02/12/2019 - 15:44

لا تنسوا علاقتنا بنباتات وطننا!

معظمنا لا يعرف أسماء النباتات التي يعجب من جمالها في جبال وسهول بلادنا، فعملية التجهيل تشمل أيضًا تسمية النباتات.

لا تنسوا علاقتنا بنباتات وطننا!

بادر بعض الأخوة إلى مشروع جميل أطلقوا عليه "مبادرة وطن"، وذلك لزيارات ومسارات بهدف التعرّف على الوطن. عرفت منهم الأخوة قاسم بكري ومحاسن قيس وأحلام بهنسي ومصطفى مواسي وثائر تيتي ومصطفى كيال وغيرهم.

كانت أولى الزيارات إلى قرية لوبية، وبسبب ظرف خاص لم أستطع المشاركة، إلا أنني سبق وزرتها أكثر من مرّة وبمرافقة المرشد اللّوباني نايف حجّو، وهي جولة مُثرية جدًا، أنصح من لم يفعل حتى الآن بأن يفعل.  

مثل هذه الجولات القيّمة ليست جديدة ويجب تشجيعها مع مرشدين أكفاء ملتزمين بالموضوعية، فهناك مبادرات كثيرة سابقة مشابهة، إلا أن هناك بعض المرشدين العرب الذين يضرّون ويشوّهون التاريخ والحقائق، ويروون رواية السُّلطة، بحنجرة عربية.

شاركت مرة في رحلة كهذه، كنا كلنا من العرب، كذلك المرشد، وإذ به يشرح لنا أسماء المواقع والقصص والأساطير المطابقة للرواية الصهيونية، التي تنفي وجود شعب في هذه البلاد قبل قيام دولة إسرائيل.

من تجربتي لاحظت أن معظم طلاب المدارس، بل وحتى طلاب جامعات من العرب، يظنون بأن التسميات الصحيحة للمواقع والأرض هي العبرية في الأصل، ومثال ذلك كلمة (كفار بالعبرية)، أي كَفْر، ويظنون أننا نحن العرب نحرّف الكلمة فنقول كفر ياسيف أو كفر مندا وكفر قاسم وغيرها ذات الأصل العبري كفار، أو لوبية التي تعني "لافي" - لبؤة.             

يغيب أو تُغيّبُ الحقيقة بأن اللغات السّامية من أصل واحد هي السامية الأفرو - آسيوية، لغة سام بن نوح ، وأكثرها انتشارًا هي العربية، ثم تأتي الأمهرية والعبرية والآرامية والتوغرية، وعشرات اللهجات المتفرعة عنها.

الكُفر عند العرب مصدره التكفير، والكافر هو الفلاح، وجاء في القرآن الكريم" كمثل غيث أعجب الكفّارَ نباتُه"، أي أعجب الفلاحين.

وعملية التكفير هي التغطية على شيء ما أو ستره، فالزارع عندما يزرع شتلة ما أو جذرًا مثل حبة البطاطا يدفنها ويغطيها، وهو ما يُطلق عليه الفلاحون عملية التكفير، كذلك من غطّى جسَده بالسلاح فهو كافر، وهكذا أطلقوا على من غطّت قلبَه غشاوةٌ كافر، أي أن قلبه مغطى عن الإيمان وما جاء به الأنبياء والرسل.

من هنا نجد أن كفارة الصيام في رمضان هي إطعام مساكين، وهي تغطية على التقصير، وهكذا في العبرية يوم الغفران هو في الحقيقة يوم التكفير عن الذنوب (كيبور)، ويقول اليهود المغاربة تحبّبا لبعضهم البعض (كبارا شيلي)، أي كفارتي من ذنوبي.

كذلك هي قريبة من كلمة قبر، حيث يُدفن ويغطى جسد الميت، واجتهادًا مني أقول إنها تشبه cover ، كذلك التي تعني غطاء بالإنكليزية.       

من هنا فإن كفر ياسيف تعني فلاحي ياسيف وفلاحي مندا وفلاحي كفر قاسم وغيرها، وفي مصر كفر الشيخ وكفر الدهب وكفر عوض وكفر حانوت وغيرها.     

حدثني صديق كاتب من الضفة الغربية قبل أسبوعين عبر نافذة "فيسبوك"، وسألني إذا ما كانت "المجدّرة" طبخة إسرائيلية، لأنه سمع رجلا وامرأة يهوديين يتحدثان عن المُجدّرة، فقلت، هي أشهر الطبخات الفلسطينية ولكنها دخلت مرحلة التهويد مثل الفلافل والحمّص وغيرها، وأخذت اسمها مُجدّرة من لونها الأجدَر، مثل الأفعى الجدراء (بلا مؤاخذة)، أو لأن حبَّ العدس فيها على البرغل يشبه الجَدَر، وهو الحبُّ المنتفخ على البشرة، مثل الجدَري.

تهتم السلطات الإسرائيلية جدًا في تسمية النباتات العبرية، وهذا يشمل الجولات في أحضان الطبيعة في مرحلة التي تسبق الجندية (الجدناع)، بهدف تأكيد الانتماء والعلاقة مع الأرض.

معظمنا لا يعرف أسماء النباتات التي يعجب من جمالها في جبال وسهول بلادنا، فعملية التجهيل تشمل أيضًا تسمية النباتات.

ركّز شعبنا ومثقفونا على بضع نباتات يتصدرها الزعتر والميرمية والتين والزيتون والصبّار وشقائق النعمان وعصار الراعي والنرجس، ولكن المعظم نسي وتجاهل مئات النباتات، خصوصًا بعد أن تراجع الريف وامتد البنيان وصار الأطفال يقضون أوقاتهم إما داخل الحضانات أو في البيوت بين يدي الهاتف، أو في المراكز التجارية وألعاب النفخ، ومعظم هؤلاء وذويهم لا يعرفون من أسماء النباتات سوى القليل، عادة هو ما يؤكل مثل الخبّيزة والزعتر والفطر، ويجهلون معظمها.

الأستاذ شكري عرّاف، بادر وأسهم في "موسوعة نباتات بلادنا" من جزأين، في كل واحدة أسماء أكثر من ستين من النباتات مع صورها وأسمائها بالعربية والاسم العلمي لكل منها.

كذلك ممكن أن نجد في موقع مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، صفحاتٍ خاصة بالنباتات الفلسطينية، تشمل أسماء حوالي 120 نبتة مع اسمها العربي وصورتها، من المفضل الاطلاع عليها قبل الخروج في رحلة بأحضان الطبيعة، كي تكون الرحلة أكثر تشويقًا وفائدة.

إنها مبادرة جميلة للتعرف على الوطن وستكون الجولة القادمة منها في قرية الدامون المهجّرة في الثامن والعشرين من شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري، ومن المهم جدًا أن يشمل هذا إرشادًا بأسماء النباتات كما سمّاها أجدادنا، والتي تجعل من وطننا جنة الله على الأرض، فهذا لا يقل أهمية عن أسماء البلدان والعائلات التي عاشت أو ما زالت تنبت في ترابها.

التعليقات