31/10/2010 - 11:02

لا تفتحوا الباب لتكرار مسيرة "أبومازن.. رايح ـ جاي"../ جلال عارف*

لا تفتحوا الباب لتكرار مسيرة
لا أعتقد أن لعبة استهلاك الوقت التي تلعبها الولايات المتحدة وإسرائيل مع الفلسطينيين والعرب سوف تؤدي إلى ما تريده واشنطن وتل أبيب من إعداد المسرح للمزيد من التنازلات العربية لسبب بسيط وهو أن هذه التنازلات قد وصلت إلى الخطوط الحمراء التي تدفع رئيساً عربياً لا يمكن اتهامه بالتطرف مثل الرئيس مبارك إلى التأكيد قبل أيام على التحذير بأن هناك شعوباً تحاسبنا.. شعوبنا ليست نائمة.. كيف تكون هناك علاقات (مع إسرائيل) بدون أن تعود الأرض ؟!

هذا التحذير الذي يأتي من قلب العاصمة الباريسية وبعد لقاء أخير مع الرئيس الفرنسي شيراك يحمل أكثر من معنى:

فهو يأتي من الطرف العربي الأكبر والأول في إقامة علاقات مع إسرائيل بعد رحيلها من سيناء. وهو طرف يصف علاقاته بواشنطن دائماً بأنها استراتيجية. وأيضاً فهو يأتي من طرف لا يمكن أن يغمض عينيه عما يجري في فلسطين ولا أن يكون بعيداً عنها تحت أي ظرف.

وهو يأتي في أعقاب عدة تصريحات من وزير الخارجية المصري وغيره من المسؤولين في نفس الاتجاه، جاءت بمثابة رد على التصريحات الاستفزازية من رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت عن استعداده للقاء زعماء عرب لبحث المبادرة العربية، وكأن الزعماء العرب قد قضوا ستين عاماً يحاولون تحقيق أمنياتهم (!!) العزيزة بلقاء رئيس الكيان الصهيوني والحصول على بركته!!

التصريحات المتكررة للمسؤولين المصريين منذ قمة الرياض كانت تؤكد على أنه لا يمكن اتخاذ تجديد القمة للمبادرة العربية وسيلة للتطبيع المجاني، وأنه إذا كانت هناك لقاءات مع الإسرائيليين فستكون مع الدول التي لها علاقات دبلوماسية بالفعل وليس أكثر.

لكن تأكيد الرئيس مبارك يعني ما هو أكثر من الرد على تصريحات أو تسريبات إسرائيلية. إنه يعني أن هناك ضغوطاً (أميركية بالطبع) على أطراف عربية مؤثرة للقيام بهذه الخطوة، وهناك ضغوط على القاهرة للموافقة أو غض الطرف. وقد يكون تصريح الرئيس مبارك محاولة لقطع الطريق على مثل هذه الضغوط، بل والتحذير بأن الشعوب العربية ستحاسب الأنظمة إذا أقدمت على ذلك، ومن ثم التساؤل هل الهدف (الأميركي - الإسرائيلي) هو السعي لخلق مشكلات جديدة في المنطقة ؟!

ويرتبط ذلك بما يجري على الساحة الفلسطينية الداخلية وما بشرت به الدبلوماسية الأميركية من انفتاح على طريق تحقيق رؤية الرئيس بوش بإقامة الدولة الفلسطينية، والنجاح الهائل (!!) الذي حققته وزيرة الخارجية الأمبركية كوندوليزا رايس في إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بعقد لقاء مع الرئيس الفلسطيني أبومازن كل أسبوعين!!

الآن - وبعد اللقاء الأخير بين الرجلين تتصاعد الاعتراضات الفلسطينية على هذا العبث وتضييع الوقت بلا طائل، وتشمل الاعتراضات الجميع حتى داخل فتح بعد أن أصبحت الاجتماعات بلا معنى في ضوء تأكيد الجانب الإسرائيلي أنها لن تبحث في قضايا الحدود واللاجئين والقدس وكافة المسائل المتعلقة بمفاوضات الحل النهائي. لتتحول الاجتماعات إلى أحاديث معادة عن أمن إسرائيل وعن حصار لا يرفع ومعونات لا تصل و(تفضل قهوة، تفضل شاي)!!

وكأن 15 عاماً لم تمر على اتفاق أوسلو، وكأن كل القضايا لم يسبق التفاوض حولها، ولم يبق إلا القرار الذي يمضي إما إلى التسوية أو إلى الصدام!والأسوأ من ذلك كله انه في الوقت الذي يبدي فيه العرب ـ بإعادة طرح مبادرتهم ـ كل النوايا نحو قبول تسوية يفقدون فيها الكثير من حقوقهم التاريخية المشروعة، يبدو الكيان الصهيوني وهو يسير نحو توجه خطير في التعامل مع عرب 48 أصحاب الأرض الحقيقيين الذين عانوا على مدى ستين عاماً بعد النكبة من التمييز العنصري والحرمان من الحقوق الأساسية والتعامل معهم على أنهم مواطنون من الدرجة الرابعة في كيان تصفه واشنطن بأنه واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط!!

إن ما يحدث مع الدكتور عزمي بشارة المفكر والسياسي الذي يعتز بعروبته داخل إسرائيل ليس مجرد ثأر شخصي أو تصفية سياسية لهذا الوجه البارز الذي فضح عنصرية إسرائيل، لكنه خطوة هامة في معركة شديدة الأهمية يبدو أن النازيين الجدد قرروا أن يسرعوا فيها من أجل تقليص الوجود العربي داخل الكيان الصهيوني.

إن ما يطرحه عزمي بشارة حول دولة لكل مواطنيها هو الخطر الذي تخشي منه إسرائيل التي لا تتوقف عن التأكيد على يهودية الدولة ويباركها الرئيس الأميركي في ذلك، بل ـ وللأسف الشديد ـ سبق لأبومازن أن سقط في فخ قبول ذلك في تصريح شهير أظن أن عليه الآن ـ وبعد أن صعدت إسرائيل حملتها على عرب الداخل ـ أن يراجعه ويصحح الموقف منه، وأظن أيضاً أن على مؤسسة القمة العربية - التي تبنت المبادرة العربية وأعادت طرحها - أن تبادر بإعلان موقف حاسم من هذه القضية الخطيرة.

وأن تعلن أن إسرائيل التي تعد بالاعتراف بها إذا لبت شروط المبادرة هي إسرائيل غير العنصرية والتي لابد أن تكون دولة لكل مواطنيها. ثم يبقي أيضاً أن تكون هذه القضية في صلب التحرك العربي الذي تستعد الدول العربية له لشرح مبادرتها لدي عواصم العالم المؤثرة لكي تكون الصورة واضحة، لكي تدرك هذه العواصم خطورة ما ينمو في إسرائيل من اتجاهات بالغة الخطورة، لعل أبرز تجسيد لها أن يكون افيجور ليبرمان هو الإضافة التي يضيفها أولمرت لوزاراته بكل عنصريته ضد عرب الداخل.

ثم يبقى أن نكرر ما قلناه هنا من قبل من أن طرح المبادرة العربية في المطلق بدون مهلة زمنية لباقي الأطراف يعني أن تتصرف إسرائيل وكأن الاعتراف العربي الشامل بها قد أصبح أمراً واقعاً تطالب به بلا ثمن، وأن يتحول العرب جميعاً إلى ما تحولت إليه القيادة الفلسطينية طوال أكثر من 15 عاماً بعد أوسلو، حين منحت إسرائيل الاعتراف وانتظرت الثمن الذي لم يصلها.

وانتهى الأمر بهذا المشهد العبثي حيث تواصل إسرائيل عدوانها وتستمر في احتلالها، وتفرض أميركا حصار الجوع على الشعب الفلسطيني، بينما أبو مازن «رايح.. جاي»، يلتقي بأولمرت كل أسبوعين وفقاً للجدول الأميركي الذي وضعته وزيرة الخارجية الأميركية لاستهلاك الوقت واستنزاف الفلسطينيين وبيع الوهم بأن أميركا قد حزمت أمرها لحل القضية الفلسطينية لا لتصفيتها.

ولنتذكر أن الرئيس الأميركي السابق كلينتون حين طرح مبادرته على الفلسطينيين والإسرائيليين في كامب ديفيد الثانية حدد مهلة للقبول أو الرفض، وان إدارة بوش حين تسلمت المسؤولية اعتبرت أن مشروع التسوية الذي كانت الإدارة السابقة قد طرحته لم يعد له وجود.

وبدون مهلة زمنية تعطى لإسرائيل والإدارة الأميركية لقبول المبادرة العربية أو رفضها، وبدون إدراك واشنطن وتل أبيب أن الرفض ستكون له عواقبه، فإن المبادرة العربية لن يتم تفعليها، بل ستحاول واشنطن وتل أبيب استغلالها لكسب الوقت وتبريد الموقف إلى أن تخرج الولايات المتحدة من مأزق العراق وتجتاز إسرائيل عواقب الفشل في لبنان، وربما لجر العالم العربي إلى ما حذر منه الرئيس المصري مؤخراً من دفع أطراف عربية جديدة للتطبيع المجاني، ومن ثم تفجير الموقف داخل هذه الدول العربية وجر أنظمتها إلى صدام لا مفر منه مع شعوبها.

ولا شك ما حدث بعد يومين فقط من تصريحات الرئيس المصري ومن لقاء "محلك سر" بين أبومازن واولمرت يزيد المخاوف من التطورات القادمة على هذه الطريق، ويؤكد حجم الضغوط التي تتعرض لها أطراف عربية لتقديم المزيد من التنازلات المجانية.

فقد جاء اجتماع لجنة متابعة المبادرة العربية بالجامعة العربية ليسير خطوة جديدة بترك الباب مفتوحاً أمام نوع من التطبيع مع دول عربية جديدة دون أن تعلن إسرائيل عن قبولها المبادرة أو التزامها بالشروط الأساسية الواردة بها. حيث تم تكليف الأردن ومصر بالاتصال بإسرائيل لبحث المبادرة، على أن يكون هناك وفد عربي موسع يقوم بالتفاوض مع إسرائيل بمجرد أن تقوم من جانبها ببعض إجراءات بناء الثقة مثل تجميد بناء الجدار الفاصل والمستوطنات وأعمال الحفر حول الأقصى وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الانتفاضة الثانية في 28سبتمبر 2000.

وهكذا اسقط الشرط السابق الذي كان يربط أي تفاوض أو خطوات تطبيعية بقبول إسرائيل المبادرة من حيث المبدأ والالتزام بالعودة لحدود 67 وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وحل مشكلة اللاجئين. وربما كان الرهان العربي هو أن إسرائيل لن تقدم حتى على إجراءات بناء الثقة التي أوردتها لجنة المتابعة، وبالتالي لن تضطر الدول العربية إلى التفاوض على مبادرة لم تقبلها إسرائيل، وإلى التطبيع المجاني معها.

ولكن الأيام علمتنا أن مثل هذه الرهانات تخيب دائماً، وان الباب الذي سيفتحه التفاوض دون الالتزام الإسرائيلي - الأميركي بالحل النهائي لن تكون نهايته أفضل مما حدث للفلسطينيين بعد أوسلو. وإننا قد نقضي خمسة عشر عاماً أخرى للعودة لحدود 2000 وليس لحدود 67، وأن الباب قد انفتح لكي يكرر الكثيرون تجربة أبومازن.. «رايح ـ جاي» دون أن نحقق شيئاً على طريق استعادة الحقوق المشروعة!!


"البيان"

التعليقات