05/04/2019 - 16:14

هل ينشغل أحد منا بالأسئلة الكبرى بعد الانتخابات؟

وأريد أنا أن أخاطر وأقول إنّ هذه آخر انتخابات يشارك فيها التجمع، وإذا دعا هذا الحزب إلى المقاطعة في الانتخابات القادمة، لا أعتقد أن أيَّ حزب يمكن أن يستمر في ممارسة اللعبة البرلمانية في الظروف المتغيّرة جذريًا، إسرائيليًا وفلسطينيًا.

هل ينشغل أحد منا بالأسئلة الكبرى بعد الانتخابات؟

أيّامٌ قليلة فقط تفصلنا عن موعد انتخابات الكنيست. وهي ليست أيامًا كافية أبدًا للانشغال بما ينتظرنا بعدها، إذ بُدّدَ جلُّ الزمن الذي مضى، خاصة بعد اشتداد أزمتنا، كفلسطينيين داخل الخط الأخضر، في الانشغال في قشور الأزمة لصالح التهرب، قصدًا أو عجزًا، من واجب التصدي للأسئلة الكبرى التي تلح علينا منذ زمن، والتي ستصبح ملحة، بل أكثر خطورة، بعد التاسع من نيسان/ أبريل، موعد الانتخابات لبرلمان الأبرتهايد. 

بدأت الأزمة تُعبّر عن نفسها بصورة أشدّ، الآن، ومن مؤشراتها حالة اللامبالاة والاحتجاج والمقاطعة. وهذا، من جهة، يدخل الهلع في أوساط القيادات الحزبية بسبب احتمال عدم تحقيق نتيجة انتخابية مُرضية أو ربما عدم عبور نسبة الحسم. ومن جهة ثانية يُدخل الشعور بالنشوة في أوساط حراك المقاطعة الأيديولوجية، التي يتصوّر ناشطوها، خطأً، أن كل هذا النفور الشعبي يصب أوتوماتيكيًا في نظرتهم. أما المحتجّون واللامبالون، ونسبتهم أكبر بكثير من المقاطعين الأيديولوجيين، سيجدون أنفسهم بلا عنوان أو مرجعية يعودون إليها. فمن يأخذ بأيدي هؤلاء؟ ومن هو المؤهل لقيادتهم وتوجيههم وتوفير أجوبة على أسئلتهم وطموحاتهم؟ 

الحقيقة هي أنَّ أيًا من الطرفين، لا الأحزاب المشاركة في الانتخابات، ولا الجهات المقاطعة أيديولوجيًا، لديه أجوبة على الأسئلة الكبرى. وعندما ستنخفض نسبة التمثيل في الكنيست، بسبب تدمير المشتركة، الذي سبقته إخفاقات كبيرة في أدائها، ولأسباب أخرى بالطبع، ستكون الثقة بالأحزاب قد وصلت إلى الحضيض. ومع أنّني أنحاز إلى التجمع الوطني الديمقراطي، لكونه الحزب الوحيد الذي يملك رؤية وطنية وديمقراطية، تتصل بتنظيم فلسطينيي الـ٤٨ على أساس قومي، وقد قدّم تصورًا مكتوبًا في ذلك (عن كيفية إعادة تأسيس لجنة المتابعة)، ولديه، كذلك، رؤية وطنية بخصوص العلاقة مع المشروع الوطني الفلسطيني، إلا أنّنا عجزنا عن ترجمة هذه الرؤية، لأسباب تتعلق معظمها بميزان القوى داخل المتابعة، حيث واصلت أطراف الاندماج (الجبهة والعربية للتغيير، حركة الشخص الواحد) مقاومتها لمشروع إعادة بناء لجنة المتابعة.

في المقابل، لم يتمكن التجمع من تطوير العلاقة مع المشروع الوطني الفلسطيني حتى الآن، مع أن رؤيته متقدمة عن جميع أحزاب الكنيست العربية؛ وأقصد الانتقال إلى تبني مشروع الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية، مع أن النسبة العظمى من كوادره الشابة حسمت أمرها في هذا الاتجاه التحرري والوطني والديمقراطي. ولذلك فإن هذا الحزب، رغم ما له وما عليه، فهو الحزب الوحيد الذي يحمل في طيات برامجه وتوجهاته مشروعًا وطنيًا تحرريًا في فلسطين التاريخية. 

لكننّي أعتقد أن عودة النقاش، وبصورة أوسع من السابق، بين المقاطعة والمشاركة، هو أمر طبيعي جدًا بل مطلوب في ظروف تغول نظام الاستعمار الكولونيالي، وسقوط كل الأقنعة عن وجهه القبيح. ويفترض أن يكون هذا النقاش مصدر قوة لمجتمعنا، ورافعة للنهوض والتجديد وإعادة الاعتبار إلى السياسة.

المشكلة في الأمر هي أنّ هذا النقاش الهام ينفتح فقط عشية كل انتخابات كنيست، وهي فترة قصيرة لا تسمح بتشكيل البدائل، أو بتحقيق التفاف شعبي حقيقي دائم حول البديل، هناك من يستخف بكل من يطالب بالبديل، ويعتقد أن ممارسة المقاطعة كافية.

ماذا نقصد بالبديل؟

يتمثل البديل في قيادة جديرة ورؤية وطنية مفصلة إستراتيجيًا ومرحليًا تتبنى حملة مكثفة ومستمرة لإقامة برلمان فلسطيني داخل الخط الأخضر، من خلال إعادة بناء لجنة المتابعة، وانتخابها انتخابًا مباشرًا.

لماذا هذا البديل مطلوب؟

لأن الفراغ الذي يمكن أن ينشأ بعد سقوط الخيارات القديمة دون أن يتأسس بديل وطني جديد يهدد إنجازاتنا الوطنية التي حققناها على مدار عقود، وقد يسعى إلى ملء هذا الفراغ المؤسسة الصهيونية وأعوانها ومخاتيرها (العصريّون)، ما معناه، كان يفترض أن تترافق حملة المقاطعين مع حملة تدعو وتعمل على إنشاء برلمان فلسطيني، كبديل عن برلمان الأبرتهايد.

لقد بات واضحًا للكثيرين أن الفلسطينيين داخل الخط الأخضر يحتاجون إلى بديل كهذا. والبديل الجديد لن ينشأ من عدم أو على أنقاض القديم كله، بل يتوجب على الداعين إلى التجديد (أو إلى البديل) الاعتماد على أكثر عناصر القديم إيجابية، أشخاصًا ومؤسسات؛ وليس صحيحًا، لا تاريخيًا ولا سياسيًا ولا عدلًا، القول إن عمل أحزاب الكنيست كان فشلا مطلقًا، كما أنه ليس من الصواب عدم التمييز بين من جرّب اللعبة البرلمانية بمعادلة تتحدى الجوهر الصهيوني للكيان الإسرائيلي، وبين من دخلها، منذ النكبة، بمعادلة تعترف أيديولوجيًا بالدولة اليهودية، وهذا الطرف (الحزب الشيوعي) هو الذي عوّد الناس على المشاركة. وبعد أن ازداد واقع المواطنين العرب تعقيدًا، تحت حكم نظام الأبرتهايد، وجدت قوى وطنية أخرى مثل التقدمية وأبناء البلد (من خلال دورها في تأسيس التجمع)، الحاجة إلى تجربة المشاركة في الكنيست، ليس اعتقادًا بإمكانية تحقيق التحرر من خلال ذلك، بل كأحد روافع العمل السياسي والاقتراب من الناس أكثر. ولكن يدور نقاش، منذ سنوات، ولو بصورة محدودة داخل التجمع بخصوص جدوى الاستمرار في الكنيست.

وأريد أنا أن أخاطر وأقول إنّ هذه آخر انتخابات يشارك فيها التجمع، وإذا دعا هذا الحزب إلى المقاطعة في الانتخابات القادمة، لا أعتقد أن أيَّ حزب يمكن أن يستمر في ممارسة اللعبة البرلمانية في الظروف المتغيّرة جذريًا، إسرائيليًا وفلسطينيًا.

ولكن، طالما خاطر التجمع في خوض هذه الانتخابات، في ظروف تزايد الانفضاض الشعبي عن التصويت، فليس أمامه سوى تحقيق نتيجة مقبولة على الأقل. وهذا الانفضاض، هو في الأساس نزع ثقة من البرلمان الصهيوني، وفي الوقت ذاته تعبير عن رغبة الناس بأداء أفضل من جانب الأحزاب في مواجهة مؤسسة النهب الصهيونية، العدوانية. 

في كل الأحوال، سنكون في حالة مختلفة بعد الانتخابات، وستنتصب أمامنا تحديات أكثر خطورة وسينفتح الباب إمّا على حالة تردٍّ طويلة أو حالة نهوض جديدة. وهذا مرهون، في الأساس، باستعداد الداعين إلى التغيير، سواء كانوا ناشطين أو مراقبين أو منتظرين.

التعليقات