31/10/2010 - 11:02

ممنوع الدخول، ممنوع الكلام../ جوني منصور

ممنوع الدخول، ممنوع الكلام../ جوني منصور
أثار أمر منع دخول البروفسور اليهودي الأمريكي نوعام تشومسكي إلى جامعة بيرزيت لإلقاء محاضرة أمام طلابها وطواقم محاضريها زوبعة من ردود الفعل المستاءة والمستنكرة لهذه الخطوة الجنونية من قبل وزير داخلية اسرائيل ايلي يشاي. فالبروفيسور تشومسكي وصل إلى جسر اللينبي بهدف عبوره إلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، وتحديدًا إلى جامعة بير زيت، وعند المعبر منعت سلطات الحدود الاسرائيلية دخوله وحققت معه لمدة أربع ساعات. ولم تدلِ أي جهة حكومية ببيان توضح فيه أسباب منعه.

لكن تشومسكي سيتحدث إلى طلاب بيرزيت عبر الفيديو كونفرنس (أي عن بعد)، ويعبر عن آرائه وطروحاته. إنما المسألة لا تتوقف عند هذا الحد، فالمؤسسة الاسرائيلية ومنذ إقامة اسرائيل تتذرع بأنها الدولة الدمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط المتخلف والرجعي وذي النظام الدكتاتوري، وها هي هذه المؤسسة مرة أخرى تمنع من أحد كبار علماء الألسنية من دخول أراضيها، بل أراضي السلطة الفلسطينية والتحدث أمام طلاب جامعيين.

من الواضح أن المؤسسة الاسرائيلية كانت تريده أن يأتي إلى جامعة تل ابيب ويمتدح دمقراطيتها، إنما تشومسكي ليس في قائمة المادحين لاسرائيل، إنه في قائمة منتقدي سياساتها، بل من أشدهم انتقادًا. ففي آخر تصريح له من شهر آذار المنصرم أعلن أن اسرائيل تسير نحو دولة ابرتهايد، بل إن معاملة الابرتهايد للسود كانت أخف مما تقوم به اسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني.

وكان تشومسكي قد صرح في وقت سابق أن اسرائيل قد عزلت نفسها منذ فترة طويلة، لأنها ما زالت تختطف شعبًا وتقوم بقتل مدنيين بذرائع أمنها ومستقبلها السياسي.

وكان تشومسكي قد صرح أيضًا أن اسرائيل قد اختطفت مواطنين مدنيين في غزة يومًا واحدًا قبل اسر الجندي شاليط، وان قيامها بالاختطاف هذا هو جريمة تفوق عملية أسر الجندي. ولا يتحدث العالم عن عمليات الاختطاف التي تنفذها اسرائيل بحق فلسطينيين يوميًا وفي وضح النهار.

إن تصريحات تشومسكي هذه تعكس واقعًا حقيقيًا وصلت إليه اسرائيل بدعم من السياسات الامريكية التي تعتبرها شريكة في مشروعها الهادف إلى مزيد من تفتيت العالم العربي وتمزيقه والسيطرة على ثرواته ومقدراته الطبيعية والبشرية، وأسر العالم العربي في قراراته ومناهجه التعليمية وسياساته.

وعودة إلى مناقشة منع تشومسكي فإن أسطورة ديمقراطية اسرائيل قد أصبحت رهينة نظام بوليسي يقبض على زمام الحياة اليومية في اسرئيل ويديرها بحرية تامة بعيدًا عن أي أساس من أسس النظام الدمقراطي الذي تتبجح به حكومات اسرائيل ومثقفوها.

واضح أن تشومسكي في محاضرته هذه سيهاجم سياسات اسرائيل العنصرية والاستيطانية ويدعو إلى حرية الشعب الفلسطيني المناضل بحق من أجل استقلاله وسيادته على أرضه.

ولا يهمنا هنا الجدل الذي يدور داخل اسرائيل عن المسئول عن قرار منع تشومسكي، فالقرار السياسي في اسرائيل كان دائمًا وسيبقى رهينة بيد المؤسسة العسكرية والأمنية فيها. وهذا ما يجعل اسرائيل دولة بوليسية، بل أكثر من ذلك يجعلها „اسبارطة” أي منغلقة على ذاتها، وغارقة في بناء منظومتها العسكرية لتحمي مشروعها التوسعي في المنطقة، ولا تأبه إلى أي موقف يؤنبها، بل تسعى إلى ضرب كل من يعترض نهجها وأسلوبها في التعاطي مع قضايا تخص الواقع السياسي الحاصل في الشرق الأوسط.

وليست هذه هي المرة الأولى التي تمنع فيها اسرائيل مفكرًا من دخول الحدود، بل حصلت في السابق حالات كثيرة، ومن أبرزها البروفيسور نورمان فنكلشتاين مؤلف كتاب „صناعة الهولوكوست” وهو محاضر يهودي امريكي، والداه من الناجين من براثن النازية، وهو من معارضي سياسات اسرائيل بقوة، ومن الداعين إلى وضع حد للاستيطان الاسرائيلي وإلى وقف كل أشكال القمع الذي تتبعه اسرائيل مع الفلسطينيين الرازحين تحت احتلالها المقيت.

ويندرج منع تشومسكي في مسلسل الملاحقات والتضييقات الذي تبنته حكومة نتنياهو المتطرفة تجاه كل من يسعى إلى التعبير عن رأيه بأي طريقة مشروعة اختارها. ويندرج في اطار ذلك أيضًا الحملات السلطوية والاعتقالات .

إن منع تشومسكي من التعبير عن رأيه في جامعة بير زيت، يبقى مسألة بسيطة أمام قائمة المنع الطويلة التي تنفذها الآلة العسكرية الاسرائيلية يوميا بحق الفلسطينيين على المعابر وفي الطرقات والتضييق ومصادرات الأراضي وترحيل أصحاب بيوت من القدس، واعتقالات بذريعة „مطلوبين”، وغيرها مما يسبب معاناة وتنغيص لحياة الفلسطينيين.

وخلاصة الأمر، أن مسلسل المنع وممارسات التضييق يجعل اسرائيل في خانة النظام القبلي وليس الدمقراطي، الذي تسود فيه منهجية الانغلاق على الذات، ورفض قبول أي شيء قادم من الخارج، بل رفض أي معارضة داخلية بالمرة، لأن أي صوت يرتفع فوق صوت اسرائيل هو خارج عن الإجماع العام للمشروع الصهيوني، ومما يُشوه صورة اسرائيل محليًّا وعالميًا.

التعليقات