15/04/2019 - 16:01

قراءة في نتائج الانتخابات (2)

يُستدل من نتائج الانتخابات أن نسبة التصويت في المجتمع العربي وصلت إلى 49% أي قرابة 450 ألف صوت (تشمل التصويت للأحزاب الصهيونية) من مجمل أصحاب حق الاقتراع العرب والذي وصل عددهم لأكثر من 900 ألف.

قراءة في نتائج الانتخابات (2)

يُستدل من نتائج الانتخابات أن نسبة التصويت في المجتمع العربي وصلت إلى 49% أي قرابة 450 ألف صوت (تشمل التصويت للأحزاب الصهيونية) من مجمل أصحاب حق الاقتراع العرب والذي وصل عددهم لأكثر من 900 ألف.

وتُظهر النتائج أن القوائم العربية حصلت على ثقة 330 ألف صوت من مجمل المصوتين العرب، بينما التهمت الأحزاب الصهيونية 27% من هذه الأصوات، ما يعادل 130 ألف صوت، وربما أكثر، خصوصا وأن المعطى لا يشمل المدن المختلطة.

انخفاض كبير مقارنة بنسبة التصويت في الانتخابات عام 2015، والتي وصلت لنحو 64% وكانت من أعلى النسب في المجتمع العربي، في تاريخ الانتخابات للكنيست، وحازت القائمة المشتركة وحدها على نحو 450 ألف صوت.

جرت الانتخابات في خضم جدل كبير وصراع ما بين أقطاب المشاركة والمقاطعة والمعاقبة والشيطنة، ليسفر بالتالي عن تراجع التمثيل العربي البرلماني من 13 مقعدا إلى 10 مقاعد.

ساهمت الشيطنة الممثلة في حملة "النفير لليمين" في خفض نسبة التصويت في المجتمع العربي، إذ اعترفت قيادة "الليكود" أن الحملة المخططة مسبقا، وشملت التحريض وشيطنة النواب والمواطنين العرب ونشر أجهزة توثيق وتسجيل في صناديق الاقتراع بالبلدات العربية، كانت بهدف تقوية معسكر اليمين الصهيوني وخفض نسبة التصويت وإسقاط حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وقد نجح "الليكود" في الهدفين الأولين وفشل في الثالث.

وترجم المحتجون على فك القائمة المشتركة والمستاؤون من أزمة التناوب، غضبهم لمعاقبة فعلية للأحزاب العربية، وانقسموا لمجموعتين: غير مشاركين في الانتخابات، ومشاركين صوتوا للأحزاب الصهيونية. وكلّفت المعاقبة القوائم العربية، خسارة ما يقارب 120 ألف صوت، بحساب بسيط مقارنة بالانتخابات السابقة.

وخرجت حركة المقاطعة في هذه الانتخابات وخلافا لسابقاتها، بحملة منظمة وعملية، شملت أنشطة إعلامية وميدانية ودعت لمقاطعة الانتخابات على أساس فكري إيديولوجي، ولاقت رواجا أكثر من انتخابات عام 2015، لربما بفعل قطب المحتجين الذي أراد معاقبة الأحزاب والنواب، وتبادلت اتهامات حادة مع قطب المشاركة، في خضم جدل ونقاش مبدئي سياسي وفلسفي، شرعي ومطلوب.   

وسعت المشاركة إلى رفع نسبة التصويت وزيادة التمثيل العربي في الكنيست، بوسائل شتى وحملات انتخابية دعائية ضعيفة وتقليدية، لم تنجح في ترميم الثقة بين الأحزاب والناس، ولم تنجح في إقناع المستائين واللامباليين بالمشاركة والتصويت للقائمين العربيتين (الجبهة والتغيير وتحالف الموحدة والتجمع)، حتى وصلت لدرجة الاستجداء وسط تحديات الشيطنة والمقاطعة والمعاقبة في مرحلة تتسم بحالة من العزوف السياسي في المجتمع العربي.  

النتائج تؤكد بشكل لا يقبل التأويل أن قطب الشيطنة ونزع الشرعية (معسكر اليمين الصهيوني) المعادي لشعبنا ولهويتنا كان الرابح الوحيد في المعركة الانتخابية، التي دارت بين 4 أقطاب لكسب الصوت العربي، وبالمقابل خسرت الأقطاب المنتمية لشعب واحد وتجمعها هوية فلسطينية وقومية عربية.

أجل فشلت الحركات المشاركة وتلك المقاطعة والمعاقبة، مع تحميل المسؤولية الأكبر للقطبين الأولين، في كسب ثقة 120 ألف ناخب عربي صوتوا للأحزاب الصهيونية، إذ لم تنجح أي منها في حماية هذه الأصوات من الانزلاق، ولم تنجح سنوات في تحفيز أكثر من 100 ألف ناخب غير مبالٍ بالسياسة العامة، ودفعه للمشاركة في الانتخابات أو لتبني فكرة المقاطعة المبدئية، بل ساهمت أكثر في كره الكثيرين وهدم إيمانهم بأهمية الانتخابات وعزوف آخرين عن العمل السياسي، وطبعا فشلت حركتا المشاركة والمقاطعة في كسب ثقة ودعم المحتجين والمستائين، الذين قرروا في هذه الانتخابات عدم المشاركة والتصويت، بل المعاقبة.

ولا بد من التوضيح بأن نسبة التصويت المنخفضة في المجتمع العربي، وتراجع قوة التمثيل البرلماني، ليست مؤشر على مد ثوري وطني يتنامى، والبراهين كثيرة وعديدة، ونتائج الانتخابات واحدة منها، وتكفينا أدلة: نسبة التصويت المرتفعة للأحزاب الصهيونية في بلداتنا العربية، التي تعيدنا لفترة ما بعد أوسلو، والصراعات بين الأقطاب التي فشلت سنوات من إعادة الهيبة للعمل السياسي والحركة الوطنية ولم تنجح في احتواء مئات الآلاف لصفوفها لتحمل مشروعها السياسي الوطني.

استنادا للنتائج وما ذكرت، فإن المسؤولية تقع على كل الأحزاب والحركات السياسية الوطنية، مشاركة كانت أم مقاطعة للانتخابات، ولا مكان لتحميل طرف وحده عبء الفشل، لأن النتائج الخطيرة نتاج مراكمة إخفاقات وتقصير وعمل موسمي ورد فعل وتعظيم نقاش الإنجازات والكراسي والهم اليومي مقابل تقزيم النقاش السياسي والقومي الوطني، وغياب مشروع سياسي جامع.

إن هذا الواقع السياسي الخطير، يستدعي من كل مكونات شعبنا وخاصة الهيئات التمثيلية والأحزاب والحركات، العمل وفق مشروع تحرر وطني يستند لإستراتيجية نضال مهنية وعملية، ترشده بوصلة ثابتة وواضحة، في إطاره يقرر مجتمعنا العربي حينها بشكل توافقي وجماعي إما المشاركة في الانتخابات أو المقاطعة، لأن ترك أبناء مجتمعنا دون بديل يعني تركهم لقمة سائغة للأحزاب الصهيونية وللأسرلة والاندماج، ونتائج الانتخابات الأخيرة خير شاهد.

 

التعليقات