31/10/2010 - 11:02

مسؤولية إسرائيل حول قضية اللاجئين ومسؤولية الفلسطينيين في استدامة المطالبة بالعودة/ حسين أبو حسين

مسؤولية إسرائيل حول قضية اللاجئين ومسؤولية الفلسطينيين في استدامة المطالبة بالعودة/ حسين أبو حسين
صرحت وزيرة العدل الاسرائيلية، في حينه، تسيبي ليفنه في سياق مقابلتها مع ممثلي الصحافة المحلية والاجنبية في إطار الاستعدادات للانتخابات المقبلة ان اسرائيل غير مسؤولة بتاتاً عن قضية اللاجئين الفلسطنيين وأنه يترتب على الدول الغربية تحمل مسؤوليتهم لحل هذه القضية.

هذا الموقف الاسرائيلي ليس جديداً بل أصبح بمثابة مسلمة تاريخية اسرائيلية تُجمع عليها كافة ألوان الطيف السياسي الصهيوني منذ اقامة اسرائيل وحتى الآن. مع ذلك، فان قضية اللاجئين كانت وما زالت حجر الاساس للقضية الفلسطينية لا يمكن تجاوزها أو القفز عنها في أي مداولة حول إيجاد حلول لهذه القضية الشائكة.

في هذه الايام، وحيث تقوم القوى السياسية الفاعلة على الساحة اللبنانية، باجراء حوار وطني لبناني، تطل قضية اللاجئين وتطرح نفسها كقضية اساس لما لهذه القضية من اسقاطات على الوضع السياسي الداخلي، وليس سراً ان اسرائيل وامريكا تسعيان من خلال حلفائهما اللبنانيين الى اعفاء اسرائيل من أي تبعات تترتب عن ايجاد حلول لقضية التواجد الفلسطيني في لبنان، إما من خلال توطين جزء من الفلسطينيين في لبنان أو من خلال مشاريع تهجير الى منافٍ جديدة كالعراق مثلاً.

في الواقع إن طرح أي مناقشة لمسؤولية اسرائيل في خلق قضية اللاجئين قد يوحي بشكوك وتردد حول مسؤولياتها مع أنها بمثابة مُسّلمّه تاريخية، سيما وان قضية في هكذا وضوح تتكلم عن نفسها، وتشير باصابع الاتهام والاثبات لمسؤولية اسرائيل السياسية والقانونية والاخلاقية لحالة التشرد واللجوء والتمزق الاجتماعي، الذي لحق بالغالبية العظمى لشعب فلسطين أبان نكبة 48 وعلى مدار 58 عام مضت.

يكاد المرء لا يجد فلسطينياً واحداً في شتى أرجاء المعمورة غير منكوب أو متضرر جراء تشريد الشعب الفلسطيني عام 48 واقتلاعه من أرضه وبلاده ومحيطه الاجتماعي، واقامة كيان مجتمعي وسياسي جديد على أنقاضه. لم تكتف اسرائيل بابعاد الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني خارج وطنه واحتلال 78% من مساحة فلسطين التاريخية بل بادرت الى حروب جديدة خلال سنين كيانها، ونجحت في كثير من الأحيان، في ايجاد مناخ تشريد ولجوء سواءً كان ذلك في حرب 56 واحتلالها لقطاع غزة او في حرب 67 حيث أدت الى لجوء زهاء 162,500 من اللاجئين في الضفة الغربية، ونحو 15,000 من قطاع غزة الى الأردن، اضافة الى 240,000 من فلسطيني الضفة الغربية وقطاع غزة غير اللاجئين حيث كان هذا لجوئهم الأول.

كما وتفيد الاحصائيات الى لجوء زهاء 16000 فلسطيني من أصل 132,000 لاجئ من سكان هضبة الجولان عند احتلالها خلال حرب 67.

أما في لبنان فان اندلاع الحرب الأهلية أدى الى نزوح جماعي لاعداد كثير من الفلسطينيين بعضهم تهجر داخل لبنان والآخر خارج المنطقة الى أوروبا.

أما في الضفة الغربية وقطاع غزة فقد بادرت اسرائيل خلال حربها المستمر ضد الشعب الفلسطيني الى عمليات هدم وتشريد للكثير من مخيمات اللجوء في الضفة الغربية وقطاع غزة والقرى والأحياء الفلسطينية، مما أدى الى عمليات لجوء داخلية لعشرات الآلاف من سكان المخيمات والمدن والقرى الفلسطينية.

مع ذلك، وبما ان سؤال مسؤولية اسرائيل عن خلق قضية اللاجئين مطروحاً، فما علينا الا وان نحاول الاجابة عليه بوضوح وضمن عملية ترسيم لبعض العناصر المفصلية في فهم قضية اللاجئين واسقاطاتها على القضية الفلسطينية. علينا أن نسأل من هم اللاجئون، وعلى من يسري هذا المصطلح، ما هي الحقوق ذات الصلة المتعلقة باللاجئين وما هي أحقيتهم في الحصول عليها، وما هي دفوع اسرائيل حول بلاد قضية اللاجئين وما هو المطلوب منا كفلسطينيين.

من هم اللاجئون وعلى من يسري هذا المصطلح:
لقد انتبه المفكر الهولندي أليكس تاكنبرغ في كتابه "وضع اللاجئين الفلسطيني في القانون الدولي" على حقيقتين في غاية الأهمية:

أولاً: ندرة الكتابات القانونية التي تعنى بشكل خاص بموضوع اللاجئين الفلسطينيين.

وثانياً: استثناء اللاجئين الفلسطينيين الذين يتلقون مساعدات الاونروا من اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، وكما يقول تاكنبرج:" لهذا السبب ولكون الدول التي تعمل فيها الأونروا ليست من موقعي اتفاقية 1951 (ما عدا اسرائيل) حُرِم اللاجئون الفلسطينيون المسجلون لدى الاونروا والقاطنون في منطقة عملياتها، الحماية الخاصة المنصوص عليها في الاتفاقية والحماية الدولية الموسعة التي توفرها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".

يقول الفلسطينيون أن عدد اللاجئين الذين لجأوا من فلسطين عام 48 ما بين ال 900,000 والمليون لاجئ أما سجلات الاونروا فقد شملت 960,000 لاجئ مسجلين لديها، بينما تفيد بعثة المسح الاقتصادي التابعة للأم المتحدة الى 726,000. أما اسرائيل فتشير في العلن الى نحو 520,000 وبحلول العام 1995 ارتفع عدد اللاجئين المسجلين لدى الاونروا، الى 3.2 مليون نسمة من مجموع الفلسطينيين في العالم والبالغ 6.9 مليون نسمة.

تدعي اسرائيل أنها غير مسؤولة قانونياً وتاريخياً عن ميلاد قضية اللاجئين لان الفلسطينيين استجابوا الى قادتهم والى أوامر بثتها الاذاعات العربية بضرورة الرحيل عن فلسطين، فيما كان بعض المسؤولين اليهود يلحون عليهم في البقاء!!

ان ادعاء اسرائيل بوجود قرار عربي بالرحيل عارٍ عن الصحه وقد تم تفنيده ودحضه من قبل المؤرخ الايرلندي ارسكابن.ب. شايلدرز.

لقد افترى الزعماء الصهاينة هذه الفرية لتضليل الرأي العام من اجل اعفاء اسرائيل من مسؤوليتها حيال قضية الطرد الجماعية للفلسطينيين وميلاد قضية اللاجئين. لقد اكتشف هذا الباحث أن الزعم الصهيوني لا أساس له، وذلك بعد سماعه الى جميع برامج الاذاعات العربية في تلك الفترة التي قامت منصتات البي- بي- سي ووكالة الانباء المركزية الأمريكية الخاصة بتسجيل ما اذيع في اللغات العربية والعبرية والانكليزية من فلسطين والبلاد المجاورة في عامي 1947 و1948 وقد سجلت هذه الاذاعات يومياً في قبرص.

يخلص الباحث الفلسطيني نور الدين مصالحة في كتابه "طرد الفلسطينيين" الى خلاصة مفادها ان مشكلة اللاجئين خُلِقت عمداً وبسبق اصرار وتصميم، ويبين من خلال بحثه ان زعامة اليشوف خططت لِ "الترحيل" وانتهجت سياسة ترحيل غير معلنة بين سنتين 1937 و- 1948، والتي دخلت حيز التنفيذ أبان حرب 1948. كما يشير الى حقيقة تأليف لجان ترحيل خلال حرب 1948 من جانب المجموعات اليهودية للمساعدة على تسهيل الهجرة الجماعية.

والى جانب ذلك نشر بيني موريس في كتابة "ميلاد قضية اللاجئين الفلسطينيين 1947- 1949" استناداً الى الارشيفات الصهيونية حقائق دامغة حول المجازر وعمليات الطرد الجماعية ابتداءً من شهر كانون أول 1948، والى الخطط التي وضعت لاستحالة عودة اللاجئين، ومنها هدم القرى المهجورة والاعلان عن المناطق العسكرية المغلقة، واقامة المستوطنات الجديدة على أنقاض القرى المهجرة واستيعاب عشرات الاف من المهاجرين الجدد.

ففي نيسان 1948 استولت القوات الاسرائيلية على مدينتي اللد والرملة الواقعتين تحت سلطة الدولة العربية بموجب قرار التقسيم، وبعد مذبحة في اللد أجلي ما يقارب الـ 70,000 من سكان المدينتين بأمرٍ عسكري موقع من يسحاق رابين.

كانت سياسة الطرد والترحيل التي انتهجتها الهاجناه والجيش الاسرائيلي عام 1948 مبنية على مفاهيم ومخططات تعود جذورها الى مشاريع الترحيل القسري للقيادة الصهيونية في الثلاثينات والاربعينات، وليس سراً أن ترحيل معظم سكان القرى الفلسطينية ابان الحرب قد أولي اهمية اكبر من ترحيل سكان المدن، والسبب في ذلك يعود الى تمشي هذا الهدف مع الحملة الصهيونية للاستيلاء على الارض وتوزيعها لاحقاً على المستوطنات اليهودية والمهاجرين الجدد.

وفعلاً بادرت اسرائيل مباشرة بعد اعلان قيامها الى جعل إمكان عودة اللاجئين صعب المنال، حيث بادرت الى احداث تغييرات واضحة في معالم فلسطين الطبيعية والسكانية. فقد شملت هذه التغييرات تدمير القرى العربية المهجورة بالتدريج بحيث شمل هذا التدمير المباني والمزارع والحقول وتم توزيع الأراضي على المستوطنات اليهودية المحاذية أو الجديدة، وتوطين المهاجرين اليهود في البيوت العربية الخالية في القرى والمدن.

لقد تصرف الفلسطينيون المبعدون عن أرضهم وقراهم كما يتصرف كل بني البشر الذين يجبرون قسراً على ترك منازلهم تحت وطأة الحرب، اذ بدأ اللاجئون في شتى أماكن اللجوء في ربيع سنة 1948 المطالبة بالعودة الى منازلهم وقراهم. ومنذ مطلع صيف سنة 1948 تعرضت اسرائيل لضغط دولي يقوده الكونت برنادوت، وسيط الأمم المتحدة الى فلسطين، من أجل عودة جماعية لللاجئين الى وطنهمم، مما حدا بالمجموعات اليهودية الى اغتياله غداة يوم تقديم توصياته.

وقام دافيد بن غوريون، اول رئيس حكومة في اسرائيل في 01.08.1948 بوضع سياسة حكومة اسرائيل الرافضة منح حق العودة للاجئين استناداً الى مصالح السكان اليهود على المدى الطويل واستقرار الدولة.

حتى لو قبلنا فرضياً، ولغايات النقاش، بادعاءات اسرائيل حول مسببات لجوء اللاجئين الفلسطينيين خارج وطنهم بأنهم لبوا نداء قياداتهم السياسية، فهل يحرم ذلك الفلسطيني من العودة الى وطنه وممارسة حياته الطبيعية كما كانت قبل اندلاع الحرب؟

في الواقع ان ادعاءات اسرائيل ترتكز الى القوة والعنف ليس الا، وأفضل دليل على ذلك مئات المستوطنات التي أقامتها اسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد حرب 1967 وبناء جدار الفصل العنصري. السؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن لحكم القوة أو لحكم قائمٍ على القوة والبطش أن يعطل حقاً؟
أجاب العالم القانوني فيليب مارشال على هذا السؤال بما يلي:

" ان الاحتلال العسكري بذاته لا يعطي صك تملك شرعي ولا يطفئ أمةً وما دام الشعب لا يقبل الغزو العسكري ويعترض ويستطيع التعبير بشكل أو بآخر عن ارادته الثابته باستعادة حقه فان سيادته تستمر حتى اذا انتقص منها أو غُمطت الى حين".

ان الأمر الواقع الذي فرضته اسرائيل وسلسلة القوانين الوضعية التي شرعنت عملية السرقة التاريخية لاملاك الشعب الفلسطيني لا تلغي هذه الحقوق، لأن الشعب الفلسطيني عارض وبكل شدة انتهاك حقوقه وناصره في ذلك المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة، التي أكدت طوال أكثر من خمسين عام حقوق اللاجئين في العودة او التعويض مع كل ما يترتب على ذلك من اجراءات في القانون والواقع.

قضية اللاجئين الفلسطينيين تشكل واحدة من أبشع قضايا التآمر الدولي، اذ كيف للمرء أن يفهم كيف تم حصر قضية اللاجئين في خانة الخدمات والاغاثة الصحية والاجتماعية والعجز الدائم في الموازنة مع أنها اكبر عملية سطو في تاريخ البشرية، حيث أخرج شعب كامل من وطنه بالقوة والقتل والارهاب وتم الاستيلاء على أرضه ومعالمة الطبيعية والثقافية والدينية وتجييرها لمصلحة شعب آخر.

لقد كانت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين تحصيل حاصل للمؤامرات الاستعمارية والصهيونية منذ وعد بلفور حتى صدور قرار تقسيم فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة والانتداب البريطاني على فلسطين.

ان للاجئين الفلسطينيين حقوقاً غير قابلة للتصرف ولا يمكن التنازل عنها وهي تشمل:

1. حق السيادة الوطنية على فلسطين ككيان سياسي.
2. الحق في الجنسية الفلسطينية.
3. الحق في الملكية الفردية على الممتلكات المنقولة وغير المنقولة كالأراضي والمزارع والعقارات.
4. حق العودة والتعويض استناداً الى الفقرة 11 من القرار 194 والذي ينص على:
"تقرر أن اللاجئين الذين يرغبون في العودة الى منازلهم أن يعيشوا بسلام مع جيرانهم. يجب ان يسمح لهم بذلك في أقرب فرصة ممكنة ويجب أن يدفع تعويض لأولئك الذين لا يختارون العودة، كما يجب أن يعوض عن الخسائر أو الأضرار والممتلكات وفقاً لمبادئ القانون الدولي أو العدالة من قبل السلطات أو الحكومات المعنية".
5. الحقوق المدنية أو الدينية.
6. حق السيادة على الموارد الطبيعية.

ان هذه الحقوق الفردية والجماعية تم نقضها والمساس بها من اسرائيل ككيان سياسي من خلال تغيير الطبيعة السكانية والمعالم الجغرافية لفلسطين.

لقد قامت اسرائيل ومنذ تأسيسها بسن سلسلة من القوانين الملتوية والتي لا تتحدث عن الفلسطينيين اطلاقاً، مع انها تصب كلها في هدف مقدس - من وجهة نظرها- الا وهو اضفاء الهوية الجديدة على المكان من خلال تشريعات عنصرية. لقد أصدرت اسرائيل يوم 05.07.1950 "قانون العودة" وأصبح ساري المفعول في اليوم التالي حيث فتح أبواب الهجرة والجنسية امام جميع يهود العالم حيث وجدوا.

من جهة اخرى، ورغم أن اسرائيل حصلت على مليارات الدولارات تعويضاً من ألمانيا الاتحادية، نجد المشرع الاسرائيلي يقضي بمصادرة الاراضي والأملاك العربية بحجج مزعومة وتلفيقات قضائية، وبموجب قانون املاك الغائبين أجازت اسرائيل لنفسها الاستيلاء على املاك اللاجئين المنقولة وغير المنقولة متجاهلة مبادئ واعراف قانونية متعارف عليها في القانون الدولي والقانون الطبيعي.

ان أية تسوية لا يمكن أن تكون عادلة وكاملة ما لم يتم الاعتراف من قبل اسرائيل بمسؤوليتها القانونية والسياسية عن قضية اللاجئين بكل جوانبها، وبحق اللاجئين في العودة الى منازلهم التي طردوا منها واستعادة أموالهم وممتلكاتهم وتعويضهم عن خسائرهم المادية والنفسية.

لقد شكل اللاجئون الفلسطينيون الذين لجأوا من مناطق تقع وفقاً لقرار التقسيم في الدولة اليهودية السواد الأعظم من اللاجئين.

انه لخرق فاضح لابسط مبادئ العدالة أن يُنكر على الفلسطيني العودة الى وطنه، بينما يتدفق الملايين من المهاجرين اليهود على فلسطين لاستبدال سكانها وتغيير معالمها الانسانية.

الآن وبعد ان أثبتنا مسؤولية اسرائيل حيال قضية اللاجئين ودحضنا ادعاءاتها بعدم مسؤوليتها، يطرح سؤال شرعي ما هي جدوى البحث في هذا الموضوع سيما وأن اسرائيل تتنكر لهذه الحقوق جمعاء، وما تزال تمعن في سياستها بالضم والاحتلال وبناء جدار الفصل العنصري ضاربة عرض الحائط كل الشرائع والمقررات الدولية.

ان مهمة الفلسطينيين، واللاجئين خاصة، استدامة المطالبة بحقوقهم وعدم التفريط فيها وأن يحملوا وطنهم معهم انى حلوا وأن يتناقلوا هذا الحمل والحلم بالعودة عبر أجيالهم – حمل وحلم شكل ويشكل الضمانة الوحيدة لعودتهم.

التعليقات