31/10/2010 - 11:02

فوز اوباما بترشيح حزبه بين ثورة "التحرير" العراقية وثورة "التغيير" الامريكية../ معن بشور

فوز اوباما بترشيح حزبه بين ثورة
سواء حملت صناديق الاقتراع الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم السيناتور باراك اوباما إلى البيت الأبيض (كما حملته صناديق الناخبين الديمقراطيين ليكون أول مرشح أسود لحزبهم لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية) أم لا، فان ما جرى في 3 حزيران/ يونيو 2008 من حسم "ديمقراطي" لترشيح اوباما يعكس حماسة أمريكية كبرى للتغيير، وهي حماسة عابرة للون والعرق والجنس والإثنيات والولايات، وحتى للأجيال، بل هي حماسة لا تعادلها، في عصرنا الحالي، إلا تلك الحماسة العارمة التي رافقت موجة البريسترويكا وغمرت مواطني الاتحاد السوفياتي قبل أن يكتشفوا، وبسرعة، حجم الانحراف الذي قادهم إليه بوريس يلتسين ليعود فلاديمير (الثاني) بوتين محاولاً تصحيحه.

وإذا كانت مصادر الحاجة إلى التغيير في المجتمع الأمريكي، متعددة ومتنوعة، فيها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فيها الإثني والديني والديمغرافي، فيها الداخلي والإقليمي (الإقليم الأمريكي بقارتيه) والعالمي، فإن أحدا لا يستطيع أن ينكر دور منطقتنا العربية والإسلامية في تسريع اكتشاف الأمريكيين لحاجتهم إلى التغيير، بل في التعجيل بكشف بواطن الخلل العميق في نظام شكّل أعلى مراحل الامبريالية التي هي أعلى مراحل الرأسمالية حسب قول فلاديمير (الأول) لينين قبل قرن تقريباً.

وفضل السناتور اوباما الحاسم على غيره من "شيوخ" الكونغرس الأمريكي أنه كان الوحيد الذي صّوت ضد الحرب على العراق عام 2003 ، وأنه ظهر كمدعاة للسخرية والهزء حين قدّم اقتراحاً إلى الكونغرس الأمريكي عام 2006 يقضي بسحب قوات بلاده فوراً من العراق، وهو اقتراح لم ينل آنذاك سوى صوت صاحبه اوباما قبل أن ينال اليوم، على ما يبدو، أصوات 20 مليون ناخب ديمقراطي أمريكي في الانتخابات الرئاسية التمهيدية.

العراق إذن كان العامل الحاسم في ظاهرة "اوباما": وبرنامجه التغييري، جنباً إلى جنب مع عوامل عديدة أخرى منها الاقتصادي المتصل بالركود الزاحف إلى الولايات المتحدة ليحاصر من جديد "الحلم الأمريكي" الذي طالما صوّروه وكأنه بديل عن "الوطن الأمريكي"، ومنها المالي المتصل بأزمة الرهن العقاري، ومنها النفطي المتصل بجنون أسعار النفط، ومنها النقدي المتصل بتراجع قيمة الدولار في كل أنحاء العالم، ومنها الاجتماعي المتصل بتقهقر الخدمات الصحية والتربوية، ومنها الخدماتي المتمثل بالارتباك في معالجة الكوارث، ومنها الأخلاقي المتصل بسمعة الولايات المتحدة في كل أرجاء المعمورة، ومنها الاستراتيجي المتصل بإخفاقات سياسية متتالية بدءاً من "الحديقة الخلفية" في أمريكا اللاتينية وصولا إلى العمق الأسيوي وثغوره القديمة والجديدة وفي مقدمها الصين.

وإذا كان المجال في هذه العجالة لا يتسع لتفصيل جوانب الفشل هذه بكل تداعياتها، فان أحدا لا يستطيع أن ينكر دور الحرب على العراق (واستطراداً أفغانستان والصومال، ومعهما الحرب الصهيونية على فلسطين ولبنان)، في الإسهام بشكل ملموس وجدي في تأجيج كل جانب من جوانب الأزمة الأمريكية الراهنة، وخصوصاً أن الإدارة الأمريكية لاحتلال العراق وصلت إلى طريق مسدود مع رغبة غالبية الأمريكيين في الخروج من المستنقع العراقي، والإجماع الشعبي والوطني العراقي على رفض المعاهدة الأمنية الأمريكية العراقية المقترحة وهو إجماع لم يشذ عنه حتى بعض غلاة المتعاونين مع الاحتلال والمنخرطين في عمليته السياسية.

ولعل هذه الرؤية المبكرة لمأزق المشروع الأمريكي في العراق كانت وراء خطاب عربي وإسلامي وعالمي انطلق مباشرة مع رصاصات المقاومة الأولى، التي انطلقت هي الأخرى فور احتلال العراق، وهو الخطاب الذي أعلنه مؤسسو المقاومة العراقية وقادتها وأنصارها على امتداد الأمة والعالم، والذي يتلخص بمقولة بسيطة : أن العراق، الذي أرادته إدارة جورج بوش ومحافظوها الجدد منطلقاً للهيمنة على منطقتنا، وأرادت من خلال نفطه أن تتحكم باقتصاد العالم بأسره، سيتحول بفضل مقاومته الباسلة إلى قاعدة للتأثير الايجابي الحاسم على مستوى الأمة بل على مستوى العالم كله، وهو عالم رازح تحت كابوس "النازية الجديدة" التي تهيمن عليه من خلال تحكمها بقرار الدولة الأقوى في العالم باسم "النيوليبرالية" ومكافحة ما يسمى بالإرهاب، وكل ذلك من خلال عصابة "المحافظين الجدد".

لقد كان ذاك الخطاب الرؤيوي، العربي والإسلامي والعالمي، حريصاً في الوقت ذاته على الربط بين تحرير الشعب العراقي من محتلي أرضه، وبين تحرير الشعب الأمريكي من محتلي إرادته، معتبراً إن المقاومة العراقية (وهي بالطبع غير العمليات الإرهابية المشبوهة التي كان هدفها تشويه وجه المقاومة) وهي تخوض معركة شعبها إنما تسهم في معركة الشعب الأمريكي ضد مستغليه ومحتكري خيراته، بل إنها وهي تدافع عن حياة العراقيين إنما تسهم في الدفاع عن حياة الأمريكيين الذين تبتلعهم يومياً آلة الحرب الاستعمارية الأمريكية، كما انها بدفاعها عن الموارد العراقية إنما تسهم في صون الموارد الأمريكية في وجه اخطر عملية نهب وسلب وفساد عرفتها البشرية، بل في وجه اكبر عملية تبديد لهذه الموارد وهدر للطاقات والإمكانات، ناهيك عن كونها معركة الدفاع عن القيم والمثل التي تؤمن بها الأمتان العربية والأمريكية في آن معاً وقد جرت محاولات بشعة لتشويهها ولهدمها ولاستبدالها بقيم زائفة وعابرة..

وحين قامت الثورة الفرنسية عام 1798، قيل إن من أسباب قيامها ثورة الاستقلال الأمريكية التي حررت الولايات المتحدة من الاستعمار الانكليزي، وان احد قادة حرب الاستقلال الأمريكية (لافاييت) هو احد قادة الثورة الفرنسية، مما يؤكد أن قيم الحرية والعدل والمساواة هي قيم إنسانية لا تتجزأ ولا تخضع لازدواجية المعايير.

فهل يمكننا القول اليوم أن ثورة "التحرير" العراقية سوف تلهم ثورة "التغيير" الأمريكية، وان من أرضنا الطيبة سوف تنطلق مرة جديدة رسالة إنسانية كبرى إلى العالم كله.

قد تفسر حماستنا بعض هذا التفاؤل، الذي قد يكون مبالغاً فيه، والذي قد يبدو مستخفاً بقدرات القوى المعادية لامتنا وقدرتها على الرد، بل وعلى تجويف أي انتصار وتزييفه، غير أن الثابت الوحيد الذي لا يمكن إنكاره هو أن خطاب المقاومة في الأمة، قومياً كان أم إسلاميا أم يسارياً أم ليبرالياً، لم يكن خطاباً خشبياً غارقاً في لجة الماضي السحيق، بل انه خطاب مستقبلي نقي، وإذا كان فيه بعض الخشب، فهو من خشب "الأبنوس" الأنيق حتى لا نقول انه من خشب خالد كخشب "الأرز".

التعليقات