04/04/2019 - 16:11

المشاركة والمقاطعة والقاعدة الوطنية المشتركة

يبقى موضوع المشاركة والمقاطعة موضوع نقاش مفتوح، المنتصر فيه هو الموقف وليس أحد الأطراف، بمعنى انحياز الناس والأحزاب أو غالبيتها لصالح المقاطعة، وليس إسقاط الأحزاب أو أي منها في الانتخابات.

المشاركة والمقاطعة والقاعدة الوطنية المشتركة

بغض النظر عن الصراعات الموسمية، التي كثيرا ما تحتد أثناء فترات الانتخابات، القطرية والمحلية، فإن أحزابنا في الداخل الفلسطيني نجحت خلال تجربتها الطويلة، في بناء قاعدة مشتركة ما زالت تشكل أساسا متينا لوحدتنا السياسية والمجتمعية ومرجعية وطنية موحدة، تحتوي ألوان الطيف السياسي المختلفة.

وتتشكل تلك القاعدة من مجموعة توافقات سياسية واجتماعية غير مكتوبة، تجد تعبيراتها السياسية في الهيئات المشتركة على غرار لجنة المتابعة واللجنة القطرية للسلطات المحلية، وغيرها من أطر وآليات عمل ثابتة أو متغيرة تترسخ عبر الزمن، وتتوحد في إطارها التوافقات السياسية المشتركة، مع الشكل التنظيمي الذي تتمظهر من خلاله.

وقد لمسنا من تجربتنا المعاصرة، كيف استطاع العمل الوطني تجاوز غياب هيئة كفاحية وحدوية مثل لجنة الدفاع عن الأراضي، التي اتخذت قرار إضراب يوم الأرض التاريخي عام 1976، أو تراجع معاقل نضالية مؤثرة صهرت أجيال متعاقبة من الكوادر والقيادات السياسية، مثل لجان الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية.

كما لمسنا خلال السنوات الماضية، مثلا، كيف أخذت تترسخ القائمة المشتركة كحالة سياسية وحدوية إلى جانب لجنة المتابعة، علمًا أنها ضمت الأحزاب الممثلة في الكنيست فقط، وكيف أدى تفكيكها الى حالة من الخذلان وخيبة الأمل بين جماهيرنا.

وضمن الواقع المركب الذي نعيشه، فإن هناك الكثير من الهوامش والفئات الموجودة خارج الوعاء الوطني العام والمتصلة بالحالة الإسرائيلية القائمة، وهي هوامش لا تقتصر فقط على ذيول الأحزاب الصهيونية، بل تشمل مندوبي صناديق وجمعيات إسرائيلية وأكاديميين متماهين مع الحالة الإسرائيلية.

هؤلاء ومن يقف خلفهم، يرون في المشاركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي وسيلة لتعزيز المواطنة والاندماج، بغض النظر إذا كانت مواطنة منقوصة أو كان ذلك الاندماج على هامش الدولة، كما يرى هؤلاء في مقاطعة الانتخابات أو الامتناع عن التصويت، شقا لعصا الطاعة و"حالة تمرد" على واقع الأسرلة يجب مقاومتها بكافة الوسائل.

ولا يدع هؤلاء لدينا أي شك في تلك النوايا والأهداف وهم يحشدون الأموال والطاقات والمجهود، وتوظيفها في المعركة ضد "حملة المقاطعة" وضد الممتنعين عن التصويت، ونراهم أكثر حماسا وجاهزية من ممثلي الأحزاب والقوائم العربية صاحبة المصلحة الفعلية في الحد من نسبة الامتناع وزيادة نسبة التصويت.

وفي وقت تحاول الأحزاب والقوائم العربية، مستفيدة من التجربة، إدارة معركة حضارية في ما بينها ومع "الممتنعين"، نرى هؤلاء وهم يتلفعون بعباءة المشاركة، ينفلتون دون وازع أو مبرر على "حملة المقاطعة"، عبر استعمال أساليب مقيتة تصل حد الاتهام والتخوين. 
ومع علمنا أن تراكم خيبات الأمل التي أصابت المواطنين العرب من القائمة المشتركة ومن تفكيك القائمة المشتركة، ومن جدوى العمل البرلماني عموما، وهو ما يصب في خرج تيارات تدعو إلى مقاطعة انتخابات الكنيست، فإن حقيقة وقوف التيارات المشاركة في الانتخابات والتيارات المقاطعة للانتخابات على أرضية سياسية مشتركة وفي إطار هيئات وحدوية مشتركة، ليس أنه يجعل التناقض بينها ثانويا ويضعه في إطار تباين الاجتهادات فقط، بل يفترض به أن يُخرج المصطادين في المياه العكرة والذين ينبشون داخل الصف الوطني، خارجا.

ولعل وضع العلاقة بين "المشاركة" و"المقاطعة"، وبينهما وبين الناس، ضمن هذا الفهم، من شأنه أن يزيل عن الطاولة النزعات الثأرية والانتقامية، وأن يضع الأمور في نصاب المنافسة المشروعة وحق التعبير عن الرأي وحرية الموقف السياسي والعمل السياسي، كما نعلم من التجارب السابقة، أن الناس لا تتخلى عن أحزابها، وهي قادرة على إيجاد الطريقة التي تعبر فيها عن خيبة أملها والحفاظ على أحزابها في الوقت ذاته.

في غضون ذلك، يبقى موضوع المشاركة والمقاطعة موضوع نقاش مفتوح، المنتصر فيه هو الموقف وليس أحد الأطراف، بمعنى انحياز الناس والأحزاب أو غالبيتها لصالح المقاطعة، وليس إسقاط الأحزاب أو أي منها في الانتخابات. 

اقرأ/ي أيضًا | من كفر قاسم إلى "حولا" لماذا يطول عمر السفاحين؟


 

التعليقات