31/10/2010 - 11:02

من مشروع الشرق الأوسط إلى منتدى المستقبل/د.يوسف مكي

من مشروع الشرق الأوسط إلى منتدى المستقبل/د.يوسف مكي
لعل من البديهي القول ان هذا الحديث لا يهدف إلى الدعوة للعزلة وغياب التفاعل، على كافة الصعد، مع البلدان والأمم الأخرى، بل على العكس من ذلك. فالعلاقات مع دول الجوار من الأمم الأخرى هي شيء مهم ومحتم خاصة حين نكون مرتبطين مع هذه الأمم بعلاقة الدين والتاريخ والتفاعلات الحضارية والمعاناة المشتركة. ولكن المرفوض هو أن تفرض هده العلاقة من الخارج، وأن تكون جزءا من عملية سياسية تهدف إلى إلحاقنا بمشروع هيمنة وتبعية واستعمار، وأن تكون على حساب الهوية والمصالح الوطنية وأن ينتج عنها الحاق الضرر بنا، وهو هدف كان حاضرا دائما لدى القوى الكبرى، كما هو الحال مع مشروع الشرق الأوسط الكبير، ومنتدى المستقبل.

ولعل ما يضيف خطوة إلى هذه المشاريع أنها تفرض علينا ونحن نعاني من حالات ضعف وتكففك في البناءات المقاومة لدى الأمة، لتضيف هذه المشاريع إلى ضعفنا ضعفا والى تفككنا تفككا. والنتيجة ان ما يتمخض عن هذه المشاريع لن يكون سوى تحقيق إندماج وتبعية ولحاق وقسر. يضاف إلى ذلك أنها مشاريع قائمة أصلا على فكرة تنعدم فيها العدالة، خلاصتها أن يرد الكيان الصهيوني للعرب والفلسطينيين بعضا من أراضيهم، التي هي في الأصل ملكا خالصا لهم، مقابل الحصول على مزايا اقتصادية غير اعتيادية، بضمنها التطبيع وامتصاص رؤوس الأموال العربية ونهب المياه.

إن من الخطأ في هذا الصدد مقارنة محاولة دمجنا بهذه المشاريع مع الوحده الاقتصادية الأوروبية، لان وحدة الأوروبيين قامت في الغالب بين مجموعة متكافئة في مستويات النمو الاقتصادي، وفي حالة استقرار سياسي تعيشه شعوبها.

وهناك سبب آخر لا يقل وجاهة يجعلنا نشكك في مشروع الشرق الأوسط ومنتدى المستقبل هي أنها ليست معنية بقضايا صراعية وجوهرية عربية أخرى خلاف المشروع الصهيوني، كقضايا العدل الإجتماعي والأمن القومي والتنمية.

ان طرح مشروع الشرق الاوسط، قد جاء من قبل قوى دولية تتناقض مصالحها بالضرورة مع مصالح الامة وقد كان واضحا بشكل جلي في المنظومات العسكرية والاقليمة التي برزت مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية كمشروع قيادة الشرق الاوسط، وحلف بغداد، ومشروع أيزنهاور، وملء الفراغ في شرق السويس. وقد تكفل النهوض الشعبي في الخمسينات والستينات باجهاض جميع تلك المشاريع وهي في مهدها. وكان لمصر وسوريا والسعودية دور أساسي في إفشال حلف بغداد.

ومن جديد أعيد بعث مشروع الشرق الأوسط، وبشكل عملي، اثر توقيع معاهدة كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني. فبموجب هذه المعاهدة اصبح الكيان الصهيوني طرفا في علاقة اكيدة بالدولة العربية صاحبة الدور القائد في المواجهة مع الصهاينة. وكان معنى ذلك أن هذا الكيان اصبح له دور مباشر في التفاعلات العربية.

ومرة اخرى تكفل الدور الشعبي في أرض الكنانة بإفشال هذا المشروع حيث وقف هذا الشعب بقوة ضد التطبيع. وكان لإجماع بقية الدول العربية في مؤتمر قمة بغداد عام 1978 على رفض اتفاقيات كامب ديفيد الدور الحاسم في تعطيل تنفيذ المشروع الشرق اوسطي لكن عودة مصر مرة اخرى لجامعة الدول العربية عام 1987، وهي مثقلة باتفاقياتها مع اسرائيل قد فتح المجال للتسلل الاسرائيلي الإقتصادي والسياسي غير المباشر لبقية البلدان العربية.

وقد ساهمت احداث عديدة مستجدة على الساحة العربية والدولية في التسريع بإطلاق هذا المشروع من جديد كان في مقدمتها إعصار حرب الخليج الثانية، وتفكك النظام العربي الرسمي، وانتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي. وهكذا سنحت الفرصة لحلم ثيودور هرتزل، الأب الروحي للحركة الصهيونية، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بقيام اندماج كامل بين الكيان الصهيوني الذي كان مجرد مشروع على الورق آنداك، وبين الاقتصادات العربية.

وكان قادة إسرائيل قد أكدوا باستمرار على أهمية تحقيق الإندماج الإقتصادي بين العرب والصهاينة. فقد أشار وزير الخارجية الأسبق، أبا إيبان في مداخلة له أمام مؤتمر السلام الدولي المنعقد في جنيف عام 1973 أن الضمان الاساسي لنجاح أي اتفاق سلام بين العرب والكيان الصهيوني هو انشاء شبكة كثيفة من العلاقات الاقتصادية بين اسرائيل والاقطار العربية. وفي بداية التسعينيات، وحتى قبل انعقاد مؤتمر مدريد للسلام طالب شيمون بيريز بقيام شرق اوسط جديد لمواجهة التكتلات الاقتصادية العالمية.

كان الإسرائيليون دائما يعتقدون بأن السلام القائم على معاهدات سياسية وترتيبات امنية هو سلام بارد. ولم يكونوا على قناعة بأن تقليص عدد أفراد القوات المسلحة العربية ومراقبة التسلح في بلدان المواجهة وإقامة مناطق عازلة سوف يجلب لهم السلام. كانوا يرون أن العلاقات الإقتصادية مع العرب هي التي ستقود إلى التطبيع الحقيقي والإنتقال من السلام البارد إلى حالة من الوئام مع الأنظمة والشعوب العربية.

في هذا الإتجاه افترض بيرير ثلاثة مستويات. الأول قيام اتحاد اقتصادي يضم الأردن والكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية على غرار بلجيكا وهولندا ولوكسمبورج. المستوى الثاني، ويشمل إقامة مناطق للتبادل التجاري الحر يضم مصر والكيان الصهيوني وفلسطين والأردن سوريا. أما المستوى الثالث فيشمل اعترافا سياسيا من قبل بلدان الشرق الأوسط بالكيان الصهيوني، وإلغاء قوانين المقاطعة بل وتحقيق تعاون اقتصادي شامل بين بلدان المنطقة وإسرائيل، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي.

إن مشروع الشرق الاوسط في مقدماته يتخذ من الكيان الصهيوني والاردن والكيان الفلسطيني مثلثا هو بطبيعته غير متساوي الاضلاع، يهدف الى وجود شكلي للسيادة السياسية للفلسطينيين وتحقيق السلام مع الاردن مقابل وحدة اقتصادية، تؤمن اندماجا اقتصاديا كاملا لاقتصاديات البلدان العربية بالسوق الاسرائيلية، وتحويل أسواق الأردن وفلسطين إلى أرصفة لتصدير البضائع والمنتجات الإسرائيلية الى بقية المناطق العربية. وقد ورد ئلك بشكل واضح في وثيقة غير منشورة صادرة عن مكتب العلاقات الخارجية للمفوضية الأوربية في بروكسل تشير إلى ان الكيان الفلسطيني هو الجسر الذي سيربط الكيان الصهيوني اقتصاديا ببقية البلدان العربية. وأن الهدف النهائي للمشروع هو تحقيق تعاون شرق أوسطي إسرائيلي في مجالات الطاقة والزراعة والسياحة والمياه (انابيب السلام)، وإنشاء بنك اقليمي وجامعة يكون عنوانها جامعة السلام أو جامعة الشرق الأوسط تضم كليات للقانون والزراعة وإدارة الأعمال.

على الصعيد الجغرافي، يلاحظ أن المشروع الشرق أوسطي يتسم بالإنتقائية، حيث يستثني الاقطار العربية في شمال افريقيا، لكنه يضم مصر والسودان والصومال والعراق واليمن. كما يضم قبرص وتركيا وايران وهي بلدان غير عربية، وهكذا فإن هذا المشروع يفتقر إلى الكيانات التاريخية واللغوية المتجانسة ذات الهوية والتاريخ والثقافة والمصالح المشتركة.

وعلى الرغم من الحديث المتكرر منذ التسعينيات عن نهاية الأيديولوجيا والتاريخ، فإن أحد إفرازات هذا المشروع هو توسيع النطاق الايدلوجي للولايات المتحدة، بحيث ينتفي حق الأمم في اختيار نظمها السياسية والإقتصادية، ولا يبقى سوى النظام السياسي الليبرالي واقتصاد السوق. ولا يعود هناك احترام لحق الشعوب في اختيار نظم اقتصادية تعتمد التخطيط الملتزم باتسخدام الموارد لتحقيق تنمية متوازنة وشاملة، وتوزيع الثروة بشكل عادل، فلا يبقى بعد ذلك سوى فوضى السوق والإعتماد شبه الكلي على القطاع الخاص.

والأنكي من كل ذلك هو أن الطابع القسري للدخول في مشروع الشرق الأوسط ومنتدى تنمية المستقبل قد اتخذ طابعا متوحشا، حين قررت الإدارة الأمريكية استخدام القوة العسكرية والإحتلال لكسر حلقات الممانعة. فكانت النتيجة احتلال العراق، وتخريب السودان، وخلق المشكلات في لبنان والتهديد الذي أخذ في التصاعد في الأسابيع الأخيرة. كل ذلك يوحي دون شك أن الإندماج بهذه المشاريع لا يمكن أن يكون من مصلحة الأمة العربية، وأن المستفيد الأول والأخير من تلك المشاريع هو من يمارس استراتيجية الهيمنة والغطرسة واستخدام القوة.. والبوصلة بكل تأكيد تشير إلى أن هذا المشاريع لا تعدو في كل حالاتها أن تكون مشروعا سوى مشاريع صهيو أمريكية لإحكام القبضة على الأمة العربية، ولإجبار المعنيين على تقديم مزيد من الخضوع والإستسلام..

التعليقات