03/01/2019 - 12:42

أي لجان طلاب عرب نريد؟

يترتب علينا جميعًا، تغليب الوطني على الحزبي والمبادرة والمشاركة معًا في الانخراط في العمليّة التأسيسيّة، بعد تحديد أي مؤسسات طلابيّة نحتاج، وماذا يحتاج لبنائها، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيّة كل جامعة وتفرّد كل سياق.

أي لجان طلاب عرب نريد؟

يُناقش بعض النُشطاء الطُلابيين من حينٍ إلى آخر قضية بناء لجنة طلابٍ عرب كُلٌ في جامعته، وعادةً ما يتسم هذا النقاش بالإسقاط الفكري حينًا والأيديولوجي حينًا آخر لاختلاف المشارب الفكرية، وتعدّد الانتماءات التنظيميّة وتلوّن المرجعيّات الحركيّة والحزبيّة على تنوعها. أمّا ما يُميّز هذا النقاش، فهو موسميته، إذ بات في السنوات الأخيرة، من السهل جدًا تخمين الأسابيع القليلة التي يبدأ فيها النقاش والتعميم الإعلامي، الثرثرة وفوضى المقالات والتقوّلات ونحوها، وبالضرورة متى ينتهي!

من المؤسف جدًا، أن نقاش أهمية وجود لجان طلاب عرب يرتبط ارتباطًا وثيقًا، موقفيًا وزمانيًا بانتخابات النقابة العامّة، مما يُدلل على بعض التصوّرات السياسيّة والجو الذي تعكسه على الساحة بفعل هذه الاختيارات الزمانيّة.

جاء هذا المقال للمُساهمة في إثارة النقاش، علّ هذه الإثارة تكون بادرةً لتبادل الأفكار وتلاقحها وتطوير مفهوم لجنة الطلاب العرب، لا سيما وأنه أضحى من السهل أن نلمس أنّ مُعظم الحركات الطلابية والكثير من النشطاء الُطلابيين مُتفقون حول ضرورة التأسيس.

ما يؤرق حقًا هو محاولة تخيّل شكل اللجنة وتمظهرها التنظيمي والسياسي، فقد جرت العادة أن يتموضع نقاش الحركات الطلابية المُشاركة في التأسيس حول مفهوم اللجنة وما تُعبّر عنه سياسيًا عبر مرجعيتها الدُستورية، إذ غالبًا ما كان هذا النقاش مُؤخِرًا للدخان الأبيض المُنطلق من سقف الأبنية للإعلان عن وليدٍ حديث، يشكو من تدقيق في تعريفه السياسي وشبه تغييب لشكله التنظيمي، إذ يعتمد البنية الكلاسيكية للوقوف على التوافق والإجماع! وهو ما يُنتِج بالضرورة، عدم استمرارية وديمومة.

ولألّا نلدَ مولودنا بعملية قيصرية، من دون نقصٍ أو تشوهات خُلُقيّة، فعلينا أولًا الاستفاضة في نقاش تعريفه السياسي عبر الإجابة على سؤال الهدف من إقامة اللجنة، ووضع تصوراتنا لمهامها المُستقبليّة تحت طائلة التفكيك والمُراجعة.


ولا أجد في هذا السياق سوى الإشارة إلى بعض ما أعتقد أنّه خطوط عامّة، من دونها لا يُمكن تخيّل شكل اللجنة في صُلب الإجماع الوطني، تبدأ بما يترتب على اسمها من بُعدٍ قومي مرورًا بالالتزام الوطني الفلسطيني، وصولاً للاحتكام الديمقراطي فكرًا ونهجًا وممارسةً، وهو ما يترتب عليه من الشورى وتداور المعرفة وتداول الأفكار والظنون.

وعودةً للمُقلق المُؤرق، الاستمراريّة والديمومة، فنحتاج للقراءة تراجعيًا لنُصيب موضع الخلل ومكامن الزلل، أي أين توقفت لجنة الطلاب العرب؟


مسح تاريخي بسيط يُظهر لنا أن استمراريّة اللجان كانت تتوقف عند انتهاء دورة الأخيرة وتأسيس لجنة تنسيقيّة تُدير المرحلة، أي عندما لم نجد دُستورًا يُبيّن الشكل التنظيمي وماهية المرحلة الانتقاليّة، وهذا بفعل أنّ اللجنة هي لجنة مُنتخبين تفتقر إجمالًا للقواعد المؤسساتيّة وتعتمد على توزيع اللجان بين المُمثلين، وهو بالضرورة العطب الإشكالي.


أعتقد جازمًا، أن أي تنظيم يفتقر لعمودٍ فقريٍ مؤسساتي، يعمل وفق منظومةً مُحدّدة مُعتمدةً الاحتكام والإقرار، يفتقد بالضرورة لشكلٍ واضح المعالم وقدرةٍ على إكمال المسيرة. وهنا بإمكاننا الاستلهام من تجارب مختلفة حولنا، اتحادات الطلاب الجامعيين في مختلف جامعات العالم، وحتى نقابات الطلاب في الجامعات الإسرائيلية، ولقطع دابر المُزايدة، أقصدُ هنا الشكل التنظيمي، المُعتمد على المأسسة من الأسفل للأعلى، من القواعد إلى رأس الهرم، خصوصًا وأن التجارب أكّدت لنا أن أي بناء يبدأ من السطوح يتخلخل بفعل افتقاده للأساسات التنظيميّة المُتمثلة بالذراع الإعلامية، والمنتديات الثقافيّة والتثقيفيّة وطبعًا، المسؤوليّات الماليّة والالتزامات القانونيّة.


وعلى هذا يترتب علينا جميعًا، تغليب الوطني على الحزبي والمبادرة والمشاركة معًا في الانخراط في العمليّة التأسيسيّة، بعد تحديد أي مؤسسات طلابيّة نحتاج، وماذا يحتاج لبنائها، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيّة كل جامعة وتفرّد كل سياق.

هذا ما يجب أن نُجمله بالمعنى السياسي وشكل التمظهر التنظيمي، لكن لا بُدّ من العودة لأسئلة أوليّة تتعلق بالإرادة السياسيّة والاستطاعة التنظيميّة.


إذا ما سلمنا جميعنا أنّ التأسيس والانطلاق مهم وأن الاستمراريّة ضرورة، وافترضنا جدلًا أنّ إرادة غريبة عن هذا الإجماع تقف عائقًا أمام إكمال المسير مُحمَّلة بأجندات سياسيّة أو دوافع واعتبارات تنظيميّة داخليّة، فمن غير المُمكن أن نتجاوز هذا الواقع من دون اعتماد شكل التنظيم المُؤسساتي، الذي يحفظ الديمومة عبر الانعتاق من ضرورة الإجماع.

أمّا في ما يخص الاستطاعة، فأراه في سياقنا الراهن، سياق الأزمات العاصفة، انهيار المشروع العربي بالكامل، ووهن المشروع الوطني الفلسطيني والصراعات الحزبيّة، في ما بينها وداخل تنظيماتها، يُعد سؤالًا محوريًا لا يمكن تجاوزه، هل تستطيع الحركات الطلابية وهي على هذه الحال أن تتغلب على اليأس والإحباط وما ينجدل منه، من فقرٍ بالطاقات البشريّة؟


أتفق أن لجنة الطلاب العرب هي رافعة للعمل الطلابي، لكن وهذه الحال لا بدّ أولًا من الاجتهاد الحزبي والحركي في تقوية وتدعيم الأحزاب لتنجح في خلق هذه الرافعة، وهو ما يحتاج لانخراط المُستقلّين على الأقل في المساهمات النظريّة والمُشاركة التنظيميّة بدل حجز مواقع الحياد والتفرّج.


هي سيرورة تحتاج الكثير من الوقت، تقوية الأحزاب، وتشكيل المؤسسات ونقاش المُختلف سياسيًا للاتفاق على موحّد جامع، فتأسيس اللجان.


ونعم يتبقى الكثير من الأسئلة المؤرقة كسؤال الاحتكار السياسي وسُبل تجاوزه، عائق مؤسسة الجامعة وسياستها القامعة والباغية لإضعاف التنظيم الحزبي عامّة والحراك الطلابي العربي على وجه الخصوص، والمكانة القانونية للجنة وغيرها الكثير، لكن لا بُدّ اولًا من الاتفاق على أننا مُتأخرون كثيرًا وعلى أننا يجب أن نبدأ ونُباشر، وعلى أنّ حجر الأساس يجب أن يوضع بأيدي الجميع، لأنّ الطريق طويلة وشائكة، لكنها مُمكنة وستكون لأنها كانت ولأننا نُريد. 

(الكاتب مُمثل الطلاب العرب في النقابة العام للطلاب في جامعة حيفا)

التعليقات