31/10/2010 - 11:02

عباس.. وفرصة تصحيح المسار../ أحمد الحيلة*

عباس.. وفرصة تصحيح المسار../ أحمد الحيلة*
ستواجه وزيرة الخارجية الأمريكية رايس في زيارتها القادمة إلى فلسطين ظروفاً صعبة أثناء مهمتها الرامية لدفع عملية التحضير للقاء الدولي، وذلك بعد أن استبق رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت زيارتها بالإعلان أمام وزرائه من حزب كاديما 16/9 أن "النية تتجه إلى الاكتفاء بنشر إعلان مشترك، وليس اتفاق مبادئ، وأن ثمة فارق بين اتفاق مبادئ وبين إعلان يعكس النوايا" مضيفاً " نحن نبلور إعلاناً مشتركاً من أجل أن يكون، إذا عقد المؤتمر، العنوان الرئيس للقاء"

بهذه الكلمات الواضحة، حسم رئيس الوزراء الإسرائيلي توجهه وموقفه من جوهر اللقاء الدولي المزمع عقده في واشنطن الخريف القادم، مما يعني فشل اللقاء الدولي قبل الدعوة إليه..، وفي ظني أنه من العسير على وزيرة الخارجية الأمريكية رايس ـ هذا إن صدقت في نيتها ومسعاها ـ أن تغير من جوهر توجهات ايهود أولمرت بما يلتقي مع تمنيات الرئيس عباس، وذلك لعدة أسباب تتعلق بالداخل الإسرائيلي وأهمها:

• أولاً: أن ما ذهب إليه إيهود أولمرت من تصريح عن أن جوهر اللقاء الدولي سيتمحور حول إعلان نوايا مشترك، إنما يعكس المزاج العام الإسرائيلي الرافض لتقديم تنازلات جوهرية فيما يسمى بقضايا الحل النهائي (الدولة الفلسطينية ذات السيادة، الانسحاب من الأراضي، القدس، اللاجئين، المياه..)، كما يعكس تخوف أولمرت نفسه من التصادم مع الرأي العام الإسرائيلي المتشكك بجدوى التفاوض مع الرئيس عباس، في الوقت الذي ما زال يعاني فيه أولمرت من تراجع مستوى ثقة الجمهور به وبحكومته على خلفية هزيمته في حربه على لبنان العام الماضي، وبالتالي فهو يخشى من أن أي مغامرة قد تطيح به سياسياً أمام منافسيه وزير الدفاع رئيس حزب العمل ايهود باراك، ورئيس حزب الليكود نتانياهو. ففي مقياس السلام لشهر آب 2007، نشرت صحيفة هآرتس 10/9 ما يشير إلى أن 73% من الجمهور الإسرائيلي يعتقدون أن حكومتي أولمرت وعباس أضعف من أن توقعا اتفاق سلام باسم الشعبين على افتراض أن هذا الاتفاق سيتضمن تنازلات هامة. فيما أفاد 49.5% أن أولمرت قد استأنف الاتصالات مع عباس حتى يعزز مكانته المتضررة إثر تقرير لجنة فينوغراد الجزئي وقبيل نشر التقرير الكامل وليس لأن الظروف الناشئة أتاحت ذلك أكثر من الماضي.

• ثانياً: قناعات وزير الدفاع باراك ـ الشريك الأساس في حكومة أولمرت عن حزب العمل ـ الذي يرى في فتح وحماس وجهين لعملة واحدة، وأن عباس وسلام فياض أضعف من أن يستطيعا تنفيذ بنود الاتفاق في حال توقيعه. وهو يرى أن الضرورات الأمنية لإسرائيل تتطلب عدم الانسحاب من الضفة الغربية قبل خمس سنوات، وهي المدة التي يراها ضرورة حتى يتمكن فيها الجيش من التوصل إلى حل تكنولوجي لمعالجة مشكلة الصواريخ التي تهدد أمن إسرائيل بما فيها الصواريخ الفلسطينية الصنع، والتي ترجح مصادر أمنية صهيونية إمكانية تطورها إلى مدى 15كم مما سيمكن المقاومة الفلسطينية من استهداف مدينة عسقلان لتصبح حينئذ تهديداً خطيراً..، وبالتالي فإن وزير الدفاع باراك الذي يرفض لحد الآن رفع أي حاجز عسكري في الضفة الغربية بحجة إخضاعها للدراسة والمواءمة مع الحاجات الأمنية لإسرائيل يمكن له أيضاً أن يعيق أي انسحاب حقيقي مزمع في المستقبل بذريعة الأمن.

قناعات باراك تلك لا يمكن تجاهلها، وهي ذات تأثير كبير في صناعة القرار السياسي الإسرائيلي ـ خاصة بعد إخفاق أولمرت في حرب لبنان ـ فباراك يعد الشخصية العسكرية الأبرز، أي أنه الأعلم بحاجات إسرائيل الأمنية في ظن الجمهور الإسرائيلي، هذا علاوة على أنه رئيس حزب العمل القادر على الإطاحة بحكومة أولمرت الائتلافية، والدفع باتجاه انتخابات إسرائيلية مبكرة، وهو الرجل الطامح للوصول إلى رئاسة الوزراء، وليس له ذلك إلا إذا تشدد في تعامله مع الفلسطينيين، وذلك وفقاً للسياسة التي درج عليها الزعماء الصهاينة في الوصول إلى قلوب الناخبين الإسرائيليين عبر المزيد من سفك دماء الفلسطينيين.

• ثالثاً: شكوك أجهزة الأمن الصهيونية في قدرة الرئيس عباس وحكومته برئاسة فياض على إنفاذ الالتزامات الأمنية التي سيمليها أي اتفاق سياسي مرتقب، لا سيما وأن الصهاينة درجوا على ربط أي اتفاق سياسي بمستوى الالتزام والتقدم الأمني من جانب الطرف الفلسطيني..، فإذا كان الرئيس عباس يخفق في إحكام سيطرته الأمنية على الضفة الغربية فكيف له أن يحقق ذلك في غزة؟

ما ذكرناه سابقاً، ـ وغيرها من الأسباب التي لا يتيح المجال ذكرها ـ يخلق قناعة لدى الطرف الإسرائيلي بعدم جدوى تقديم "تنازلات" للطرف الفلسطيني المتمثل في شخص الرئيس عباس الذي يمثل أضعف حلقة في تاريخ الثورة الفلسطينية، ومن البديهي في السياسة أن الضعفاء لا مكان لهم، وأن الأقوياء لا يقدمون عطاءات ومنح مجانية.

من الواضح أن أولمرت راغب في ممارسة سياسة العصا والجزرة على رام الله، وسياسة العصا على غزة مستثمراً في ذلك حالة الانقسام والخصام السياسي الحاد بين حركتي فتح وحماس، ففي مقابل عزل وحصار غزة التي تسيطر فيها حركة حماس، يسعى أولمرت إلى ابتزاز الرئيس عباس إلى أقصى مدى ممكن، فهو يريده وكيلاً أمنياً في الضفة الغربية مقابل تقديم مساعدات اقتصادية..، ومنحه "أملاً" في الوصول إلى حل سياسي من خلال نفق المفاوضات اللانهائي الذي ألزم الرئيس عباس نفسه به وجعله خياره الوحيد واليتيم، رغم تجربة أوسلو المريرة، ورغم رفض الاحتلال التعامل أو القبول بالمبادرة العربية للسلام التي مثلت أكبر تنازل عربي لم يكن ليحلم به الصهاينة.

ندرك أن الرئيس عباس مأزوم داخلياً بعد الذي حدث في غزة، ومأزوم عربياً بعد أن رفض كل الوساطات العربية (مصر، السعودية، اليمن، السودان...) الداعية للحوار الفلسطيني الداخلي، ومأزوم دولياً إثر إرهاصات الفشل الذي سيلف اللقاء الدولي القادم الذي أفرغه أولمرت من محتواه قبل أن يبدأ..، ولكن ذلك لا يعني أن خيارات عباس معدومة إذا أراد..، فما زال الباب مفتوحاً والفرصة متاحة للحوار الفلسطيني الداخل لاستعادة اللحمة والوحدة الوطنية الفلسطينية، خاصة مع استمرار دعوة حماس للحوار، واستعدادها لإعادة المقار الأمنية للرئاسة الفلسطينية في ظل حوار يعيد بناء تلك الأجهزة على أسس سياسية ووطنية حسبما اتفق عليه في مكة.

وهذه فرصة أيضاً لاستعادة الرياض والقاهرة دورهما في لمّ الشمل الفلسطيني على ما اتفق عليه في القاهرة، ووثيقة الوفاق الوطني، ومكة، خاصة بعدما تأكد لتلك الدول من أن اللقاء الدولي لا يحمل الكثير للقضية الفلسطينية سوى المزيد من التنازل والانقسام والتشرذم..، مقابل حصاد سياسي يمثل رافعة سياسية لبوش وأولمرت بعد أزمتهما في العراق ولبنان، وحاجتهما لغطاء عربي في ظل احتمالية الحرب على إيران أو سوريا أو كليهما معاً..، ولعل هذا ما دعا وزير الخارجية السعودي "سعود الفيصل" يوم الجمعة (14/9) في مؤتمر صحفي إلى القول: "إذا لم يبحث المؤتمر (اللقاء الدولي) في مسائل جدية لحل النزاع، ويعرض المبادرة العربية كهدف مركزي، ويعرض جدول أعمال يلزم إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة، فلن يكون للمؤتمر أي معنى وسيؤدي إلى التسويف في المفاوضات"، وهذا ما حدا به إلى التشكيك في حضور المملكة السعودية لهذا "المؤتمر".

من هنا ندعو الرئيس عباس إلى التحلي بالشجاعة والتعالي على المصالح الحزبية والشخصية بوقف المراهنة على الأمريكان والصهاينة، ووقف "مهزلة" اللقاءات الثنائية مع إيهود أولمرت دون طائل يذكر، وبالتالي تصحيح المسار الفلسطيني من خلال العودة إلى الحوار الفلسطيني الداخلي لاستعادة الوحدة الوطنية في ظل عمق عربي لا غناً عنه.

وهذه مناسبة أيضاًَ لتتقدم حركة حماس خطوة باتجاه الرئيس عباس تعيد له فيها الاعتبار، وتبدد فيها تخوفه وشكوكه، وتقطع بها الطريق على نافخي نار الفتنة..، فالمصلحة العامة والقضية الفلسطينية مقدمة على المصالح الحزبية والفردية، وهي تستحق من الجميع التنازل الإيجابي الذي يعيد للشعب الفلسطيني الأمل في وحدته.

التعليقات