27/01/2020 - 19:56

التحقيق الجريء عن منظمات الإجرام.. ماذا بعد؟

لا شك أن هذه التحقيقات تكتسب أهمية كبيرة أيضًا على مستوى الكشف والتشخيص الشامل والعميق غير المسبوق، لكنها أيضًا تكشف عن هشاشة وهزالة الأساليب والأدوات التي اتبعت لمواجهة الجريمة المنتشرة بهذا الحجم

التحقيق الجريء عن منظمات الإجرام.. ماذا بعد؟

في خضم الانشغال في ملف العنف والجريمة الذي يضرب المجتمع العربي، وما يشكله من تهديد إستراتيجي لمستقبل هذا المجتمع، لاسيما مستقبل جيل الشباب، أعدت المخرجة سهى عراف سلسلة جريئة واستثنائية من التحقيقات الصحافية الشجاعة التي نشرت في موقع عرب 48 و"سيحا مكوميت"، والتي تفتقر لها معظم وسائل الإعلام العربية لجهة العمق البحثي والجرأة، إذ كشفت عن خبايا وخفايا هذا التغول وارتفاع منسوب الجريمة، كمًا ونوعا، وخيوطه المتشعبة والمركبة وامتداداته، بحيث تحول هذا الملف الحارق إلى كابوس مرعب إلى حد العبث، من دون أن تلوح أية حلول بالأفق. وإذا كانت هذه التحقيقات وهذه التشخيصات قد وضعت الأصبع على الجرح، فإن ذلك يكتسب أهمية بالغة كشرط أساس للانطلاق في مواجهة هذه الظاهرة المزمنة والقاتلة.

لا شك أن هذه التحقيقات تكتسب أهمية كبيرة أيضًا على مستوى الكشف والتشخيص الشامل والعميق غير المسبوق، لكنها أيضًا تكشف عن هشاشة وهزالة الأساليب والأدوات التي اتبعت لمواجهة الجريمة المنتشرة بهذا الحجم، لأننا اعتقدنا منذ البدء أنه لا يجوز حفر بئر بإبرة، ولذلك كنا ندعي ونوجه نقدنا منذ سنوات للقيادات والمؤسسات السياسية والمجتمعية وكل الجهات المعنية، لإجراء تحقيقات وأبحاث عميقة وشاملة، وفهم عميق وشامل لمكونات هذا الميدان وهذه الشبكة العلائقية الشائكة، ودور القانون والقضاء وجهاز الشرطة والسلطات المحلية فيها، والتمييز بين العنف المجتمعي ومنظمات الإجرام وسر نفوذها وانتشارها بهذا الحجم الرهيب والمذهل.

وعلى سبيل التساؤل، هل الاحتجاجات والمظاهرات وبعض اللقاءات الخجولة كفيلة بمواجهة ملف "مافيوي" بهذا الحجم، وبهذه السطوة على مقدرات مجتمع بأكمله؟ ونقول في ظل كل السبل والوسائل التقليدية التي اتبعت، أثبت بالوقائع والأرقام أن الجريمة توسعت وامتدت كمًا ونوعًا إلى كل بلدة وبلدة، وفي العديد من السلطات المحلية، وكذلك تورط رؤساء مجالس وبلديات في هذا العالم إما لحماية أنفسهم، وإما لمنافع وجني أرباح وأموال سهلة بالتعاون مع منظمات الإجرام. وهذا يؤكد ما ادعيناه مثل كثيرين بأن محاربة العنف لا تأتي من أهل العنف.

إن مساهمة سهى عراف التي كشفت الكثير من المستور، وقد وضعت الأصبع على الجرح في هذه التحقيقات القيمة، يتوقع أن يجري إلقاء الكرة في ملعب اللاعبين السياسيين وكل الجهات المعنية، للانطلاق بعد فهم هذه الصورة كاملة وشبكة العلاقات الشائكة والمرعبة بين الأطراف الضالعة في هذا الملف، لذا يجب اعتماد كل التخصصات في هذا الشأن واجتراح الأدوات والآليات وكل مستلزمات المواجهة بجرأة وشجاعة، بعد أن تم كشف المستور وخطورة الحال، بحيث لا يكون متأخرًا أكثر. ومن الجدير بالقيادات والمسؤولين وأصحاب التخصصات الاستفادة من تجربة سهى عراف والاستماع إليها وللاستنتاجات التي توصلت إليها بعد شهور من البحث والتحقيق، بهدف الانطلاق نحو محاصرة العنف والجريمة ومعالجتها على وجه السرعة.

التعليقات