02/01/2019 - 16:52

بصمة نتنياهو

حتى في حال تعذّر على نتنياهو تشكيل الحكومة المقبلة، بسبب تقديم لائحة اتهام ضده، فإن الائتلاف المقبل سيتشكل من أحزاب اليمين – الحريديين وليس من أحزاب الوسط – يسار، حتى لو فاز هذا المعسكر بعدد مقاعد أكبر

بصمة نتنياهو

ليس متوقعا حدوث تغيير في الخريطة السياسية في إسرائيل بعد انتخابات الكنيست المقبلة، في التاسع من نيسان/أبريل المقبل، على الأقل من ناحية تصويت الناخبين، بمعنى أن ناخبي اليمين والحريديين سيصوتون لأحزابهم، وناخبي الوسط – يسار سيصوتون لأحزابهم أيضا، ومعظم الناخبين العرب سيصوتون للقائمة المشتركة.

رغم ذلك، فإن احتمال حدوث تغيير في حجم المعسكرين، اليمين – الحريديين والوسط – يسار، في حال عدم تجاوز حزب أو أكثر لنسبة الحسم، بسبب تأسيس أحزاب جديدة - مثل حزب "حوسين ليسرائيل" ("مناعة لإسرائيل") الذي أسسه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، بيني غانتس، وحزب "اليمين الجديد" الذي أسسه الوزيران نفتالي بينيت وأييليت شاكيد، بعد انشقاقهما عن كتلة "البيت اليهودي". وفي حال عدم تجاوز أحزاب، في معسكر اليمين – الحريديين خصوصا، فإن موازين القوى بين المعسكرين قد تتغير بشكل طفيف.

وفي كلتي الحالتين، سواء بقي شكل الخريطة السياسية على حاله أو "اختل" توازن القوى الحالي لصالح معسكر الوسط – يسار، فإنه ليس من شأن ذلك أن يغير السياسات الإسرائيلية الحالية، في الغالبية العظمى من القضايا. وللتوضيح، ينبغي الإشارة إلى أن اليسار الصهيوني الوحيد هو حزب ميرتس، الذي يؤيد قيام دولة فلسطينية. بينما حزبا الوسط، العمل و"ييش عتيد"، يتحفظان من قيام دولة فلسطينية في حدود حزيران/يونيو 1967 أو حتى وفقا لحل "تبادل أراض" ويتشبثان بالاستيطان وتوسيعه واستمرار احتلال القدس. أما الحزب الجديد "مناعة لإسرائيل"، فإن مؤسسه غانتس يسعى إلى النأي بنفسه عن معسكر الوسط – يسار، كي يجذب أكبر عدد ممكن من الناخبين، وخاصة من اليمين. وتوصف هذه الأحزاب في الخطاب الإسرائيلي بـ"اليسار"، وذلك لأنها لا تصرح بتأييدها لـ"أرض إسرائيل الكاملة"، التي يجمع عليها اليمين والحريديون.

ولا توجد فروق كبيرة في التوجهات السياسية بين اليمين – الحريديين والوسط. ولا يتوقع حدوث إنفراجة في العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية حتى في حال حدوث "انقلاب"، يشكل في أعقابه معسكر الوسط الحكومة المقبلة، وهذا احتمال بعيد جدا عن الواقع. والاحتمال الأكثر واقعية هو أن يشكل رئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو، الحكومة المقبلة أيضا. وليس مستبعدا أن ينضم لهذه الحكومة أحد أحزاب الوسط، مثل "مناعة لإسرائيل" خصوصا. ويبدو أن غانتس، الذي أصر على تأسيس حزب جديد ورفض الانضمام إلى حزب قائم وترؤسه، يهيء نفسه لتولي حقيبة الأمن في أية حكومة.

وحتى في حال تعذّر على نتنياهو تشكيل الحكومة المقبلة، بسبب تقديم لائحة اتهام ضده، فإن الائتلاف المقبل سيتشكل من أحزاب اليمين – الحريديين وليس من أحزاب الوسط – يسار، حتى لو فاز المعسكر الأخير بعدد مقاعد أكبر من اليمين – الحريديين في الكنيست. فهذه الكتلة سترفض تشكيل حكومة تشارك فيها القائمة المشتركة، التي ترفض بدورها وبحق الانضمام إلى ائتلاف، أي كان، بسبب السياسة المتوقع أن تمارسها أية حكومة يتم تشكيلها، سواء ضد الأقلية العربية أو الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة أو ضد دول عربية وخاصة لبنان وسورية.

ورغم عدم الوضوح حاليا فيما يتعلق بالشكل النهائي للقوائم التي ستخوض الانتخابات، أي إذا كانت ستتحالف أحزاب بقائمة واحدة، إلا أن انضمام أحزاب وسط، وخاصة "ييش عتيد" و"مناعة لإسرائيل"، وربما العمل أيضا، إلى حكومة يمين ليس مستبعدا. فقد حدث ذلك مرارا في الحكومات السابقة، كما أن أحزاب الوسط لا تطرح رؤية سياسية بديلة لسياسات نتنياهو، بكل ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني والقوى الإقليمية، أو حتى في النواحي الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، خاصة أن حزب العمل، عندما كان في الحكم، هو الذي تسبب بانهيار "دولة الرفاه" وبدأ بانتهاج النيو ليبرالية الاقتصادية.

ولعل رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) الأسبق، يوفال ديسكين، هو أفضل من عبّر عن حال الخريطة السياسية في إسرائيل. بقوله أول من أمس، الإثنين، إن "مؤسستنا السياسية مهووسة. وجميع الأحزاب قائمة حول مسيانيين. لبيد وغانتس وليفني وكحلون. هذه أحزاب دكتاتورية، ولا يوجد اليوم أحزاب لديها قيم، ولا توجد أيديولوجيا والأجواء مملة وشفافة من دون أي التزام... والسياسيون لا يريدون مواجهة السؤال الحقيقي وهو كيف يتم الحفاظ على أغلبية يهودية في الدولة. فهذا السؤال يحيلهم إلى أسئلة لا يريدون التعامل معها، مثل مسألة الدولتين أو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".

الواقع الحالي يؤكد على أن نتنياهو ترك بصمة واضحة في إسرائيل، يصعب محوها حتى في حال رحيله. وساهم صعود اليمين الجديد، المتمثل بالقضاء على اليمين التقليدي الليبرالي نوعا ما والابتعاد عن الهوية الصهيونية أيضا لمصلحة الهوية الدينية – اليهودية الغيبية، في السنوات الماضية، في وضع هذه البصمة، من خلال صعود نخب سياسية وقانونية/قضائية وعسكرية (وإن لم تكن في الصف القيادي الأول) تنتمي إلى اليمين المسياني، وتجر إسرائيل نحو نظام ليس بعيدا عن الفاشية.  

التعليقات