19/04/2019 - 12:12

لم نخسر شيئا في الانتخابات...

"من المسؤول؟" سؤال يطرحه كثيرون حول نتائج الانتخابات وطريقة تصويت العرب!

لم نخسر شيئا في الانتخابات...

"من المسؤول؟" سؤال يطرحه كثيرون حول نتائج الانتخابات وطريقة تصويت العرب!

والمقصود هو هبوط التمثيل العربي في الكنيست.

برأيي أن الأهم بل والمخجل هو اضطرار ناشطي الأحزاب إلى الخروج في مكبرات الصوت لحثّ الناس على الخروج إلى التصويت في الساعات الأخيرة قبيل إغلاق الصناديق، نداءات من طراز "أخرجوا من أجل أبنائكم" و"من أجل وقف هدم البيوت" و"أخرجوا للتصويت لمنع الترحيل" و"أناديكم أشدّ على أياديكم وأبوس الأرض تحت نعالكم"... حيث أن "أبوس نعالكم وأقول أفديكم" للشاعر الكبير المرحوم توفيق زياد، انزاحت عن معناها الأصلي مسافات بعيدة، ومن المؤكد أن الكثيرين ممن يرددونها في المناسبات الوطنية وفي الانتخابات المحلية والقطرية لا يعرفون من هم المقصودون في هذه القصيدة.

قالت لي إحدى النساء "لقد أتيت للتصويت لأن هذا الذي ينادي قطّع قلبي، أشفقت عليه".

عندما يحتاج القائد إلى شفقة الجمهور عليه واستعطافه فعليه أن يقول وداعًا للقيادة وأن يقف جانبًا.  

القضية أكبر وأوسع وأعمق من تحويلها إلى ردح بين هذا أو ذاك من أعضاء الكنيست، أو إلى جدل بين كوادر الأحزاب عن من المسؤول عن تفكيك المشتركة وهبوط التمثيل.

لو خرج العرب إلى التصويت بنسبة ثمانين بالمئة وحصلت القائمتان على أربعة عشر عضوًا أو حتى على خمسة عشر عضوًا، فلن يكون هناك أي تغيير يذكر في الواقع السياسي.  

يجب أن لا نتجاهل أيضا أن نسبة التصويت عند اليهود هبطت عن الدورة السابقة، ونتنياهو أيضا توجّه إلى جمهوره برجاءات وأثار شفقتهم للخروج إلى التصويت وتوسّل معاقل اليمين لإنقاذ الليكود، وهو ما أدى إلى إفشال قائمة اليمين الجديد (بينيت وشاكيد)، حيث توجه مصوتوهم إلى الليكود.

الجميع يتحدث الآن عن جبهة عربية - يهودية واسعة لمواجهة الفاشية، وهذا ما يجب أن يكون.

السؤال عندما نقول جبهة عربية - يهودية ماذا نقصد بهذا وما هي مركباتها، ومن نقصد بالفاشيين؟

مثلا هل أولئك الذين يوافقون على "قانون القومية"، ولكن مع تعديلات طفيفة لصالح من يخدمون في الجيش؟ هل نعتبر أنهم معادون للفاشية؟ وهل هم مستعدون ليكونوا معنا في مواجهة الفاشية أم أنهم جزء منها؟    

هل تتقبل جبهة يهودية - عربية أن تضم إلى صفوفها ممثلين عن التيارين القومي والإسلامي أم أنه خط أحمر ولا يصلح لمواجهة الفاشية؟ وهل يستطيع هذا التيار أن يكون مرنا والوقوف في جبهة واحدة مع حزب ميرتس مثلا دون أن يفقد جوهر فكرة إنشائه؟  

هل ستكون الجبهة ضد الفاشية مؤلفة من كتل برلمانية متفرقة تحت برنامج مرحلي واحد أم أنها تعني الانصهار بين أحزاب وحركات معادية للفاشية؟

أعتقد أن اليسار الإسرائيلي مثل ميرتس سيجد صعوبة كبيرة في تقبل فكرة جبهة واحدة مع التجمع والإسلامية، قد يكون ميرتس قادر على هذا مع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، ولكن كيف ينعكس هذا على ميرتس في المجتمع اليهودي؟ هل سيبقى له مؤيدون، وهل سيكون هناك فصل بين الموقف السياسي وبين الحياة اليومية المدنية كي نستطيع إقامة جبهة مقاومة للفاشية؟  

بالنسبة للتيار القومي والإسلامي عليه أن يثبت نفسه وفاعليته وقدرته على المرونة في التعامل مع الواقع السياسي، ووضع سلم أولويات، وإلا فهو يراوح مكانه، ويبدو أن شعاراته وأيديولوجيته لا تصل الجمهور بصورة واضحة، أو أنها تصل، ولكن الجمهور لا يرى فيها طريقة ناجعة لمواجهة العنصرية والفاشية.

التمسك بالهوية القومية والدينية هو حق للفلسطينيين في وطنهم، وهو ما يميز هذا التيار عن غيره، وهذا جزء لا يتجزأ من مواجهة الفاشية، فمواجهة الفاشية تعني أن أتمسك بحقوقي القومية كأقلية قومية وليس فقط كمواطن "لا يهودي"، أي أن أسعى إلى دولة "كل مواطنيها" دون أن أفقد حقوقي وشخصيتي القومية.  

في هذه الانتخابات لم نخسر شيئًا جوهريًا، بل وأعتقد أن الجمهور كشف جوهرًا مهمّا، وقصد صفع ممثلي القوائم العربية صفعة قال فيها إن الأداء غير مقبول، وإن القائمة المشتركة لم تنجح في بعث الأمل المرتجى لدى هذا الجمهور.

كذلك فإن معظم المرشحين كانوا مجهولين بالنسبة لقطاع واسع من الجمهور.

إضافة إلى هذا يفترض في القيادة التي تطمح إلى قيادة الجماهير أن تمثّل نموذجًا كفاحيًا ليس في الكلام والنشرات والتنظيرات، مثلا في الوقوف أمام جرافات الهدم، والاعتصام داخل البيوت المهددة، وعدم الخروج منها إلا إلى المعتقل.

مثلا نصب خيمة أمام وزارة الداخلية وعدم تركها لا في الصيف ولا الشتاء حتى حل جميع مشاكل المسطحات في القرى والمدن العربية.       

القيادة ليست من تطالب الجمهور، بل من تتقدمه وتقوده للفعل الكفاحي، وتمثل له نموذجًا مستعدًا للتضحية براحته وحرّيته ومصالحه الشخصية لأجل قضية عادلة، بمعنى أن تتقبل الضرب والاعتقال والسجن لمدد طويلة لأجل توصيل رسالة كفاحية للجمهور، أما توزيع البيانات والاكتفاء في الخطب والنشرات، والوقوف في رأس مسيرة مرخّصة، ثم توجيه رجاءات للجمهور بأن يخرج للتصويت لأن الخلاص سيأتي من الكنيست، فهذا لم يعد مقنعًا للجمهور الواسع. 

اقرأ/ي أيضًا | ثقب أسود...

 

التعليقات