31/08/2018 - 09:15

تقاعس الشرطة في جرائم النقب

يعيش المجتمع العربي في الداخل حالة عامة من الخوف والترقب بشكل مستمر، تزداد عن حدوث أي حالة عنف أو مأساة كانت نتيجة العنف الاجتماعي وفوضى السلاح في البلدات العربية،

تقاعس الشرطة في جرائم النقب

يعيش المجتمع العربي في الداخل حالة عامة من الخوف والترقب بشكل مستمر، تزداد عن حدوث أي حالة عنف أو مأساة كانت نتيجة العنف الاجتماعي وفوضى السلاح في البلدات العربية، وتبدو الشرطة الإسرائيلية في الصورة الكاملة على أنها المتقاعس في كشف ملفات العنف وحماية المواطنين من انتشار السلاح.

ووفقا لمراقب الدولة الإسرائيلي، فإن 1236 رجلا وامرأة في المجتمع العربي قُتلوا في السنوات 2000-2017، ونسبة المواطنين العرب الضالعين في جرائم عنف وإطلاق نار أعلى بكثير من نسبتهم بين السكان، لكن الشرطة تقاعست في مواجهتها، بحيث 95 في المئة من إطلاق النار بمناطق مأهولة جرت داخل بلدات عربية.

ليس الهدف من هذا المقال، ربط حالة الجريمة وتحولها إلى مرض مزمن في المجتمع العربي إلى الظروف الاجتماعية والحياتية المفروضة عليه، أو دور مؤسسات الدولة المسؤولة في استخدام سياسة التجهيل والحد من تطور المجتمع العربي الذي يعاني لكسب لقمة العيش، فقد كتب الكثير في هذا المضمار.

وكنت قد ربطت في مادة سابقة في "عرب 48" عنوانها "كيف تصفي دائرة أراضي إسرائيل عرب النقب"، باستخدام أسلوب التعهد لأكثر من عائلة عربية تعيش ضائقة سكنية بتخصيص نفس قطعة الأرض، الأمر الذي أدى إلى نشوب العديد من الخلافات بين عائلات في النقب، وفي بعض الأحيان وصلت الخلافات إلى حد القتل.

أحاول عبر هذا المقال الوصول إلى رابط مباشر لممارسات الشرطة الإسرائيلية بشكل خاص في النقب، والمؤسسة الإسرائيلية الأمنية بشكل عام، من خلال اتباعها سياسة "ضرب العرب بالعرب"، بهدف تفكيك النسيج الاجتماعي في منطقة معينة أو التأثير على وحدة القرار في مسائل خلافية، وبالأخص قضايا ملكية الأراضي، وذلك عبر شهادات جماعية وفردية تشغل حيزا من الأحاديث الاجتماعية عند أي حديث عن العنف الاجتماعي.

وتجدر الإشارة إلى أن كل الشهادات المذكورة، أنقلها كما هي دون إضافة أو تعديل، باستخدام أسماء مستعارة لمصادر حقيقية، حسب طلب هذه المصادر.

1. أبو هيثم (اسم مستعار)، كانت الجملة التي افتتح فيها حديثه هي أكثر ما شد انتباهي: "هذا من عمل اليهود"، "ليس هناك إنسان عاقل لديه القدرة على اقتراف تلك الجريمة"، "لقد هزنا جميعا مقتل آدم، كان خلوقا ومهذبا"، "لديه تأثير جيدا على كل من حوله وله علاقات جيدة مع العائلتين اللتين كانتا جزءا من الخلاف، علاقات صداقة وقرابة دم ووحدة في الموقف في قضية الأرض. لم يتوقع أحد في أي يوم أن تصل الأمور إلى القتل وقطع الأرحام".

وتابع أبو هيثم متحدثا عن حيثيات القضية: "كانت المشكلة التي بدأ بشأنها الخلاف صغيرة جدا، شجار كلامي بسيط تم حله في نفس لحظات بدايته، وعاد الجميع إلى بيته سالما دون أي شعور بوجود خطر، ولكن بعد ساعات وجد شاب من العائلة الثانية وهو مصاب بعيارات نارية في قدميه والجزء السفلي من جسده، كان ملقى على بعد أمتار من "ديوان العائلة" (الشق)، وهو مكان تجمع الرجال، لم يسمع أحد أي صوت لعيارات نارية في المنطقة رغم قرب منطقة سقوط الشاب، وحتى الشاب نفسه عندما كان مستيقظا لم يعلم هو أو أي أحد آخر من الذي أطلق النار، مما أثار الشبهات لدى الكثيرين باستخدام كاتم للصوت خلال عملية إطلاق النار وهو أداة لا يملكها العرب أو يستخدمونها".

لم يتوقف أبو هيثم عن الحديث في شرح الشبهات حول تلك الجريمة، وقال إن "من أكثر الحيثيات غرابة في ذلك الوقت والمثيرة للتساؤل، كانت وجود سيارة شرطة على تلة مقابلة للمنطقة، خلال اليوم الذي قتل فيه آدم بقيت سيارة الشرطة موجودة ومراقبة دون أن تبرز نفسها بشكل واضح حتى اللحظة التي قتل فيها آدم، وفي تلك اللحظة غادرت وكأنها تريد التأكد من أن العملية تمت بنجاح".

أما الحيثية الأخيرة التي اهتم أبو هيثم بذكرها كانت أنه "على مدار أسابيع بعد مقتل آدم، كان الجميع يعلم من القاتل وكان القاتل حرا طليقا يتنقل مسلحا مع علم الناس والشرطة، وحتى بداية الضغط الجماهيري لاعتقاله، وذلك عبر دعوة قضائية رفعتها مجموعة محامين من النقب، لم تقم الشرطة بأي مجهود لتحقيق ذلك".

وختم أبو هيثم بالقول إن "الشرطة اعتقلت القاتل بعد فترة وقضى حتى اليوم أكثر من عام في معتقل الشرطة، ولم تقدم ضده لائحة اتهام، فهل هذا الاعتقال لمعاقبته أم حمايته؟".

2. "نريد منكم أن تكونوا آمنين وأن تحموا أبناءكم". حدث هذا الموقف على مسمعي. سوف نسمي الطرف العربي في المحادثة أبو حسان (اسم مستعار)، وكانت القضية عودة حالة ثأر قديمة بين عائلتين في النقب، تلقى أحد الأطراف اتصالا من ضابط شرطة في النقب، وهو معروف جدا بين عرب النقب، وتمت المحادثة على هذا النحو:

"الضابط: كيف حالك يا فلان؟

أبو حسان: أهلا اللي من الله كويس.

الضابط: إيش صار بينكم إنتو والجماعة؟

أبو حسان: أنت اللي لازم تعرف مش أنا.

الضابط: اسمع احنا بنعرف كويس أن ولادكم بيلفو في البلد مسلحين.

أبو حسان: أنا ما بعرف عن الحكي هذا غير منك.

الضابط: مش مهم، مش مهم. إحنا بنعرف وما رح نسوي شي، ودنا تكونو آمنين وتحمو حالكم من الجماعة الثانية".

3. وفي شهادة ثالثة، تواصل ضابط شرطة بمربي أغنام من النقب يعيش في بيت مهدد بالهدم، طالبا منه أخذ دوره في تأجيج خلاف بين عائلتين تعيشان في منطقة شارع 25 في النقب، وذلك رغم أن العائلتين كانتا بالطريق للتوصل لحل للخلاف والصلح بينهما. ومقابل تأجيج الخلاف، كان المقابل المقترح هو العدول عن هدم منزل المواطن.

في الختام، يعلم الشارع العربي في النقب أن للشرطة والمؤسسة الأمنية دورا ومصالح في تأجيج الخلافات القبلية وتسخيرها لصالحها، بالإضافة إلى إبراز الأفراد المتساوقين مع السلطة للترويج للرؤية الإسرائيلية للنقب وتحقيق أهدافها، وهذا ما نرى تحققه على الأرض واضحا في هذه المرحلة (الانتخابات المحلية القريبة). أنظر مقال "كيف تُعسكر إسرائيل الانتخابات المحلية في النقب".

ويبدو من الممارسة في النقب أن نظرية تقاعس الشرطة في وقف جرائم العنف بهذه النسبة الهائلة، 95% من ملفات العنف، هي حجة للشرطة الإسرائيلية لا عليها، وأن دورها في النقب ليس كشف ملفات العنف ومنع جرائم القتل، بل على العكس تماما.

التعليقات