14/10/2019 - 21:04

محزن أمر إخوتنا الأكراد...

طبيعي جدًا أن يتعاطف أبناء الشعب الفلسطيني مع أبناء الشعب الكردي، وذلك لتشابه الظلم التاريخي الذي وقع على الشعبين، فكلاهما لم يحقق طموحاته في الاستقلال، وكلاهما ما زال يدفع ثمن الصراعات الإقليمية والدولية ولا يرى في الأفق سوى المزيد من

محزن أمر إخوتنا الأكراد...

طبيعي جدًا أن يتعاطف أبناء الشعب الفلسطيني مع أبناء الشعب الكردي، وذلك لتشابه الظلم التاريخي الذي وقع على الشعبين، فكلاهما لم يحقق طموحاته في الاستقلال، وكلاهما ما زال يدفع ثمن الصراعات الإقليمية والدولية ولا يرى في الأفق سوى المزيد من المآسي والآلام، وكلا الشعبين جرى تقسيمهما إلى مناطق جغرافية مختلفة.

كانت كردستان كلها ضمن الخلافة العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وتبلغ مساحتها 410 آلاف كيلومتر مربع، منها 194 ألف كيلومتر مربع في تركيا، و39 ألف كيلومتر في شمال سورية، معظمها في محافظة الحسكة ومدنها الرئيسية مثل رأس العين، والدرباسية، وديريك، والقامشلي، وغيرها.

قسّم اتفاق سايكس بيكو، كردستان، ولم يمنح الشعب الكردي دولة أو وحدة سياسية، هذه السياسة الخبيثة جعلت من الكرد أقليات قومية في عدة دول، وأبقت قضيتهم هدفا للاستغلال حتى يومنا هذا.

يصل عدد الأكراد حسب المصادر الكردية إلى أكثر من أربعين مليون نسمة، يعيش نصفهم في تركيا، وفي إيران 10 مليون، وفي العراق 7 مليون، وفي سورية 3 ملايين، كذلك يعيش بضع مئات من الآلاف في أرمينيا وأذربيجان وغيرها، ويوجد نصف مليون منهم في ألمانيا.

المناطق الكردية غنية في المياه والأراضي الخصبة، والمناخات المختلفة، وحقول النفط التي يدور حولها صراع معلن وخفيّ بين حقبة وأخرى.

جرت محاولات لتأسيس كيان كردي منذ مئة عام، ولكنها  فشلت، ووُصِفت كردستان حسب المؤرخ التركي إسماعيل بيشجكي، بأنها مستعمرة عالمية، واستُخدم الأكراد كورقة ضغط ومساومة بين القوى الإقليمية والدولية بما في ذلك إسرائيل.

منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي بَنَت إسرائيل علاقات مع الأكراد في شمال العراق، وفي الستينيات بدأت تسلّحهم وتدرّبهم، وساعدتهم بإنشاء  قوات مسلحة بقيادة زعيمهم مصطفى البرزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، والذي أقام احتفالا ذبح فيه عشرات الخراف بمناسبة هزيمة العرب عام 1967 وزار إسرائيل أكثر من مرة.

اخترقت إسرائيل كردستان العراق عن طريق إيران في زمن حكم الشاه الذي سهّل لهم المهمة، وكان الهدف تأسيس قوات كردية لإشغال العراق ومنعه من دعم الجبهة الشرقية السورية الأردنية، وقد تسبّبت المواجهات مع الجيش العراقي على مجار عقود إلى سقوط آلاف الضحايا.

خلال حرب تشرين عام 1973 بين إسرائيل والعرب، حاولت قوات كردية إشغال العراق ومنعه من دعم القوات السورية في الجولان، إلا أن الاتحاد السوفييتي الداعم لسورية والعراق في حينه حرك جزءا من قواته على الحدود الإيرانية، الأمر الذي منع الأكراد من العمل لصالح إسرائيل.

عندما تتوتر العلاقة بين الدول التي يعيش فيها الأكراد  فإن هذه الدول تطلق يد المسلحين منهم للعمل من أراضيها لإشغال الطرف الآخر والضغط عليه والحصول على مكاسب مقابل لجم هجمات الأكراد، وعندما تُعقد صفقة أو اتفاقية بين هذه الدول فإن أول من يدفع الثمن هم الأكراد، ويتخلى الجميع عنهم.

تلوّح إسرائيل بدعم الأكراد بالسلاح وإقامة مستشفى ميداني في شمال سورية وهذا ليس جديدا، فقد أقامت مستشفى كهذا خلال فترة حكم صدام حسين وصراعه مع الأكراد.  

تستغل إسرائيل قضية الأكراد وتشجّعهم على مواجهة  الأتراك، وهي تريد بهذا الضغط الانتقام من مواقف تركيا المناوئة لإسرائيل بما يتعلق بالقضية الفلسطينية في المحافل الدولية.

تأسست قوات "قسد"، أو سورية الديمقراطية خلال الحرب الأهلية في العام 2015 معظمها من الأكراد، ولكن فيها أيضا نسبة من العرب المعارضين للنظام السوري من القبائل، واللواء التاسع عشر المنشق عن الجيش السوري، وفيها 5000 امرأة من الكرديات المقاتلات.

أُقيمت "قسد" تحت شعار حماية المنطقة من داعش وغيرها من "تنظيمات إرهابية"، وأقامت إدارة ذاتية للمنطقة، تبنّتها أميركا وسلّحتها بعتاد ثقيل، معتبرة أن هؤلاء جماعتها على الأرض السورية، إلا أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تخلى عن قسَد أمام مصالحه مع تركيا عضو الناتو القوي، وقد يهدف من نفض يده توريط تركيا في محاربة قسد، وحتى اصطدامها مع جيش النظام السوري.

في اليومين الأخيرين دعت قيادة قسد، القوات السورية الحكومية إلى دخول المناطق التي تسيطر عليها لحراسة الحدود كما تقول، وعمليا  فإن قوات قسد، على علاقة تفاهم مع النظام السوري، ولم تصطدم معه من قبل.  

مشكلة تركيا أن جموع النازحين السوريين اتجهت وتتجه إلى داخل تركيا، وهذا يحتاج تكاليف مالية كبيرة لرعايتهم، ولم تف الدول التي وعدت تركيا بالمساعدة بالتزامتها وعلى رأسها أميركا، كذلك فإن جامعة الدول العربية لم تقدم شيئا للاجئين.

الحكومة التركية طالبت منذ بداية الحرب السورية بإنشاء منطقة آمنة بين  الحدود التركية والسورية تكون منزوعة السلاح ويمنع تحليق الطيران فوقها، كي تكون ملجأ للمدنيين السوريين بدعم دولي، ولكن لم تستجب لطلبها أي دولة، الأمر الذي فاقم أزمة اللاجئين وحولها إلى عبء كبير على الاقتصاد التركي.

يقوم الجيش التركي بمشاركة الجيش السوري الحر وفصائل من المعارضة السورية، بعمليات عسكرية في المنطقة الحدودية  لإقامة منطقة آمنة وإعادة اللاجئين والنازحين نتيجة الحرب إليها.

الهدف التركي يتناقض مع مصالح النظام السوري الذي يريد تحويل اللاجئين إلى عبء على تركيا لإنهاكها بسبب دعمها للمعارضة، وأما نظام ترامب فيطبّق نظريته بأن يقوم كل بلد بحراسة نفسه من ماله وسلاحه ورجاله، وفي إسرائيل يرون أن من مصلحتهم استمرار الحرب على الأرض السورية، وتوريط أكثر ما يمكن من الدول والطوائف والفرق والشيع والأجناس فيها، من منطلق إنهاك الجميع، لتبقى هي القوية المهيمنة.

من المحزن أنه في أي اتفاق مستقبلي بين القوى المتصارعة لا يوجد أفق لحل قضية الأكراد، ويجعلها بجدارة توأما للقضية الفلسطينية بخيباتها الكثيرة، وهذا يقول إن قيادتهم فشلت على مدار عقود في توصيلهم إلى شاطئ الأمان.

اقرأ/ي أيضًا | المثالية عدوٌ خطير...                

التعليقات