21/02/2019 - 19:11

هل وصلنا إلى مفترق الطرق؟

أعتقد أن الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل قد وصلت مفترق طرق ربمّا تدخل معه إلى مرحلة جديدة لعلاقتها بمؤسسة الكنيست، فبعد أن  كان البرلمان الإسرائيلي في نظر الكثيرين منبرًا نضاليًّا يمثّل أقليّةّ قوميّةً لها مطالبها القومية إلى جانب المطالب المدنية

هل وصلنا إلى مفترق الطرق؟

أعتقد أن الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل قد وصلت مفترق طرق ربمّا تدخل معه إلى مرحلة جديدة لعلاقتها بمؤسسة الكنيست، فبعد أن  كان البرلمان الإسرائيلي في نظر الكثيرين منبرًا نضاليًّا يمثّل أقليّةّ قوميّةً لها مطالبها القومية إلى جانب المطالب المدنية واليومية، تحت شعار "كرامة وخدمات" ثم شعار"دولة كل مواطنيها"، بات هذا المنبر أكثر شعبويّة مؤخّرًا، يعتليه من يستطيع لفت الأنظار إليه، بغض النظر عن مضمون ما يتحدث به، أو من يتحدث باسمهم، أو الهدف الذي يمكن تحقيقه من مثل هذه اللمعات.

فقد صارت بضع كلمات على منبر الكنيست بلا أي مضمون حقيقي مقياسًا، لدى شريحة ما، لنجاح أو فشل عضو الكنيست، خاصّةً لدى الأشخاص الذين لا يمارسون العمل السياسي، وغير المتورطين فيه، وبهذا تراجع منبر الكنيست لدى الجمهور العربي من منبر أيديولوجي لطرح الأفكار والمطالب القومية واليومية، إلى منبر للوجاهة والزعامة؛ خاصّة عندما يرى الجمهور أن سبب الانشقاق عن المشتركة ليس خلافًا مبدئيًّا على أي طرح مع  الطروحات، بل هو على رئاسة القائمة، وعلى عدد المقاعد المضمونة، أي خلافٌ على قضيتين، هما الزعامة، والدخل المالي، لا على مبادئ وأفكار.

لا بدّ أنّ لكلّ حزب أو حركة الحق في المفاوضة على والمطالبة بعدد مقاعدَ مضمونةٍ ضمن القائمة المشتركة، إذ أنّ للأحزاب كوادرها ومكاتبها  وصحفها ونشاطاتها التي تحتاج إلى دعم مادي، إلّا أنّه في المقابل، نلاحظ أنّ الحركة العربية للتغيير، المنشقّة عن المشتركة، ليس لها فروع ونوادٍ مفتوحة مثل بقية الأحزاب التي تعمل على مدار السنين، كما أنّها لا تملك صحيفة أو موقع إلكترونيًّا تطلع من خلاله الجماهير على سياستها أو على أفكارها، كما أنّه ليس لدى العربية للتغيير حركة طلابية في الجامعات، أو جمعيات قريبة ومرتبطة بها، تعمل بين الجماهير.

وإنّ هذا يعني أن الحركة العربية للتّغيير لا تملك تنظيمًا ولا أيديولوجيا ولا فكرةً واضحةً ولا نشاطاتٍ على مستوى القواعد، بينما نرى الأحزاب الأخرى تنظم الندوات الثقافية والسياسية ومعارض الكتب والعروض الفنية المختلفة، وترتبط بها جمعيات ثقافية ومطلبية واجتماعية مختلفة، ساعيةً إلى ترسيخ ثقافة قومية وإنسانية ونشاطات ذات رؤية قومية ووطنية وتوعية الناس إلى ما يدور من حولهم، وإلى تنظيم الجماهير في الرد على القضايا الملحّة بتفاوت بين تنظيم وآخر، ويثيرون نقاشات حول السبل التي يجب سلوكها في مواجهة مخاطر السياسة الرسمية المعلنة المعروفة للجميع.

ليس لدى العربية للتغيير قواعد حزبية تجتمع دوريًّا، وبنيتها تعتمد على علاقات شخصية مع بعض الأفراد في كل بلد وبلد، قد يكون لهذه الشخصيات تأثيرها واحترامها في محيطها العائلي أو البلدي، ومع احترامنا لجميع هؤلاء، إلا أن الأفراد ليسوا أحزابًا قادرة على تنظيم أي نشاط حقيقي وعميق، أما الذي يبادر إلى نشاطات شعبية سياسية فهي الأحزاب، ومن خلال كوادرها التي تعمل في كل بلد وبلد، فهي التي تبادر، وحينها قد نرى بعض المنتمين إلى العربية للتغيير ينضمون إلى هذه النشاطات الحزبية، كمشاركين وليس كمبادرين.

شعبية القائمة العربية للتغيير تأتي بالأساس من الفئات غير الراضية من الأحزاب، ونادرًا ما تكون عن قناعة فكرية، لأن الفكرة غير واضحة أصلًا، هؤلاء يشكلون أعدادًا لا بأس بها في كل قرية ومدينة، ويعود سبب ذلك إلى أن الأحزاب تتخذ مواقف مؤيدة أو معارضة في الانتخابات المحلية، وهذا يؤدي إلى زعل بعض الناس من الأحزاب، قد يكون الزعل بحق أو بغير حق، وقد يزعل البعض بسبب  توزيع غير عادل لمنح أو لأمور أخرى تمارسها الأحزاب، وهي أخطاء يقع فيها كل من يعمل، وقد يكون الزعل شخصيًا مع هذا أو ذاك من النشطاء، وهؤلاء يشكلون شريحة لا بأس بها من الناس، وذلك بسبب التراكم مع مرور الزمن، وهؤلاء هم المخزن الأساسي للأصوات الذي تلوّح به العربية للتغيير.

لا نسمع عن نشاطات للعربية للتغيير على مدار السنين، إلا في مواسم الانتخابات، ما نسمعه هو أن هناك من زعل من المشتركة في النقب وهناك من زعل في الناصرة وهناك من زعل في دير حنا وهناك من زعل في المركز أو في الساحل أو في طمرة وغيرها؛ وهكذا تشكل "تيّار الزعلانين" الذي تطمح العربية للتغيير أن تجيّره وأن تستثمره كأصوات.

الجماهير الصابرة المهدّدة في كل مجالات حياتها، تستحق قيادة مُضحّية، ترى في مصلحة الناس أمرًا مقدسًا يُمنع التلاعب فيه، قيادة تتعامل مع الجماهير وحقوقها كأقلية قومية تشكل جزءًا من شعب يتعرض للاضطهاد وسلب الحقوق، ويصارع لأجل تحرّره من آخر احتلال على سطح الكرة الأرضية.

نعم هناك تقصير من المشتركة، والأحزاب المنظّمة حقيقة والقادرة على العمل بشكل أفضل، بلا شك أنه كان من الممكن تفعيل الجماهير أكثر من خلال تقديم قدوة لها في هذا الموقف أو ذاك، ربما كان على المشتركة، وأقصد قادة الأحزاب، إبداء استعداد أكبر للتضحية لتحقيق مطالب الشعب الشرعية، ولكن تقصير أحزاب المشتركة القادرة على الفعل، لا يعني بأي حال، أن قائمة منشقة بسبب مطلب الزعامة والدخل المادّي والمعتمدة على الزعلانين ستحقق للجماهير مطالبها.

من ناحية أخرى، باتت أوساط واسعة من الجماهير ترى حقيقة أن الكنيست من يمينها إلى وسطها وبأكثريتها الساحقة، باستثناء حزب "ميرتس"، لا ترى في المندوبين العرب شركاء في أي حكومة محتملة، ولا حتى كجسم مانع ممكن الاتكاء عليه، فالصراع هناك على من يزاود أكثر، حتى زهير بهلول لم يطق الاستمرار مع العمل الذي أطلق على نفسه المعسكر الصهيوني، وحتى أيوب القرا بات يصف أحباب الأمس بالخونة والعنصريين.

ويحتد السؤال أكثر وأكثر أمام هذا المشهد التعيس، ما الذي نريده من الكنيست بالضبط؟ هل حقًّا نعرف بالضبط ماذا نريد؟ وما هو أقصى ما يمكن أن نحققه من خلالها على الصعيدين القوميّ والمطلبيّ؟ وهل ستكون الانتخابات الحالية ونتائجها مفترق طرق للجماهير العربية في علاقتها مع هذه المؤسسة؟ وما هي الاستنتاجات التي تنتظرنا بعد الانتخابات؟

اقرأ/ي أيضًا | نفاق ومنافقون...

التعليقات