22/07/2019 - 15:30

احتمالات المواجهة في الخليج بعد احتجاز الناقلة البريطانية

بصرف النظر عن المبرّرات التي ساقتها إيران لاحتجاز الناقلة "ستينا إمبيرو" التي ترفع علم بريطانيا، فإن من الواضح أنها تأتي ردة فعل على احتجاز حكومة جبل طارق، التي تتبع التاج البريطاني، في 4 تموز/ يوليو 2019، ناقلة "غريس 1" الإيرانية

احتمالات المواجهة في الخليج بعد احتجاز الناقلة البريطانية

(أ ب)

فيما يلي، تقدير موقع لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، حول التطورات في الخليج العربي بعد احتجاز إيران لناقلة نفط بريطانية:


قامت وحدات تابعة للبحرية الإيرانية، في 19 تموز/ يوليو 2019، باعتراض ناقلة نفط ترفع العلم البريطاني في بحر عُمان، وساقتها شمالًا باتجاه ميناء بندر عباس، حيث جرى احتجازها مع أفراد طاقمها. وأعلنت إيران أن السفينة خالفت قوانين الملاحة في المنطقة، وكادت تصطدم بقارب صيد إيراني، ما استدعى تدخلًا منها. في حين نفت بريطانيا أن تكون السفينة خالفت أي قوانين للملاحة في المنطقة، واعتبرت السلوك الإيراني غير قانوني، وطالبت إيران بالإفراج الفوري عنها.

حرب ناقلات؟

بصرف النظر عن المبرّرات التي ساقتها إيران لاحتجاز الناقلة "ستينا إمبيرو" التي ترفع علم بريطانيا، فإن من الواضح أنها تأتي ردة فعل على احتجاز حكومة جبل طارق، التي تتبع التاج البريطاني، في 4 تموز/ يوليو 2019، ناقلة "غريس 1" الإيرانية، في أثناء عبورها المضيق، وهي محملة بمليوني برميل من النفط. تقول بريطانيا إن هذه الناقلة كانت متجهةً إلى سورية، وإن الحكومة البريطانية ملتزمة بفرض عقوبات الاتحاد الأوروبي على النظام السوري، وليس العقوبات الأميركية على إيران. وقد طالبت إيران بإطلاق سراح السفينة، ولكن بريطانيا اشترطت، لتحقيق ذلك، الحصول على تعهداتٍ إيرانية بأن لا تتجه السفينة إلى سورية، وهو أمر ترفض إيران تقديمه حتى الآن. وقد هدّدتها إيران بأنها ستحتجز سفنًا بريطانيةً في الخليج، ما لم تطلق بريطانيا سراح الناقلة الإيرانية. وبالفعل، حاولت إيران مرارًا، خلال الأسبوعين الأخيرين، اعتراض سفن بريطانية واحتجازها في مياه الخليج، وكادت تنجح، في إحدى المرات، لولا تدخل البحرية البريطانية التي تمكّنت من إحباط محاولة زوارق إيرانية اعتراض ناقلة بريطانية، في وقت سابق في تموز/ يوليو 2019، قبل أن تتمكّن إيران أخيرًا من احتجاز السفينة "ستينا إمبيرو". ويبدو أن إيران كانت تفكر في إرغام بريطانيا على إطلاق سفينتها التي تحمل نفطًا قيمته أكثر من مائة مليون دولار، من خلال إجراء مقايضة بين سفينتها والسفينة البريطانية.

ردة فعل طهران على العقوبات

يعد احتجاز السفينة البريطانية الحلقة الأخيرة في سلسلةٍ من الأفعال، وردات الأفعال المتصاعدة، منذ قرّرت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مطلع أيار/ مايو 2019، إلغاء الإعفاءات الممنوحة لثماني دول، كانت تستورد نحو مليون ونصف مليون برميل من النفط الإيراني؛ ما أدى إلى خفض صادرات النفط الإيرانية إلى أقل من أربعمائة ألف برميل يوميًا، وهو عبءٌ ثقيل على إيران؛ إذ إن إيرادات النفط تبلغ نحو 40 بالمئة من إجمالي إيرادات الموازنة العامة الإيرانية. ومنذ ذلك الوقت، فرضت إدارة ترامب عقوباتٍ إضافيةٍ على قطاع التعدين الإيراني (يمثل 10 بالمئة من إجمالي صادرات إيران)، تلتها عقوباتٌ على قطاع البتروكيماويات (تقدر قيمة صادراته بنحو 14 مليار دولار سنويًا)، ثم فرضت أخيرًا عقوباتٍ على قادة إيرانيين، منهم مرشد الثورة علي خامنئي ذاته، في خطوةٍ رمزية أثارت غضب إيران.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ظلت تعزّز وجودها العسكري منذ ذلك الوقت في منطقة الخليج، لردع إيران عن القيام بأي ردة فعل على سياسة العقوبات التي تستهدف خنقها اقتصاديًا، ودفعها إلى العودة إلى طاولة التفاوض، وتقديم تنازلات جديدة بخصوص برنامجيها النووي والصاروخي، ونفوذها الإقليمي، فإن ذلك لم يمنع إيران من القيام بردات أفعال محسوبة على مستويين:

المستوى الأول: التهديد بإغلاق مضيق هرمز، ومنع الآخرين من تصدير نفطهم، إذا ظلت هي غير قادرة على تصدير نفطها. وعلى الرغم من أن طهران نفت مسؤوليتها، فإن واشنطن تتهمها باستهداف أو محاولة استهداف ناقلات نفط في المنطقة، ترجمةً لتهديداتها الآخرين بمنعهم من تصدير نفطهم أيضًا. وقد جرى إعطاب أربع ناقلات نفط قبالة ميناء الفجيرة الإماراتي في 13 أيار/ مايو 2019، ثم استهداف ناقلتين أخريين بألغام بحرية في بحر عُمان بعد ذلك بشهر، وقد بثت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) صور قالت إنها تظهر زورقًا إيرانيًا يحاول إزالة لغم من جسم إحداهما. 

وترى إيران أن احتجاز ناقلتها "غريس 1" في جبل طارق ليست إلا ترجمة لقرارات الرئيس الأميركي، ترامب، منعها من تصدير نفطها كاملًا. وقد حاولت إيران من خلال احتجاز ناقلة النفط البريطانية القول إنها لن تتسامح مع محاولات تصفير صادراتها النفطية، وإن هناك ثمنًا سوف يدفعه من يحاول القيام بذلك، وإنها سوف تمنع تحول احتجاز ناقلتها في جبل طارق إلى سابقةٍ تتكرّر في دول أخرى، بضغط أميركي. علمًا أن السعودية كانت تحتجز ناقلة نفط إيرانية في ميناء جدة، بذريعة أن عليها أن تدفع رسوم رسوٍّ وصيانة في الميناء تقدر بأكثر من عشرة ملايين دولار، دفعتها إيران قبل أن تفرج عنها السعودية التي ساعدت في إنقاذها، عندما تعرّضت لعطل في البحر الأحمر.

المستوى الثاني: يتصل بالتزامات إيران بنود الاتفاق النووي؛ إذ خرقت إيران اثنين منها. يتصل الأول بكميات اليورانيوم المخصب الذي يحق لها الاحتفاظ به بعد تخصيبه بنسبة 3.67 بالمئة، فقد أعلنت إيران وقف عمليات بيع اليورانيوم المخصب والماء الثقيل، والذي لا يجوز لها بموجب الاتفاق أن تحتفظ من اليورانيوم المخصب بأكثر من ثلاثمائة كيلوغرام في أي وقت، وأن لا يزيد ما تمتلكه من الماء الثقيل على 130 طنًّا. كما تقول إيران إنها شرعت في تخصيب اليورانيوم بنسبة 4.5 بالمئة بعد أن كانت النسبة 3.67 بالمئة، وهي التي ينص عليها الاتفاق. 
وفوق ذلك، لا يبدو تصاعد وتيرة استهداف الحوثيين المنشآت الحيوية السعودية، بما فيها المطارات ومنشآت نفطية، بعيدا عن التصعيد الإيراني - الغربي.

ردة الفعل البريطانية على احتجاز الناقلة

في ظل رفضها الحديث عن أي مقايضة مع إيران، باعتبار أن احتجاز بريطانيا السفينة الإيرانية في جبل طارق يعد عملًا قانونيًا، في مقابل وصفها ما قامت به إيران في بحر عُمان بأنه "قرصنة"، هدّدت بريطانيا باتخاذ إجراءاتٍ إذا لم تطلق إيران سراح ناقلتها. ويبدو أن لندن في طور التوجه إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بعد أن وجهت إليه رسالةً تشكو فيها من احتجاز إيران سفينتها، وتفند فيها رواية خرق قوانين الملاحة. ويرجّح، في ظل استمرار الأزمة، أن تفرض بريطانيا عقوباتٍ على إيران، بما فيها تجميد أصول إيرانية. وقد تذهب، في مرحلة تالية، إلى المطالبة بإعادة فرض العقوبات الأممية والأوروبية التي رفعت عن إيران بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015. ولكن هذا الأمر لن يكون سهلًا، إذ يتوقع أن تستخدم روسيا، وربما الصين، حق النقض ضد أي مشروع قرار تتقدّم به بريطانيا في مجلس الأمن بهذا الخصوص. أما أوروبيًا، وعلى الرغم من حصول بريطانيا على تضامن أوروبي في أزمتها مع إيران، وخصوصا من شريكتيها في الاتفاق النووي، فرنسا وألمانيا، فإن إعادة فرض العقوبات الأوروبية على إيران قد تلقى، هي الأخرى، مقاومة في هذه المرحلة، من باريس وبرلين، لأن ذلك يعني فعليًا القضاء على آخر فرص إنقاذ الاتفاق النووي الذي تبذل الدولتان جهدًا كبيرًا للمحافظة عليه.

تحالف "راغبين" لحماية حرية الملاحة

إضافة إلى ما سبق، تتجه بريطانيا التي طلبت من سفنها أن تتجنب دخول مياه الخليج العربي مؤقتًا إلى زيادة وجودها العسكري في المنطقة، ويرجّح أن تأتي هذه الزيادة كجزء من المساعي التي تبذلها واشنطن لإنشاء تحالف دولي لحماية حرية الملاحة في الخليج، ومنع الهجمات على ناقلات النفط فيه. وفي هذا السياق، تتجه واشنطن إلى عقد مؤتمر "وارسو 2"، في المنامة، والذي يتوقع أن يجمع الدول التي شاركت في مؤتمر وارسو في شباط/ فبراير 2019، وقاده حينها وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في عملية حشد دبلوماسي لمواجهة إيران.

ويبدو أن واشنطن تحقق خطوات في هذا المجال؛ إذ أعلنت القيادة المركزية الأميركية أنها "تقوم بتطوير مجهود بحري متعدد الجنسيات"، باسم "الحارس"، لزيادة المراقبة والأمن في المجاري المائية الرئيسة في الشرق الأوسط "بهدف تعزيز الاستقرار البحري، وضمان المرور الآمن، وخفض التوترات في المياه الدولية في جميع أنحاء الخليج العربي ومضيق هرمز ومضيق باب المندب وخليج عُمان". كما أعلنت القيادة المركزية "أن الدول المشاركة سوف تتمكّن من توفير حراسةٍ لسفنها التي ترفع علمها مع الاستفادة من تعاون الدول المشاركة للتنسيق، وتعزيز الوعي بالمجال البحري ومراقبته". وذكرت أن "المسؤولين الأميركيين يواصلون التنسيق مع الحلفاء والشركاء في أوروبا، وآسيا، والشرق الأوسط، حول التفاصيل والقدرات اللازمة لعملية الحارس، لتمكين حرية الملاحة في المنطقة، وحماية ممرات الشحن الحيوية".

لقد استغلت الولايات المتحدة احتجاز الناقلة البريطانية لإعطاء دفعة كبيرة لجهودها الرامية إلى إنشاء تحالف "راغبين" لمواجهة إيران، وتشديد الخناق عليها، وإقناع المتردّدين، وتحييد المعارضين. وكانت الولايات المتحدة تواجه صعوباتٍ في حشد دعم دولي ضد إيران في بداية الأزمة، لأنها الطرف الذي أخلّ بالتزاماته بموجب الاتفاق النووي بانسحابها منه. ومن ثم، يعتبر عديدون أنها المسؤولة في المقام الأول عن هذه الأزمة. أما الآن، وقد راحت إيران تعترض السفن، وتستهدف الناقلات، وتؤثر في سلامة الإمدادات والأسعار، مع ما يعنيه هذا للاقتصاد العالمي، فإن دولا عديدة قد يغير موقفه، لأن أحدًا لا يريد أن يسمح بالاعتداء على حرية الملاحة في المياه الدولية، وخصوصا في المعابر والمضايق الاستراتيجية، بغض النظر عن الدوافع والأسباب، فحتى الصين التي كانت الأقرب دائمًا إلى الموقف الإيراني باتت ترسل إشاراتٍ إلى أنها، وإن كانت ترفض المشاركة في تحالف دولي تقوده واشنطن لحماية حرية الملاحة في الخليج، لن تعترض على قيامه، فالصين تستورد أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفط من منطقة الخليج (44 بالمئة تقريبًا من وارداتها النفطية)، وهي لا تريد أي انقطاع في الإمدادات؛ ما يؤثر على اقتصادها الذي يواجه صعوبات بالفعل، بعد أن انخفضت نسبة نموه إلى نحو 6.4 بالمئة بسبب الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، ومن ثم لا تريد مزيدًا من الاهتزازات.

خاتمة

رفع احتجاز إيران ناقلة النفط البريطانية التوتر في منطقة الخليج إلى مستويات جديدة، خصوصا في ضوء الاستعدادات الأميركية للإعلان عن تحالف دولي لحماية حرية المياه في المنطقة، وتوقعات زيادة كبيرة في مستوى الحضور العسكري الدولي فيها. ومع أنه من الواضح، حتى الآن، أنّ إدارة ترامب لا ترغب في الدخول في مواجهةٍ عسكريةٍ مع إيران، فإن استمرار استهداف ناقلات النفط من جهة، وإصرار الولايات المتحدة وحلفائها على حماية ممرّات الملاحة الدولية، واستمرار تدفق النفط من الخليج من جهة أخرى. وقد يؤدي هذا كله فعلًا إلى حصول مواجهة، وخصوصًا أن إيران لن تقبل أن يتحول منعها من تصدير نفطها إلى أمر واقع، لا تستطيع أن تفعل حياله شيئًا. وما لم يتمكّن الطرفان من فتح مسار دبلوماسي سريعًا للخروج من هذا المأزق، وهو ما تحاول عدة دول القيام به، وكذلك حاول وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، تلمُّسه خلال وجوده في نيويورك الأسبوع الماضي، فان احتمال المواجهة العسكرية يتزايد باضطراد.

 

التعليقات