07/10/2019 - 11:57

لماذا مجد الكروم بالذات؟

سألني أكثر من واحد من معارفي، ومنهم مخرج الأفلام الوثائقية، بلال يوسف ابن دبورية، الذي التقيته أمام مركز الشرطة في مجد الكروم خلال الوقفة الاحتجاجية: لماذا جاءت ردة الفعل على جريمة مجد الكروم بهذه الحدّة؟

لماذا مجد الكروم بالذات؟

سألني أكثر من واحد من معارفي، ومنهم مخرج الأفلام الوثائقية، بلال يوسف ابن دبورية، الذي التقيته أمام مركز الشرطة في مجد الكروم خلال الوقفة الاحتجاجية: لماذا جاءت ردة الفعل على جريمة مجد الكروم بهذه الحدّة؟

فقلت: يبدو أنها كانت الجريمة التي فاضت عن صبر هذا المجتمع.

مجد الكروم عُرفت بسلمية أهلها، وهناك مقولة معروفة في الشاغور تقول إن شرّ مجد الكروم لا تشرق عليه الشمس، أي أن أي مشكلة تقع بين أبنائها، يجري حصرها قبيل شروق الشمس، وإجراء صلح لتعود المياه إلى مجاريها، طبعا مع وجود حالات شاذة قليلة جدًا.

لا يمكن عزل مجد الكروم أو أي قرية أو مدينة عربية أو حي عربي في مدينة مختلطة عن ما يجري في المجتمع العربي عمومًا، فالأسباب والنتائج وطريقة التعامل مع العنف واحدة، فالهدف هو النيل من استقرار المجتمع العربي بصورة منهجية وواضحة للجميع، ونشر الفوضى واليأس تشجيعا لهجرة الشباب العربي الفلسطيني من وطنه.  

خلال الأمسيات التي تقام منذ خمس ليال أمام مركز الشرطة بمجد الكروم، سألت بعض الشبان المشاركين وهم في مقتبل العمر، ما هي باعتقادكم أسباب العنف المستشرية في مجتمعنا؟

كانت إجابات عديدة تلخّص الواقع الذي وصلنا إليه، قال بعضهم: السبب الأول هم أولئك الذين يتاجرون بالسلاح، فهذا مصدر سهل للحصول على المال بالنسبة إليهم، صفقة واحدة يربحون منها الكثير، ولكن المشكلة أن من يربح مئة ألف يريدها أن تصبح مئتي ألف، ومن يربح مئتي ألف يريدها مليونًا، وهكذا، لا يتخلى هؤلاء عن تجارتهم حتى يُلقى القبض عليهم أو أن يصفّوا بعضهم بعضًا نتيجة خلافات فيما بينهم.

قال آخر: الخاوة وتجارة الممنوعات التي يمارسها الفاشلون في حياتهم الشخصية، وهذا نتيجة ضغوط اقتصادية، أي أن بعض هؤلاء عاطل عن العمل، ولا يريد العمل الشريف، فيعمل لدى عصابات الإجرام، تبدأ من حاجتهم البسيطة إلى السّموم والمال، يطلقون النار على ساق أحدهم مقابل عشرة آلاف شيكل، ولكن بعد شهر يُطلب منهم إطلاق نار مرة أخرى وأخرى على سيارة أو متجر أو بيت ولا يستطيعون الفكاك من هذه المهنة الدنيئة، وأخيرًا، ممكن لهم أن يَقتلوا وأن يُقتلوا مقابل المال.

وقال ثالث: عدم وجود ردع أو احتواء مبكر، سواء من أهل البلد أو من الشرطة، بل أن بعض الأهالي يرون السلاح بأيدي أبنائهم ولا يردعونهم، هذا يمنح بعض ضعفاء الشخصية شعورًا بالتميّز وحتى بالبطولة، حيث يصبح بإمكانهم التحدي وبث الذعر في قلوب الناس، وتحقيق مصالح مادية بالتهديد، أما الشرطة فتعرف كل هؤلاء، ولكنها لا تحرّك ساكنا. الجميع يؤكد على أن تقصير الشرطة مقصود لأننا عرب.

وقال رابع: يلجأ بعض الضعفاء ممن ظُلموا وأُكلت حقوقهم إلى هذه الفئة لتحصيل حقّ لهم مقابل المال، أي أن البعض يدفع لهم مقابل تهديد طرف ثالث، وهذا يكون نتيجة يأس وعدم ثقة بقدرة تحصيل الحقوق بالطرق السلمية، قد لا يكون لأصحاب هذه الحقوق إثباتات قانونية يلجأون إليها، أو لأن المال الذي يطالبون به أصلا غير شرعي، فيتوجّهون إلى العالم السُفلي طالبين المساعدة مقابل دفع مبلغ من المال.

لم يغفل أحد من الشبان التربية، فالجميع أكد على مسؤولية البيت أولا، وأنه علينا أن نعترف بأن التسيّب يبدأ من سن مبكرة.

هناك من لم ينس موقف بعض الأهالي الذين يصطفون إلى جانب أبنائهم ضد معلمي المدارس، حيث أن ضعف دور المعلم في التربية أدى إلى التسيّب المبكر، ومن ثم إلى انتشار العنف وعدم الانضباط، فالمعلم يقضي مع الأبناء وقتا أكثر مما يقضيه ذووهم معهم، وفي الواقع هم المربي والمهذِّب إلى جانب الأسرة، ولكن للأسف  جرى تهميش دور المدرسة في التربية، واقتُصِر دورُها على تحصيل العلامات، علما أن الطالب يقضي في المدرسة أكثر مما يقضيه في البيت إذا ما خصمنا ساعات النوم، ولهذا يجب أن نعيد للمدرسة والمعلمين دورهم التربوي، وأن نكون متعاونين معهم.           

لم ينس الشبان والشابات الذين حاورتهم دور السلطة المحلية وحمّلوها مسؤولية كبيرة، خصوصا تلك التي تترك محلات الأراجيل والمقاهي مفتوحة حتى ساعات الفجر دون رقابة، هذه يجب أن تغلق في الثانية عشرة على أكثر تقدير وذلك بقانون مساعد من البلدية أو المجلس المحلي.  

كذلك نحن نتحمّل مسؤولية، عندما نرى بعض الشبان ينشرون صورًا تمجّد العنف وإطلاق النار دون أن نردعهم، بل أن البعض يشجّعهم، خصوصًا في الفترة الانتخابية المحلية، حتى تحوّل إطلاق النار إلى أمر غير مستنكر.

وعن دور القيادات العربية القطرية، هناك إجماع بوجود تقصير، وعلى القيادة أن تبدع بأساليب جديدة لإرغام السلطة على التعامل بجدية مع قضية العنف والجريمة، كذلك هناك إجماع بأننا يجب أن نقف وراء هذه القيادة في قراراتها، وأن لا نجعل من انتقادها أكثر همّنا، ويبدو أن جريمة مجد الكروم النكراء، قد تشكّل نقطة تحوّل في محاربة الجريمة إذا ما جرى استثمار الغضب الكبير الكامن في صدور الناس نتيجة الأوضاع التي وصلناها.

 

التعليقات