية مع التيار الصدري الذي كان القوة الوحيدة التي بمقدورها منافسة جماعة الحكيم وتقليم أظافرها. ومن أجل تدارك الموقف، وحتى لا يترك الساحة مفتوحة لحزب المجلس الإسلامي الأعلى وميليشياه (فيلق بدر) التي تتستر تحت عنوان (منظمة بدر)، لجأ حزب الدعوة الحاكم من خلال الحكومة الى تشكيل مجالس إسناد عشائرية للحكومة، تكون بموازاة ميليشيا المجلس الإسلامي الأعلى، بل إن حاضنتها العشائرية تستطيع التأثير على عناصر الميليشيات عموما، وهي حيلة ذكية من الحزب الحاكم لتلافي الثغرة التي ينوء منها وذلك من جراء افتقاده لميليشيا عسكرية تضاهي الميليشيات التابعة لجماعات الائتلاف الشيعي، وكذلك لسد ثغرة انحسار شعبية الحزب في الطائفة الشيعية من خلال الاستناد الى العامل العشائري والاستقواء به، وهو أمر كان محل انتقاد واعتراض من حزب المجلس الإسلامي الأعلى، الذي وجد نفسه مستهدفا بهذه الميليشيات العشائرية، بعدما لجأ المالكي الى استخدام أسلوب »الضد النوعي« في ساحة التنافس والصراع.

ولهذا، نجد رئيس ميليشيا »فيلق بدر« التابعة لجماعة الحكيم يقول ان تشكيل الحكومة العراقية مجالس إسناد من دون التنسيق مع الحكومات المحلية هو أمر غير دستوري ولا قانوني، لأن الدستور العراقي ينص على أن الحكومات المحلية هي المسؤولة عن الملف الأمني في المحافظات، فيرد عليه القيادي في حزب الدعوة حيدر العبادي قائلا، إن المجلس الأعلى الإسلامي يريد أن يدير المحافظات التي يسيطر على مجالسها وحده، خارج سلطة الدولة العراقية، لذا فهو اختار أن يطرح هويته كحزب، مضيفا أن هؤلاء لا يريدون للدولة العراقية أن تكون قوية، ولا يريدون للميليشيات التي ما زال البعض منها يخترق القوات المسلحة أن تجتثها الحكومة.

وبعدما أيقن أيضا نوري المالكي أن الأكراد ذهبوا بعيدا في فدراليتهم ولا نقول انفصاليتهم من خلال سعيهم المحموم للاستقلال النفطي من خلال عقدهم اتفاقيات عدة مع شركات النفط الأجنبية وعدم اكتراثهم باعتراضات الحكومة وجماعات الائتلاف الشيعي في هذا الجانب ، بل إن قانون النفط الجديد وجد طريقه موصدا من جراء الممارسة الكردية الانفصالية، والذي يعالج في جزء منه جموح الأكراد في طريق الاستقلال النفطي، حيث اعترض الأكراد عليه وقبل ان يتم إقراره، عندما أعلنوا أنهم غير معنيين به وان لهم قانونهم الخاص بذلك، مما حدا بأعضاء البرلمان الى عدم إقراره ما دام الأكراد مصرين على استقلالهم النفطي، وبالتالي اضطرت حكومة المالكي الى الرجوع والعمل بقانون النفط الذي كان معمولا به في حقبة النظام العراقي السابق، بذريعة أن الأكراد كانوا السبب الذي جعل الحكومة تعمل بالقانون المذكور.

وفي هذا السياق قال وزير النفط حسين الشهرستاني لوكالة الصحافة الفرنسية، إن سلسلة العقود التي منحها الزعماء الأكراد الى شركات أجنبية، هي التي عرقلت صدور ما أسماه (قانون النفط الوطني)، وأضاف أنهم دفعوا بغداد باتجاه استخدام معايير فترة (نظام صدام حسين).

لا شك بأن حكومة المالكي اهتزت كثيرا في الفترة الأخيرة، بعدما عاد تنظيم القاعدة بقوة الى نشاطه التفجيري والانتحاري، هذا من جانب، والجانب الآخر تمرد الأكراد على حكومة المالكي سياسيا وعسكريا ونفطيا، الى حد جعل الأكراد يتمددون بميلشياتهم الى خارج المحافظات الكردية، غير عابئين بالاعتراضات الخجولة، سواء من حكومة المالكي أو من جماعات الائتلاف الشيعي التي بدت حريصة على تحالفها مع جماعتي التحالف الكردي (جماعة البارزاني وجماعة الطالباني)، أكثر من حرصها على المصلحة الوطنية العليا التي باتت عرضة للانتهاك والانتقاص والاضمحلال، وخصوصا من الأكراد الذين أشهروا استقلالهم الاقتصادي، وهم يجدّون السير للسيطرة على نصف النفط العراقي إذا ما سيطروا على نفط كركوك الذي يعادل ثلث نفط العراق، مع العلم أن كركوك وأقضية ونواحي وقصبات من محافظات الموصل وديالى وتكريت باتت في حكم الساقطة عسكريا وأمنيا بيد الميليشيات الكردية التي أجبرت القوات الحكومية على الانسحاب من تلك المناطق، من جراء التحدي الذي أظهرته تلك الميليشيات حيال القوات الحكومية التي تتخلف عن الميليشيات الكردية بالعدد والعدة.

يُذكر أن صحيفة الواشنطن بوست الأميركية في الفترة الأخيرة نشرت تقريراً أفادت فيه بأن الأكراد وسعوا مناطق نفوذهم لتشمل ٣٠٠ ميل من الأراضي خارج حدود إقليمهم، لافتة الى أن قائد القوات الأميركية في شمال العراق الميجور جنرال مارك هيرتلينك وجه انتقادات الى ظاهرة انتشار (البشمركة) في تلك المناطق، مؤكداً أنها محاولة لتغيير الطبيعة السكانية فيها، وأضافت الصحيفة في تقريرها الذي حمل عنوان (خطورة توسعية الأكراد) على حساب العرب في مناطقهم التي اجتاحتها الأجهزة الأمنية الكردية، وأشارت إلى أن عراقيين عرباً كثيرين يتهمون الأكراد بتوسيع سيطرتهم على الأرض، وقد بدأوا فعلاً بتمديد سلطتهم على مناطق كان سكانها قد غادروها بسبب الحرب.

وأكدت أن الزعماء الأكراد يمارسون عملية التوسع في بسط سلطاتهم على ما يقرب من ٣٠٠ ميل طولاً إلى ما بعد حدود الإقليم الكردي في شمالي العراق، وعملوا على جعل الألوف من جنودهم يستقرون في المناطق المختلطة، وهي عملية ينظر إليها السكان العرب على أنها انتهاك لمناطقهم.
وشددت على أن إصرار الأكراد على توسيع سيطرتهم التي بدأت منذ الغزو، وتسببت في رحيل عشرات الآلاف من العرب عن بيوتهم، يُنظر إليه من قبل العرب العراقيين، ومسؤولي الولايات المتحدة، على أنه عمل استفزازي، ومن المحتمل أنْ يؤدي إلى زعزعة الأمن في المناطق التي تتحرك فيها القوات الكردية.

وفي خضم صراعه مع جماعة الحكيم وجد المالكي الظرف مواتياً لرمي عصفورين بحجر واحد عندما غمز من قناة الأكراد أيضا بالقول: لا يمكن قيام الدولة من دون السلطة المركزية، وان الشراكة السياسية لا تعني فيتو يوضع من طرف ضد طرف آخر. مضيفا ان الفدرالية يجب أن لا تكون بديلاً عن الدولة: تعطي تأشيرات دخول وخروج، فالمطارات مثلاً لا تحرك مركزياً، والحدود ليست بيد الحكومة المركزية التي لا تعرف مع من تتعامل هذه المحافظة أو تلك.

([) كاتب عراقي

"السفير"

التعليقات