30/12/2019 - 17:35

جرّافة وشهادة محاماة..

لا تقل ولا تقولي ولا مرة إن الوقت صار متأخرًا، في كل مرحلة من العمر، ممكن أن تسعى لتحقق ذاتك وأن تُنجز، اطلب العلم من المهد إلى اللحد، ليس لأجل الحصول على مهنة تعمل وتعتاش منها فقط، فهذا مهم جدًا،

جرّافة وشهادة محاماة..

المشهد الذي شاهده مئات الآلاف على شبكات التواصل والمواقع في إحدى قرانا يوم أمس، محزن أكثر مما هو مثير للغضب. 

أقصد مشهد الجرافة التي رفعت بشفرتِها سيارةً خصوصية من المكان الذي وقفت فيه، واندلاع مشادة عنيفة، واعتقال ثلاثة مشبوهين وذلك نتيجة خلاف على موقف للسيارة.

صحيح أن هذا العمل لا يمثل أهل القرية المعروفة بوطنية أهلها وبكثرة خرّيجها من المعاهد التعليمية العليا وباجتهادهم كمقاولين وعمّال وحرفيين في شتى المهن. إلا أن ما حدث هو إشارة تحذير إلى مجتمعنا ككل، ويطرح السؤال بحدة؟ إلى أين نحن ماضون؟

الخلاف على موقف سيارة، صار يتكرر حتى بين أقرب الناس إلى بعضهم، هذه الظاهرة، هي واحدة من تجليات أزمتنا الأخلاقية أولا، ثم أزمتنا العامة في مجال السّكن والبناء والتنظيم حيث يفترض أن يكون موقف السيارة جزءًا من عملية التنظيم والبناء.

يجب أن تتدخل البلديات بشكل فاعل في كل بلدة، حيث توجد خلافات من هذا النوع، لحسم قضايا مواقف السيارات بين الجيران قبل تفاقمها، وتحديد المكان المخصص لسيارة أو سيارات هذا البيت أو ذاك، وذلك من خلال عمل مسح هندسي، كي يعرف كل مواطن ما له وما عليه وما هي حدوده.

قد تكون العملية صعبة، ولكنها ليست مستحيلة وتبقى أفضل من تطور بعض هذه الحالات إلى صدام قد يندم لنتيجته الجميع.           

الأمل

الصور المُشرّفة في مجتمعنا كثيرة، الكثيرون والكثيرات الذين يُنجزون في جميع مجالات الحياة، التهاني والأمنيات الكثيرة بمناسبة التخرّج والحصول على شهادات وتخصّصات في العلوم والفنون والرياضة والآداب وغيرها.

المهرجانات كثيرة، آخرها كان مهرجانا للملاكمة في القاعة الرياضية في مجد الكروم قبل أيام قليلة باشتراك عشرات الرياضيين ومئات المشاهدين.

نوادي القراءة المنتشرة والتي تتزايد في كل مكان ومكان، الإصرار على أننا مجتمع حضاري يعشق الفنون بكل فروعها.    

إلا أنه ومن بين جميع الخريجين والخريجات لفتت انتباهي بشكل خاص وفيقة ذياب، تلك السيدة الطمراوية التي حصلت على إجازة العمل في مجال الحقوق كمحامية وهي في سن الخامسة والسّتين، هذه أكثر من مجرد شهادة تخرّج.

هذه السيدة الطموحة، لم تجلس جانبًا لتراقب الآخرين وتندب حظها في مجتمعها، لم تتخذ من ذكورية المجتمع ذريعة للكسل، ولم تنتظر بفارغ الصبر بلوغ سن الشيخوخة للحصول على مخصّصات التأمين الوطني كي تنزوي في بيتها وتقفل الباب على مكانتها ودورها الاجتماعي.

هذا نموذج ممتاز يشهد على قدرة المرأة في التفوق على الرجل في مراحل متقدمة من السن أيضًا، وليس فقط في سن مبكرة، ودليلٌ على أنه لن يقف في طريقها شيء إذا أرادت وأصرّت على النجاح وتحقيق الهدف.

البيئة في مجتمعنا اختلفت في العقدين الأخيرين بصورة واضحة، وباتت داعمة للمرأة بصورة كبيرة، وهذا الدعم في نمو وتقدم مستمر، وبعكس ما يُبثّ في الليل والنهار خصوصًا على الفيسبوك، وكأن مجتمعنا فاقد لأي نوع من الحساسية تجاه المرأة، فأعداد الفتيات في المعاهد التعليمية العليا أكبر من أعداد الشبان، وهذا بلا شك بتشجيع من الأهل ومن البيئة الداعمة المضحيّة التي باتت ترى بتعلّم المرأة، السبيل الأكثر ضمانًا لحمايتها وتحصينها في مواجهة الحياة.

تكتظ صور الفيسبوك وغيره بصور فتيات يعبر فيها ذووهن من أشقاء وآباء وأمهات وأجداد عن اعتزازهم بهن، وبتحصيلهن العلمي، وإنجازاتهن في شتى المجالات، الكثيرات منهن يمارسن الفنون الجميلة بأنواعها الكثيرة، إلى جانب هذا، بدأت تظهر فرق لكرة القدم النسائية، إلى جانب فرق كرة السلة والشبكة التي باتت عريقة وغيرها من رياضات.     

نحن مجتمع دينامي، مواكب للتغييرات الجارية في المجتمع البشري ككل، وذلك بفضل التكنولوجيا المتقدمة وخصوصًا في مجاليّ الاتصال والمواصلات اللذين أسهما في تسهيل منالية الأبحاث والدراسات في شتى المواضيع، وقصّرا المسافات والزمن، وباتا عاملين حاسمين من عوامل تحرّر المرأة وشقّ طريقها بصورة عصامية.

نتمنى أن يكثر الرجال والنساء الذين لا يتوقفون عن العمل لتحقيق ذواتهم ولو في سنٍ متقدمة، في هذا السياق أذكر الشاعر د. يوسف فخر الدين من دالية الكرمل، الذي اجتهد في الدراسة والبحث حتى حصل على شهادة الدكتوراة في سن الثمانين، ليقول للرجل أيضا إنه لا توجد سن محدودة أمام التعلم وتحقيق الذات، وليس علينا سوى أن نؤمن بأنفسنا وبقدراتنا وأن نشمّر عن سواعدنا ونجتهد.

السيدة وفيقة ذياب أسعدَت نفسَها أولا، وبلا شك أنها أسعدت من حولها بتحقيق طموحها، وبهذا شكّلت مثالا إيجابيا للمتقدمات والمتقدمين في السن، فما بالك بالشبان الذين ما زالت الحياة والوقت والإمكانيات أمامهم وبين أيديهم أكثر بكثير.

لا تقل ولا تقولي ولا مرة إن الوقت صار متأخرًا، في كل مرحلة من العمر، ممكن أن تسعى لتحقق ذاتك وأن تُنجز، اطلب العلم من المهد إلى اللحد، ليس لأجل الحصول على مهنة تعمل وتعتاش منها فقط، فهذا مهم جدًا، ولكن أيضا لأجل الحصول على أقصى ما يمكن من المعرفة في كل مجال، وخصوصًا في المجال الذي تحبّه، وإذا كانت هناك محاضرات ومحاضرون عن التنمية البشرية، فلا شك أن وفيقة ذياب نموذج للإنسان الذي أصر على النجاح ونجح. "كل احترام للأخت وفيقة ذياب وألف مبروك، في أمثالها تحيا الآمال.       

التعليقات