31/10/2010 - 11:02

في السؤال الطائفي../ أحمد أبو حسين

في السؤال الطائفي../  أحمد أبو حسين
أعترف أنني سئمت الكتابة والقراءة، ومتابعة الصحف اليومية وسماع الندوات والمحاضرات وفتاوى السياسة عن قبائل البشتون والشيعة والسنة، ونصائح مشايخ العرب الجدد وتقليعات تجديد الفكر الديني، ونفخات الإيمان البروتستانتية والمتجددة بعد خراب البصرة ودارفور، كيف لا، ومرّة أخرى تظهر العذراء لتصفية آثار العدوان، وشرق عدن غرب الله فعلا بحسب هوميرية الماغوط الأخيرة قبل رحيله الى "مكان آمن"، وثورة الترابي الثقافية إندلعت احتجاجا على عذاب القبور بوصف الرجل "متطرفاً بالحرية وحقوق الانسان" على حد قوله.

أية حرية ؟ حرية التفكير والتنظير والابداع مقابل حرية التكفير والتفسيق ( يقال فسق فلان أو فسق الترابي المرتد عن كراهية الحداثة)، وتفغر الأفواه وتحوف "الصفنة" الصغار أمام الإمام الساخر صاحب أحقية الكلام والحصانة الإلهية والحزبية أمام كلام الله: "وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". ماذا تبقى لكم أن تقولوا عن "أهل الذمة" بعد أن أجاز شيخكم وأستاذكم وحاضن "بن لادن" زواج بنات "المسلمين" من "الكتابيين".

كم كنت أود أن أقرأ تعقيبا "إسلامويا" على هذا الكلام حتى لو كان في صحيفة عميلة، بدل "التنظير الإستحلامي" حول سلوك الشيعة المرتقب في المنطقة العربية، وسلوك مؤسسات وجمعيات أهلية عربية، ومحاولات الاجتهاد والبحث عن العلاقة بين الصليبيين وأوائل القوميين العرب، وعلاج أمراض السكر بعسل النحل. من يجرؤ على الرد؟ من يجرؤ على مناقشة "القديسين"؟ من يحاور "الملائكة"..؟ ما هذا التملق الطائفي لمجتمع التدبير المنزلي وتربية الدواجن في زمن إنفلونزا الطيور؟ .. ما هذا السكوت على مشروع "كلام بكلام"؟ من يفتح نار الكلام على كلام "الشيخ المنظّر" المحصّن بجدران التملق؟

لا بد أن تقال كلمة حق كي لا نتحوّل الى شياطين، والساكت عن قول الحقيقة يشارك في الإجابة على السؤال الطائفي، والجواب عليه يكمن في أعضاء تناسلية اقتطع أجزاء منها أو لم تتعرض للسكين. والمدهش أصلا أن ينشغل الناس وينهمك مجتمع كامل بأعضاء تناسلية لآخرين بصورة مبالغة أكثر من "الطهور" نفسه، و"الطهور" صفة للمبالغة، أما الطهارة فهي للسلاح وحتى سلاح الكتابة لكنها لا تعني البتة طهارة الأعضاء التناسلية والألسن.


والمدهش أيضا أن يشارك ممثلو المجتمع العربي وقيادات ومثقفون وصحافيون وفنانون وشعراء يبحثون عن "الأصل" و"أدباء بدون إنتاج" بلعبة التملق والسكوت عن قول كلمة حق أمام عميل لسلطان جائر، بل بالعكس هناك من يمارس لعبة التآمر العلني والفساد والوشاية ويختبئ وراء مقالة طويلة ليس لها "أول ولا آخر" يتطاول فيها على "حماس" لقراءتها الواقع وذهابها للإنتخابات، ويتضامن معها بعد حصار حكومتها بذريعة أنه ضد الحملة الصليبية على المسلمين، وفي الوقت نفسه يصمت على حرق كنائس المشرق العربي، ويوازي بين قطع رقاب العرب ونضال الشعب الفلسطيني، ويتحاشى عمدا نقد الزرقاوي "حامي حمى الأمة".

على أية حال لا أتوقع خيرا من هؤلاء، لكن ما يدهش كما أشرت الإنضمام إلى جوقة مع عملاء ومثقفين بأقواس تافهين وقفوا على الحياد من التحريض على الحركة الوطنية.

يخيّل لي أحيانا أن إبن طائفة الأقلية بين طوائف الأقلية العربية الفلسطينية في الداخل أو في الوطن العربي يحتاج أن يشهر "إسلامه" كي يستطيع أن يكون ممثلاً للجمهور، وإلا سيتعرض للإهانة والشتيمة دون حماية. أما الإمكانية المطروحة أمامه ليست سوى أن يرحل من الوطن أو أن يختار طريق العمالة والخيانة كي يشترك في الحياة العامة ويشتم الوطنيين. هذه الإمكانيات الموجودة أيضا أمام عقلية الطائفية الحاقدة المعادية للعروبة، والسائدة أيضا في صفوف تيار شاءت الأقدار أن يحتل حيزا بفضل المرحلة الأمريكية وبن لادن. والحقيقة أن هذا التيار إنتهازي ونرجسي. وبدأ في الآونة الاخيرة يتحدث بلغة فوقية ويقدم اقتراحات من أجل تجنيد الأموال لبناء مجتمع من نوع آخر، والقائمون على التيار خبراء في الموضوع أكثر من أي حزب أو جمعية وطنية وأهلية. ونكاد لا نرى باحثا أكاديميا يتجرأ ويوّجه نقدا لهذا التيار، ويبدو أن النذالة صفة ملازمة لهذا النوع من "المثقفين".. ومقالاتهم شهادة على حال عقولهم وعقليتهم .

يمكن إعتبار "هزة البدن" التي تعرضت لها الحركة الوطنية جراء الإنتخابات الإسرائيلية الأخيرة مناسبة للإبحار في تخيلات وفرضيات من نوع " ماذا لو؟"، ويبدو أن هذه الهزة كانت مفيدة للمراجعة النقدية وطرح الأسئلة والبحث عن أسباب "احتجاز التطور"، وقراءة الشارع بصوت عال وعدم مسايرة من راهن على سقوط الحركة الوطنية بعد الآن، كي لا نسمح بعد اليوم بالتطاول عليها وعلى رموزها وقياداتها من قبل عملاء المخابرات الاسرائيلية أو الإنتهازيين السياسيين المختلفين من "مختصين" و"خبراء" وحديثي العهد في الصراخ السياسي.

هكذا وبصراحة.. لا أنتظر تعليقا مشعوذا على كلام الترابي، ولا ردا على جواب السؤال الطائفي.. أبحث عن "طهارة الكلمة".. والله زمن يا سلاحي ...


التعليقات