21/03/2019 - 13:07

لماذا أسبوع مقاومة الأبرتهايد والاستعمار الإسرائيلي؟

يذخر أسبوع مقاومة الأبرتهايد والاستعمار الإسرائيلي بندوات وعرض أفلام حركة المقاطعة ونجاحاتها، وعروض وحفلات في كل فلسطين والشتات للتعريف بالحركة وإنجازاتها الأخيرة والمتلاحقة، من مقاطعة أكاديمية نجحت في كسر التابوهات الأميركية، إلى المقاطعة الاقتصادية القادمة من أوروبا وجنوب أفريقيا

لماذا أسبوع مقاومة الأبرتهايد والاستعمار الإسرائيلي؟

منذ العام 2005، ينشط الفلسطينيون والناشطون الدوليون في شتى أنحاء العالم للتضامن مع فلسطين في إحياء أسبوع مقاومة الأبرتهايد والاستعمار الإسرائيلي. أصبح هذا "الأسبوع" منذ انطلاقته في كندا في العام المذكور كاستجابة للنداء الذي أصدره المجتمع المدني الفلسطيني، وطالب المجتمع الدولي بمقاطعة إسرائيل وعدم الاستثمار بها وفرض عقوبات عليها حتى تستجيب للقانون الدولي، من أبرز أشكال التضامن الأممي مع المضطَهَد الفلسطيني في مواجهة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تخطت بمراحل جرائم نظام الأبرتهايد البائد. وواجب قانوني وأخلاقي على شعوب العالم للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني كما فعلت مع الشعب الجنوب أفريقي في مواجهة جريمة الأبرتهايد والاستعمار الاستيطاني الذي تمارسه إسرائيل بكل أريحية ومن دون رادع ولا حسيب.

حيدر عيد

تنطلق الفعاليات الأسبوع هذا العام في أكثر من 200 مدينة حول العالم بأسلوب خلاق للتضامن مع مكونات الشعب الفلسطيني الثلاث في أراضي 67 و48 والشتات. تكمن الفكرة الرئيسة لأسبوع مقاومة الأبرتهايد الإسرائيلي أساساً في التركيز على الطبيعة العنصرية لدولة إسرائيل في تعاملها مع الشعب الفلسطيني ككل واحد، والتعامل مع سؤال تم إهماله من قبل الحركة الوطنية الفلسطينية لفترة طويلة، ألا وهو: هل ينطبق تعريف القانون الدولي للأبرتهايد على إسرائيل أم لا؟  

شهدت الفترة الأخيرة تحولا كبيرا في الخطاب الأممي المتضامن من التفسير الرسمي السائد للقانون الدولي، والذي يختزل الشعب الفلسطيني في سكان الضفة والقطاع، وهو التفسير نفسه الذي يتبناه اليسار الصهيوني، إلى خطاب التضامن الحقيقي المتنامي الآن الذي يرى في الأيديولوجيا الصهيونية العنصرية أساس المشكلة.  وما تقرير الإسكوا الذي أكد  في طياته أن إسرائيل أسست نظام فصل عنصري "أبرتهايد" يهيمن على الشعب الفلسطيني، إلا دليل واضح على مدى التغيير الذي بدأ يجد طريقه إلى الوعي الأممي بخصوص الطبيعة العنصرية لدولة إسرائيل، كنظام استعماري استيطاني وأبرتهايد.

يتخذ الفلسطينيون والمتضامنون الدوليون معهم من الأدوات التي استخدمت بنجاح واضح في التعامل مع نظام الأبرتهايد الجنوب أفريقي، دليلاً ومرشداً في سياق تحركاتهم التضامنية ضد نظام الفصل العنصري الصهيوني في فلسطين. ويشكل هذا الأسبوع تهديدا على إسرائيل، بحيث تحاول تجنيد كل أدواتها السياسية والدبلوماسية في الداخل والخارج لمحاربة أي نشاطات تقوم بإحياء أسبوع مقاومة الأبرتهايد.

لا تختلف سياسات إسرائيل في ممارستها للتفرقة العنصرية المُمأسسة، الأبرتهايد، عن تلك التي مارستها دولة جنوب أفريقيا العنصرية (1948-1994). إذ سن الكنيست قوانين ضد الفلسطينيين، أصحاب الأرض الأصليين، في أراضي 67 و48، وآخرها "قانون القومية" العنصري الذي يرسخ الاستيطان اليهودي والتمييز والتفرقة العنصرية ضد كل ما هو غير يهودي، في الوقت الذي تمتنع عن تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، الذين طردوا من بيوتهم وقراهم ومدنهم في عملية تطهيرعرقي ممنهجة، في العام 48 وبعده.

ليس من المستغرب أن تشعر المؤسسة الصهيونية الحاكمة، بالقلق الشديد من نمو حملة التضامن مع الشعب الفلسطيني وتبلورها في شكل مشابه للحركة الدولية لمناهضة الأبرتهايد الجنوب أفريقي. مدى القلق الإسرائيلي من فعاليات أسبوع مقاومة الأبرتهايد بدأ يتضح في الأعوام الأخيرة عبر سلسلة من القرارات التي اتخذتها الحكومة اليمينية المتطرفة بإرسال مبعوثين/ات للدول التي ستنطلق بها فعاليات هذا الأسبوع، لمواجهتها في الجامعات و لتسويق صورة إسرائيل، من خلال حملة "هسبراه"، على أنها دولة "ديمقراطية محبة للسلام"، وأنها دولة ثقافات وأجناس متعددة تتميز بـ"المساواة،" وبالتالي فإن وصف إسرائيل بالعنصرية خاطئ.

ولا تتورع دولة الأبرتهايد أحيانا عن الاستعانة بخدمات "فلسطينيين" و "عرب" للدفاع عن وجهها الذي تدعي بأنه "حضاري"، في محاولة لنسخ سلوكيات وممارسات نظام الأبرتهايد العنصري في جنوب أفريقيا، الذي عمل على ضم لاعب أسود لمنتخب الرُغبي الوطني، في محاولة لغسيل جرائمه البشعة وتبييض وجهه العنصري.

ولدعم الحملة المناهضة لأسبوع الأبرتهايد، خصصت الحكومة الإسرائيلية ملايين من الدولارات، ودفعت بالمئات من الطلاب والطالبات الإسرائيليين لتخصيص وقتهم للعمل على إفشال الفعاليات. وتشرف حالياً وزارة الأمن العام ووزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية على الحملة المضادة لأسبوع الأبرتهايد، وذلك بعد نقل ملف محاربة حملة المقاطعة المتنامية بشكل مضطرد إليها، بعد أن كان بعهدة وزارة الخارجية الإسرائيلية، والتي فشلت فشلا ذريعا في حملات البروباغندا المسعورة، وفي الحد من النجاحات المتلاحقة لحملة المقاطعة وعدم الاستثمار وفرض عقوبات على إسرائيل (بي دي أس).

وقد نشطت وزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية منذ مطلع شهر آذار/ مارس في ممارسة الضغط لإلغاء نشاطات المناصرة والدعم للحقوق الفلسطينية، التي ينظمها الفلسطينيون والمتضامنون الدوليون في العالم معهم. وقد نجحت تلك الضغوط في إلغاء السلطات الألمانية في برلين فعالية بمناسبة أسبوع الأبرتهايد وإبطال تأشيرة الناشطة الفلسطينية، رسمية عودة، بعد احتجاج السفير الإسرائيلي لدى برلين على النشاط الذي نُظمته تلك الفعالية.

يحمل أسبوع مقاومة الأبرتهايد هذا العام أهمية بارزة  كونه يتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لمسيرة العودة الكبرى، حيث قررت الهيئة الوطنية العليا التي تقود المسيرات الدعوة لمسيرة مليونية في الـ 30 من مارس. كما تم إطلاق شعار "لنكفّ عن تسليح الاستعمار"

على الأسبوع هذا العام، وهو مطلب أساسي من مطالب المسيرات الأسبوعية التي استهدفتها قوات الاحتلال بطريقة بشعة وتمت إدانتها مؤخراً من قبل لجنة حقوقية التابعة للأمم المتحدة، باعتبارهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وأثار تقرير المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مايكل لينك، الذي صدر قبل أيام تساؤلات حول استخدام إسرائيل للقوة المفرطة ضد المتظاهرين في غزة، وتسببها في الأزمة الإنسانية للقطاع بسبب الحصار.

يذخر أسبوع مقاومة الأبرتهايد والاستعمار الإسرائيلي بندوات وعرض أفلام حركة المقاطعة ونجاحاتها، وعروض وحفلات في كل فلسطين والشتات للتعريف بالحركة وإنجازاتها الأخيرة والمتلاحقة، من مقاطعة أكاديمية نجحت في كسر التابوهات الأميركية، إلى المقاطعة الاقتصادية القادمة من أوروبا وجنوب أفريقيا، والمقاطعة الفنية، واستجابة العديد من الفنانين العالميين والشخصيات الثقافية والعلمية المرموقة لنداء المقاطعة الفلسطيني.

ولكن يظل الهدف المرجو من قبل منظمي أسبوع مقاومة الأبرتهايد هو أن تختفي المبررات التي تدعو لإقامة هكذا فعاليات، أي الوصول لمرحلة تتخطى الواقع الاضطهادي المفروض على الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل والشتات منذ أكثر من سبعين عاماً، والحلول العنصرية التي يتم الترويج لها، وتحقيق العدالة وحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني أينما وجد، أسوة بباقي شعوب العالم.


* محلل سياساتي في شبكة السياسات الفلسطينية «الشبكة»، وأستاذ جامعي في جامعة الأقصى ــ غزة.

التعليقات