31/01/2019 - 19:59

نظرية "خليك على منحوسك"!  

نظرية "خليك على منحوسك أحسن ما يجيك أنحس منه"، سلاح يستخدمه البعض للإبقاء على الحال السيء، وقد يكون بلهجة تهديد بنتائج وخيمة، وكذلك قد يكون دعوة للصبر حتى تحين فرصة أفضل للتغيير، وهناك مثل يعارضه يقول:"أكثر من القرد ما سخط

نظرية

نظرية "خليك على منحوسك أحسن ما يجيك أنحس منه"، سلاح يستخدمه البعض للإبقاء على الحال السيء، وقد يكون بلهجة تهديد بنتائج وخيمة، وكذلك قد يكون دعوة للصبر حتى تحين فرصة أفضل للتغيير، وهناك مثل يعارضه يقول:"أكثر من القرد ما سخط الله"، ومثل آخر يقول "اللي خايفين منه قاعدين عليه". وهناك بيت شعر لأبي القاسم الشابي يقول فيه: "ومن لا يحب صعود الجبال، يعش أبد الدهر بين الحفر".

نظرية خليك على منحوسك، هي نظرية مُحبِطة بالأساس، يطلقها بعض المُحْبَطين،أو المُحبِطين، وانتشرت في السنوات الأخيرة في الوطن العربي، وذلك بأن تبديل الأنظمة أدى إلى كوارث، دون تحقيق نتائج.

من جهته أعلن رئيس المخابرات السوداني صلاح قوش يوم الأربعاء الأخير، بأن هناك خمسة جيوش تنتظر لحظة الصفر لاحتلال الخرطوم، دون أن يذكر من هي هذه الجيوش، وما الداعي لاحتلال الخرطوم التي تبلغ مساحة محافظتها خمسة وعشرين ألف كيلو متر، وربط بين المظاهرات والاعتصامات التي تجري في المدن السودانية وبين استعداد هذه الجيوش للاحتلال، وبهذا يُسهم مع رئيسه حسن البشير، في دمغ الانتفاضة الشعبية التي بدأت منذ منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بأنها مؤامرة على السودان، وهي نفس اللازمة التي رددها جميع الدكتاتوريين العرب عندما تململت شعوبهم بما فيهم حسن البشير نفسه الذي وصف المتظاهرين بالمرتزقة.

يُذكر أن البشير الذي يدعي بأن المتظاهرين مرتزقة، سبق وأعلن عام 2012 بأنه لن ينافس في انتخابات عام 2015، ووعد بالتخلي عن السلطة، ولكن لم يكن ذلك سوى حبة تهدئة للشعب المتذمر، ريثما تمر موجات الغضب التي اجتاحت العالم العربي منذ 2010، فنكث وعاد وأقام انتخابات شكلية قاطعتها أحزاب المعارضة وفاز بها طبعا.

كان ممكن للحياة المدنية في السودان أن تمضي بصورة أفضل من جميع الأنظمة العربية الأخرى، فقد كان المشير سوار الذهب تسلم السلطة إثر انتفاضة الشعب والقوات المسلحة والنقابات على جعفر النميري، عام 1985، ووعد بالتنازل عن السلطة بعد عام، وكما وعد تنازل عن السلطة العسكرية بمبادرته عام 1986 وأُجريت انتخابات حزبية، انتخب فيها الصادق المهدي رئيس حزب الأمة رئيسا للوزارء، وعادت الحياة الحزبية في السودان بعد انقطاع سنين. 

إلا أن حسن البشير انقلب على الحكومة المدنية التي ترأسها الصادق المهدي عام 1989، وأشغل منصب رئيس جمهورية السودان ليصبح بدوره الآن عميد الحكام العرب بعد مرور ثلاثة عقود على حكمه. 

لقد ظن الجنرال البشير بأن الشعوب العربية بما فيها السوداني؛ تعلمت الدرس مما شاهدته وذاقته من قتل ودمار، ولم يعد أمامها سوى الرضى بالأمر الواقع، والعمل وفق قاعدة "خليك على منحوسك أحسن ييجيك أنحس منه"، لأن نتيجة  الانتفاضات ستكون الدمار والخراب، دون أي تغيير جوهري في الحكم، بل قد يأتي ما هو أسوأ.

ولكن هناك مؤشرات تقول إن التجربة السودانية ستكون مختلفة عن تجربة الشعب السوري مثلا، وذلك أن الشعب أيضا تعلم من تجارب الشعوب العربية الأخرى، وهناك أحزاب وتنظيمات معارضة وقيادات لها وزنها موجودة في داخل السودان، وأحزاب كانت متحالفة مع البشير أعلنت وقوفها إلى جانب الشعب في انتفاضتهذكر التي راح ضحيتها حتى الآن حوالي خمسين شهيدا ومئات الجرحى، ولا يمر يوم منذ حوالي الشهرين، دون مظاهرات واعتصامات ومواجهات مع قوات الأمن في المدن الكبيرة.

 يمر شعب السودان في حالة غليان بسبب الوضع الاقتصادي المتردي وسوء الإدارة، ويبدو أنه لم يعد بوسعه تحمل حكم الجنرال البشير أكثر مما تحمّل.

البشير لا يختلف عن أولئك الذين ظنوا أن يؤبّدوا أنفسهم على سدّة الحكم فلفظتهم شعوبهم، وقد وجد البشير في بشار الأسد زميل درب وصاحب طريقة في الحكم، فزاره قبل أقل من شهرين ليؤكد بأن دين الدكتاتوريات واحد، ولكنه أكد أيضا بأن معاناة الشعوب العربية واحدة، والانتفاضات حتمية، وأن الشعوب تتعلم الدروس، وكل ما نأمله أن تستطيع قيادات السودان المدنية السيطرة على نشاطات الانتفاضة واحتواءها وعدم السماح بتدخل قوى تخريبية مدسوسة من أي طرف بقصد إجهاضها، وعدم الانجرار إلى مواجهات مسلحة مع أمن النظام مهما قتل واعتقل، فهذا ما بات يتمناه كل دكتاتور، وهو ما لمّح إليه رئيس المخابرات بوصفه للمتظاهرين بالمخربين المأجورين والمدسوسين، وبأن هناك خمسة جيوش تنتظر الأمر باحتلال الخرطوم.

انتفاضة شعب السودان لا تختلف بشيء عن انتفاضات الأشقاء العرب، ويُخطئ من يتوهم أن الشعوب العربية سترضى بهذا المنحوس إلى الأبد، فالشعوب باتت مقتنعة بأن السكوت على المنحوس سيجلب لهم ما هو أنحس منه.

اقرأ/ي أيضًا | الجدل حول الجنائز قديم..             

التعليقات