22/11/2019 - 13:55

ألم تعرفوا مسبقا "أنهم يخجلون من ذكر اسمنا"؟

في حالتنا هذه، فإن التضليل يجري بوعي وإدراك، ومع علم مسبق بأن هؤلاء الجنرالات "يخجلون من ذكر اسمنا"، على حد قول عودة بشارات نفسه.

ألم تعرفوا مسبقا

لا بد أن تكون الخيبة على قدر التوقعات، والزعل على قدر المحبة، وأن يغرق الذين طفوا وأرادوا تطويف جماهيرنا معهم على حفنة ماء، أن يغرقوا اليوم هم في حفنة ماء، وللمياه استخدام لغوي آخر في تراثنا الشعبي، قد يتناسب أكثر لما فعله الجنرال غانتس بالقيادة النافذة في القائمة المشتركة ولفيفها من كتاب وصحافيين وأكاديميين، صارعوا على مدى الأسابيع الماضية من أجل دعم حكومة ضيقة برئاسته.

أحد خائبي الأمل أولئك، وأحد عرابي فكرة دعم حكومة ضيقة برئاسة غانتس، هو الكاتب عودة بشارات، الذي كرس خلال الأسابيع الماضية مقاله الأسبوعي في صحيفة "هآرتس" للترويج لمثل هذه الحكومة، وانتقاد منتقدي التوصية على غانتس ومعارضي فكرة دعم حكومة برئاسته من قبل أعضاء القائمة المشتركة.

بشارات استنتج بعد فوات الأوان، أنه "يتكئ على حائط مائل"، إزاء صمت غانتس على تحريض نتنياهو الدموي على أعضاء الكنيست من القائمة المشتركة، والذي مر على حد وصفه "دون أي استنكار من قبل شركاء المستقبل في كاحول لافان، الذين تحول مرشحهم بفضل المشتركة إلى مرشح يؤخذ بالاعتبار لرئاسة الحكومة".

وفي محاولة لحفظ ماء وجهه بعد أن تأكد نهائيًا أن فكرة الحكومة الضيقة المدعومة من أعضاء الكنيست العرب، غير واردة في حسابات حزب الجنرالات، وإن بدا كالثعلب الذي وصف العنب بالحصرم بعد أن فشل في الوصول إليه، يكتب بشارات قبل يومين من انتهاء المهلة المعطاة لغانتس لتشكيل الحكومة، إن "وقاحة رجالات كاحول لافان بلغت أنهم يضعون أعضاء الكنيست الـ13 من القائمة المشتركة في جيبهم الصغير، ويذهبون لمفاوضة الليكود ويتناقشون دون إقامة أدنى اعتبار لأصوات من هم في جيبهم".

طبعًا، هو لا يذكر من الذي وضع أصوات أعضاء المشتركة الـ13 في "جيب كاحول لافان"، وكيف دافع هو وقيادة المشتركة ولفيفها عن هذا الخيار، وهاجموا وتطاولوا على كل من حاول الاستئناف عليه، ولم يقتصر هذا الهجوم وذاك التطاول على نواب التجمع الوطني الديمقراطي الذين رفضوا التوصية على الجنرال غانتس، بل شمل حتى بعض أعضاء الكنيست من الجبهة الديمقراطية ممن تحفظوا على دعم حكومة برئاسة غانتس مدعومة من قبل ليبرمان.

وفي هذا السياق، نستحضر ما كتبه الصحافي وديع عواودة في "ساحة هآرتس" ساخرًا من موقف هؤلاء، بقوله "هل موقف الجبهة وأعضاء الكنيست توما سليمان وكاسيف كان ليتغير بشأن حكومة ضيقة مدعومة من ليبرمان، لو لم يعتبر الأخير القائمة المشتركة طابورًا خامسًا؟ وهل هناك فرق جوهري بين الواقع الراهن وبين الواقع الذي قاد الجبهة برئاسة توفيق زياد لدعم حكومة رابين".

ويذهب عواودة إلى حد اعتبار عدم دعم حكومة برئاسة غانتس ومشاركة ليبرمان، بمثابة خرق لتعهد المشتركة لناخبيها، ويدعو إلى التعامل مع ما يسميها بفرصة تشكيل حكومة ضيقة حتى لو كانت بمشاركة ليبرمان، وحتى لو كانت مناورة للضغط على الليكود بمنتهى الجدية... في ضوء التحديات التي يضعها المجتمع العربي أمام نوابه وتوقعاته منهم.

وبين عواودة وعودة، وبين التوقعات والمطالب العملية، يعترف الأخير في فورة غضب بأن "مطالب القائمة المشتركة لدعم حكومة برئاسة غانتس هي بغالبيتها مطالب مدنية إلى جانب مطلب عام يتعلق بالعملية السياسية"، وأنها "مطالب تستطيع غالبة الأحزاب (الإسرائيلية) العيش معها بسلام"، وهذا صحيح، ويضيف عودة بشارات، علمًا أنه في وضعية "كاحول لافان" الحالية لا يمكن الحديث عن عملية سياسية، وفوق ذلك يمكن أن نخمن بأن عدد القتلى الذين سقطوا في غزة كان ليكون أعلى في حكومة برئاسة غانتس بسبب صقور "كاحول لافان" وبسبب مزايدات اليمين، كما كتب بشارات، وهذا صحيح أيضًا.

ويذهب بشارات إلى أبعد من ذلك، بل إلى أبعد من تصور المعارضين لدعم حكومة ضيقة برئاسة غانتس، عندما يقول "إن خروج العرب من جيب غانتس ولعبة المعسكرات الإسرائيلية، ورغم أنه يعيد نتنياهو للحكم، إلا أنه سيجلب للعرب مكاسب أكثر في مختلف المجالات"، ويواصل وإن بتهكم هذه المرة، إنه  "إذا ما وعدت المشتركة نتنياهو بمعارضة رفع حصانته في ’يوم الحساب’ القريب، فإن جميع طلبات العرب سيتم تلبيتها بما فيها إلغاء قانون القومية، الذي كان بعض أعضاء كاحول لافان من المبادرين إليه".

من جهتنا، ومع تفهمنا للضائقة التي يمر بها هؤلاء الذين وضعوا بيضاتهم في سلة غانتس، إلا أننا نعرف أيضًا أن الحقائق عادةً ما تكشف في ساعة طفر، ويمكن اختبار صدقها بمدى إقناعها واستنادها إلى مسوغات واقعية. وبناء عليه نتساءل، إذا كان هذا الكلام صحيحًا، فلماذا روجتم وهللتم لهؤلاء، وباختصار ضللتم جماهيرنا كل تلك الفترة؟ لقد قال السابقون في سياق سياسي مختلف لقد "ضللنا وضُللنا"، وتمنوا أن تغفر الأولى للثانية، ولكن في حالتنا هذه، فإن التضليل يجري بوعي وإدراك، ومع علم مسبق بأن هؤلاء الجنرالات "يخجلون من ذكر اسمنا"، على حد قول عودة بشارات نفسه.

التعليقات