29/03/2019 - 09:28

جهاز الأمن ضد أمننا

أكثر الأساليب رواجا والتي تتبعها حكومات الاحتلال أو أنظمة الحكم الفاسدة هي تيئيس الناس من جدوى احتجاجاتهم ومعارضتهم أو نضالهم، حتى يصل الناس إلى اليأس من إمكانية تغيير واقعهم،

جهاز الأمن ضد أمننا

أكثر الأساليب رواجا والتي تتبعها حكومات الاحتلال أو أنظمة الحكم الفاسدة هي تيئيس الناس من جدوى احتجاجاتهم ومعارضتهم أو نضالهم، حتى يصل الناس إلى اليأس من إمكانية تغيير واقعهم، ويرضخوا في النهاية لسياسة الأمر الواقع، بل وأن يعاقبوا أنفسهم بالتحول من النضال ضد الظلم إلى البحث عن مبررات له ولوجوده، وجلد الذات بصورة مستمرة، حتى إدانة المظلومين والمضطهدين، وكأنهم هم السبب في ما يحدث لهم، وليس النظام الفاسد أو سلطات الاحتلال الغاشمة.

عندما يفقد الناس الأمل في تغيير واقعهم فإنهم ينأون بأنفسهم عن المشاركة في النشاطات الكفاحية، بل وقد يسخرون منها ومن المبادرين إليها، وهذا ينطبق على مجالات عدّة، منها الاحتجاج على العنف المستشري وعلى سياسة هدم البيوت وعلى التمييز العنصري بأشكاله الكثيرة والذي وصل ذروته في سن "قانون القومية"، دون أن يواجه برد فعل موازٍ في قوته لهذا القانون، حيث اكتفى الناس بمشاركة ضعيفة في مظاهرة قطرية واحدة في تل أبيب وانتهى الأمر، والسبب الأساسي هو فقدان الأمل بالتغيير والتأثير، وعادة ما يكون رد الناس على مبادرات كهذه بتساؤل استنكاري: ماذا سيفيد؟ وهذه شعارات بلا رصيد، ولا تغني ولا تسمن! وهل منعت المظاهرة هدما؟ أو أنقذت ضحية من عنف؟

وتنفتح التعليقات على صفحات الفيسبوك على مصارعيها لتقريع المسؤولين من رؤساء سلطات محلية ومن أعضاء كنيست ولجنة متابعة وأحزاب من طراز: ماذا سيفيدنا استنكاركم؟ وأين أنتم أيها النواب؟ وغيرها.

هذا ليس عفويا، فهناك من يدرس ويخطط، ويريدنا أن نصل إلى هذه النتيجة بالضبط، إلى الاقتناع بعدم جدوى النضال، فإذا تظاهر الناس ضد الهدم فوجئوا بعد يومين بتنفيذ عمليات هدم كانت مؤجلة، وإذا تظاهروا ضد العنف فوجئوا بعمل عنيف في اليوم ذاته أو بعد ساعات، قد يكون موجّها بأيدٍ خفية، وهذا يحبطهم أكثر وأكثر، وقد يكون بعضهم مدسوسا لتخريب نشاطات كهذه.

في سياق محاربة العنف، أعلن مراقب الدولة أن حوالي 430 مليون شيكل كانت مخصصة لهذه الغاية في المجتمع العربي لم تذهب إلى وجهتها المعدة لها، واستثمرها وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، غلعاد إردان، في وجهات أخرى، وكان يفترض أن تصرف هذه الأموال في مجال التكنولوجيا والعتاد المتقدم والقوى العاملة والملاكات لمحاربة العنف المستشري في المجتمع العربي، ولكنه أي إردان وزير الأمن الداخلي حرف هذه الأموال عن الهدف الذي كانت معدة له، وهذا أثّر سلبًا وأطلق العنف من عقاله، الأمر الذي يعني أن الوزير إردان وحكومته، يحملون نوايا واضحة معلنة، وهي عدم الجدية في مكافحة العنف في المجتمع العربي لأسباب سياسية لها أهداف مبيّتة.

وهذا ينعكس بقولهم لا يوجد عدد كاف من سيارات الشرطة في منطقة ما، وبنقص في القوى البشرية، عندما يتساءل الناس عند وقوع حادثة.. أين الشرطة؟ ولماذا لا تصل في الوقت المناسب؟ وأين العتاد الإلكتروني والكاميرات والتكنولوجيا المتقدمة القادرة على كشف الجناة واعتقالهم؟    

واضح إن إردان وحكومته الليكودية قد وضعوا نصب أعينهم تنفيذ سياسة التيئيس من خلال قانون "فخار يكسّر بعضه"، وترسيخه في مجتمعنا، وأطلقوا أيدي المجرمين في المدن والقرى العربية ليعيثوا فسادًا ويقلقوا الناس على أموالهم وأرواحهم دون أن يشعر هؤلاء بوجود رادع حقيقي من قبل الشرطة القادرة على محاربتهم "لو أرادت ذلك"، مستهترين بإمكانية إلقاء القبض عليهم وزجهم في السجون، حتى صار إطلاق النار على سيارة أو على محل تجاري أو على شخص ما، يجري بسهولة مذهلة دون توقّع أي ملاحقة ومحاولة معرفة الفاعلين، بل وكثيرا ما يعتقل الفاعل ويطلق سراحه بعد يومين، بهذا يريد إردان وحكومته إفقاد الناس ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على محاربة العنف ومن ثم تيئيسهم من إمكانية التغيير، وزرع قناعة لديهم بأن الوضع يمضي من سيّء إلى أسوأ.

هكذا نرى عشرات جرائم إطلاق النار تجري بدون أي محاولة للكشف عن منفّذيها، وكأنها أصبحت أمرًا مفروغا منه، وتبدو الشرطة وقد رفعت يديها مستسلمة وعاجزة، ولكن بتخطيط وسبق إصرار.

أما المجال الذي تبدع فيه الشرطة، فهو تسجيل مخالفات السير في داخل القرى العربية وعلى مداخلها بحجة حفظ النظام، أي أنها تحفظ النظام في الجانب الذي يدر عليها ربحًا ماديًا، والذي يبدو في كثير من الأحيان عقوبة للناس وليس تنفيذا للقانون، وكذلك الأمر عندما ترافق قوات ومعدات الداخلية لتنفيذ عمليات الهدم.

تقرير مراقب الدولة جاء ليؤكد ما قيل دائمًا بأن الجريمة والعنف في المجتمع العربي، سياسة موجهة وليست إهمالا فقط، وعلينا جمهورًا وقيادة أن نستخلص العبر، وبلا شك هذا يحتاج إلى وقفة جدية وعميقة ومدروسة وتخطيط واضح وبعيد الأمد.

اقرأ/ي أيضًا | مستشفيات قذرة...

 

التعليقات