27/03/2019 - 17:43

نعم للتصويت ولكن بلا صناعة الوهم

سيكون عليهم إعادة البوصلة إلى اتجاهها الصحيح: ممثلون يحملون قضية مجموعة قومية أصلانية، لا يمكن حل مشاكلها بفتات، ولا بتحويل قضايانا إلى قضايا "ظلم اجتماعي" يمكن للعدل الاجتماعي تصويبه

نعم للتصويت ولكن بلا صناعة الوهم

في العام 2013 وعشية الانتخابات البرلمانية، نشرت في "حديث الناس" مقالة قلت فيها إن الوحدة بين مختلف الأحزاب العربية غير ممكنة، بفعل التباين في مواقفها وبرامجها الانتخابية، وحتى لا تعطي الوحدة الوهمية شرعية للانتهازية السياسية، وطرحت آنذاك فكرة القائمتين، مع دعوة للحوار الوطني. 

جاءت انتخابات 2013 ولم تتوحد الأحزاب العربية رغم الدعوات الكثيرة، وما لم يفعله الموقف الشعبي فعله رفع نسبة الحسم، الذي أفضى في نهاية المطاف إلى تشكيل القائمة المشتركة، تحالفا انتخابيا بفعل الضرورة عام 2015، أكثر مما كان وحدة حقيقية، وهو ما أثبتته الأيام، وما أثبته الأداء السيئ للقائمة ككل، في غض أقطابها الطرف عن تجاوزات وانحرافات سياسية خطيرة، بموازاة صناعة وهم الوحدة والإنجاز التاريخي الموهوم والمزايد على حالة الانقسام العامة لدى الشعب الفلسطيني.

وبعد انتخابات العام 2015 وتشكيل القائمة المشتركة، عدت وحذرت من مغبة بناء أوهام على القائمة في ظل الخريطة السياسية المتبلورة في إسرائيل، وصولا إلى القول إنه "لا فائدة ترجى من تطوير مثل هذا الوهم. فالقائمة المشتركة بتركيبتها ليست ولن تكون ’صلاح الدين الأيوبي’. إنها أداة ووسيلة لضمان وجود صوت فلسطيني (تتفاوت حدته ولهجته من حزب لآخر داخل القائمة) ويحافظ على الهوية الفلسطينية في الداخل، ويتصدى ويفشل كل مخططات الأسرلة ومحاولات فرض خدمة مدنية أو عسكرية على الفلسطينيين، أو يشوه الانتماء وجه العربي والانتماء الفلسطيني لمن ظلوا بعد النكبة على أرضهم "

وقد انتقدت في أكثر من مرة أداء القائمة، لا سيما محاولات أقطابها ونوابها إسكات أي صوت نقدي لدى وسائل الإعلام العربية، لأنهم، أي أقطاب المشتركة، دخلوا في فخ الإعلام واليمين الإسرائيلي، وادعائه أن الأحزاب والنواب العرب لا يقدمون إنجازات ولا يهتمون بقضايا الناس، رغم أن الأحزاب العربية ونوابها حظيت بدعم وترويج لكل بيان يصدر عنها أو عن نوابها، إلا أنها وقعت في مطبات عقدة الخواجة، عندما احتفت وانتشت بتقرير يتيم للصحافي عكيفا نوفاك عن نشاط النواب العرب واهتمامهم بقضايا الناس، وليس بالقضية الفلسطينية فقط، الذين هم ونحن في وضعنا الحالي جزء أساسي من هذه القضية ومن الحل، وليس فقط جزء من الشعب الفلسطيني.

واليوم، بعد تفكيك المشتركة بشكل سافر بفعل نزوات ومطامع شخصية، لدى عضو الكنيست أحمد طيبي، الذي بعد أن صدع الناس باستطلاعات حول قوته البرلمانية، تراجع في اللحظة الأخيرة وقبل بأن يكون له مقعدين في أول ستة مقاعد على لائحة الجبهة، وبدا أن الدافع الرئيسي عنده ضمان مقعدين لقائمته، وتخرب البلد، وهو ما تناغم عمليا مع رغبة دفينة كانت لدى الجبهة "للتخلص من عبء التحالف مع التجمع الذي يوجد فيه ’قومجيون’، وفق التعبير الذي أصرت عليه مديرة حملة الجبهة نوعاه ليفي، ومن تبعات ذلك على سعي الجبهة المحموم للاندماج في المجتمع الإسرائيلي، فيما "بلد" (التجمع) أقل قبولا لدى شرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي .

وقد ترجمت هذه الرغبات الدفينة بتحصيل القبول الإسرائيلي، بخطاب استجداء القبول بالحزبين في القائمة الجديدة المشتركة كجزء من الكتلة المانعة، بما يخدم الدعاية الانتخابية لهما بصد اليمين الفاشي وإسقاط نتنياهو، كمبرر "للقبول" بأن نكون جزءا من الكتلة المانعة، حتى مع من بدأ دعايته الانتخابية بعداد رقمي يظهر عدد من سقطوا في غزة شهداء، بينما كان هو رئيس أركان الجيش.

يدل هذا الاستجداء، وما يرافقه باستمرار من خطاب تمييع لحقيقة الصراع وانعكاساته علينا، وتحيل قضايا التمييز إلى شعار "العدالة الاجتماعية"، أنه الآن بالذات وبعد "قانون القومية"، تزداد الحاجة لصوت واضح دون تلعثم، ليعبر عنا وعن روايتنا، يحمل آلام مجتمعنا ويرفع صوته ومطالبه، ولكن وسط إدراك حقيقي لحدود اللعبة البرلمانية في إسرائيل، ودون إطعام الناس جوزا فارغا، على شاكلة ما رافق السنوات الأربع الأخيرة، التي تم فيها التغني بإنجازات بسيطة تكاد لا تذكر جرى تضخيمها عن سابق إصرار.

نحن بحاجة إلى صوت يمثلنا، ويحمل موقفنا وقضايانا، ويكون مدركا لكل ما يعرفه كل طالب في المرحلة الثانوية عندنا، أن الكنيست هي الهيئة التشريعية، وأن المعارضة فيها، وبفعل النظام المعمول به في إسرائيل، لا تملك تأثيرا يذكر، حتى لو كانت معارضة يهودية صهيونية أو يهودية حريدية، وأن البعد التنفيذي وتحقيق الإنجازات الفعلية هو في يد الائتلاف الحاكم. ولعل ما أصاب الحريديين وأحزابهم خلال حكمة نتنياهو لبيد 2013-2014، عندما وجدوا أنفسهم في المعارضة خير دليل على ذلك.

يذهب نوابنا وأحزابنا إلى الكنيست للمعارضة، وهذا مفهوم ضمنا ومعروف، وبالتالي فإن مجالات التنفيذ للوعود الانتخابية ضيق للغاية إن لم يكن معدوما، لذا ذهابهم هو لإسماع صوت وإبقاء الرواية، وليس "لاقتناص الفرص"، ولا لكي يكونوا "معارضة مؤثرة"، فمثل هذه المعارضة لا وجود لها إن كانت خارج الإجماع الصهيوني، وهي أمر غير وارد في الحسبان.

اليوم، تحمل قائمة تحالف التجمع والقائمة الموحدة شعارا يقول بقيادة جديدة ونهج جديد، وهو شعار سيكون على نواب القائمة ترجمته على أرض الواقع، من خلال تصويب مسار ما تم في سنوات المشتركة (خصوصا بعد دخول النائب السابق باسل غطاس السجن)، وانتعاش تفاهمات غريبة عجيبة مع الحريديين بشكل مباشر لم تأت أكلها، بل نفضوا أياديهم منها عندما صوتوا مع "قانون القومية". 

سيكون عليهم إعادة البوصلة إلى اتجاهها الصحيح: ممثلون يحملون قضية مجموعة قومية أصلانية، لا يمكن حل مشاكلها بفتات، ولا بتحويل قضايانا إلى قضايا "ظلم اجتماعي" يمكن للعدل الاجتماعي تصويبه، ولا بشراء كرامتها الوطنية والقومية ببضعة آلاف من الشواقل تعويضا عن إجراء التفتيش الجسدي في المطار أو تأخير في الصعود إلى الطائرة.

اقرأ/ي أيضًا | القرار لنا..

التعليقات