18/12/2019 - 08:59

ماذا وراء تصدير السلاح الإسرائيلي؟

إن وصف إسرائيل "دولة عظمى في مجال التصدير الأمني" تعريف واسع جداً، يشمل السلاح والعتاد الأمني والخبرات، مثل العقائد القتالية أو تدريب قوات ومليشيات...

ماذا وراء تصدير السلاح الإسرائيلي؟

في كل مرةٍ توقع إسرائيل صفقات أمنية، يُفتح ملف تصديرها الأسلحة إلى أصقاع العالم، سيما إلى الأنظمة الدكتاتورية. وتمثل جديد هذه الصفقات في توقيع أول اتفاق بينها وبين جمهورية الجبل الأسود (مونتينيغرو) في تل أبيب هذا الأسبوع، لبيع منظومة أسلحة يتم التحكّم فيها عن بُعد من إنتاج شركة "إلبيت" الأمنية الإسرائيلية إلى جيش هذه الأخيرة بنحو 35 مليون دولار.

ولا تزال المحاولات التي يقوم بها بعض نشطاء حقوق الإنسان لإشهار حجم صادرات إسرائيل العسكرية، من الأسلحة والمعدات "الأمنية" على مختلف أنواعها، يصطدم بجدار تعتيم حديديّ. ومن المتوقع تحت وطأته أن يظل عرضةً للحجب والإنكار تحت طبقات سميكة من التكتم والسريّة. وترجع آخر محاولة كهذه إلى بدايات عام 2017، حين قُدّم إلى المحكمة الإسرائيلية العليا طلب التماسٍ لإصدار أمر قضائي إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية، يلزمها بوقف بيع السلاح إلى الطغمة العسكرية الحاكمة في بورما، وتفسير أسباب عدم توقفها عن إصدار التصاريح لتجارة السلاح وتصدير الأسلحة الإسرائيلية إلى هذه الطغمة، خصوصاً إثر الأنباء المتواترة عن ارتكابها جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية بحق الأقليات الإثنية والدينية فيها، وخصوصاً المسلمين.

آنذاك رفضت الحكومة الإسرائيلية تقديم أي معلومات إلى المحكمة العليا بشأن حجم صادراتها العسكرية، وادّعت أن هذه المحكمة لا تملك صلاحية ممارسة الرقابة على تصدير الأسلحة من إسرائيل، والذي لا يجري إلا بموافقة وتصديق من وزارة الدفاع، بصرف النظر عن الجرائم التي يتم ارتكابها باستخدام تلك الأسلحة. وبرّرت الحكومة رفضها هذا بالقول إن الحديث يجري هنا حول "شؤون سياسية خالصة"!

بموازاة مناقشة طلب الالتماس المذكور، نُشرت على استحياء تقارير كشفت النقاب عن قيام زعيم الطغمة العسكرية في بورما بزيارة سرية إلى إسرائيل على رأس وفد كبير، التقى خلالها رئيس الدولة ورئيس هيئة أركان الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية المختلفة، وزار قواعد عسكرية تابعة لسلاحَي الجو والبحرية، وجال في مراكز ومجمعات للصناعات الحربية الإسرائيلية. وعلى الرغم من تكتم إسرائيل الرسمية على الزيارة وبرامجها، فإن المعلومات والصور التي نشرها أعضاء ذلك الوفد في حساباتهم على "فيسبوك" كشفت عنها وعن غايتها.

ثمّة مسألتان يتعين الالتفات إليهما في هذا الشأن: الأولى، أن إسرائيل تدّعي أنها تستقطب مستوردي أسلحتها وصناعاتها الأمنية من شتى أنحاء العالم بسبب تميّزها في هذا الحقل، بينما يؤكد المحامي إيتاي ماك، الخبير في حقوق الإنسان والناشط من أجل زيادة الشفافية والإشراف العام على التصدير الأمني الإسرائيلي، أن المُنتج الحقيقي الذي تبيعه إسرائيل ضمن صادراتها الأمنية هو افتقادها أي قيودٍ والتزامها عدم طرح أي أسئلة أو معضلات أخلاقية.

ووفقاً لما يقول، فإن وصف إسرائيل "دولة عظمى في مجال التصدير الأمني" تعريف واسع جداً، يشمل السلاح والعتاد الأمني والخبرات، مثل العقائد القتالية أو تدريب قوات ومليشيات. وهو يشير إلى أن التصدير الأمني أمر مقبول، وجميع الدول تفعله، لكن المشكلة أن إسرائيل تقوم به في أماكن كثيرة قرّرت الولايات المتحدة وأوروبا منذ فترة أن تمتنع عن التصدير الأمني إليها، على غرار أذربيجان وجنوب السودان ورواندا والكاميرون وتوغو وغينيا الاستوائية. وخلافاً لمعظم الدول، لا تتقيد إسرائيل بقرارات ومعاهدات دولية تمنع تصدير الأسلحة والخبرات الأمنية لأنظمةٍ يحظر التعاون معها وتفرض عليها عقوبات.

المسألة الثانية، في كل ما يرتبط بتصدير السلاح، اتبعت حكومات إسرائيل المتعاقبة سياسة واحدة، تتمثل بشراء مؤيدين لها من طريق السلاح. وبدأت هذه السياسة في مرحلة "حكومات اليسار"، ففي فترة ولاية يتسحاق رابين، مثلاً كانت إسرائيل ضالعة في تشيلي والأرجنتين، وكذلك في رواندا والبوسنة والهرسك، وهي أماكن ارتُكبت فيها جرائم رهيبة ضد المدنيين، ناهيك عن أن جميع الذين عملوا في هذا المجال هم جنرالات كبار ينتمون تاريخياً إلى "المباي"، الحزب الذي أسس دولة الاحتلال وحكمها حتى عام 1977 ومنه انبثق حزب العمل.

التعليقات