28/01/2020 - 18:02

الصفقة والوصفة المستحيلة للمواجهة

الغياب الكلي للموقف العربي ومن خلفه الفلسطيني الغارق بمآزق شتى، فشل بشكل مدوٍ بالتصدي لخطط تصفية القضية، وهي ليست وليدة الحقبة الترامبية كما يحلو للبعض التذرع بها،

الصفقة والوصفة المستحيلة للمواجهة

منذ ما قبل الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة "موحدة لإسرائيل"، وانهمار الإجراءات الأميركية المتسارعة برفض الاعتراف بحق اللاجئين، ودعم الخطوات الإسرائيلية القاضية بضم الكتل الاستيطانية والصمت - القبول لنية ضم منطقة الأغوار وشمالي البحر الميت وضم الكتل الاستيطانية، فضلاً عن الهجمة على وكالة الأمم المتحدة "الأونروا" وعلى الحملة الدولية لمقاطعة إسرائيل، تبقى المواقف المناهضة لهذه السياسة فلسطينيًا وعربيًا صفرية، بسبب ضعفها وهشاشتها.

الغياب الكلي للموقف العربي ومن خلفه الفلسطيني الغارق بمآزق شتى، فشل بشكل مدوٍ بالتصدي لخطط تصفية القضية، وهي ليست وليدة الحقبة الترامبية كما يحلو للبعض التذرع بها، بقدر ما هي خسارة للرهانات الفاشلة والإصرار المستمر على تقديم ما فشل على أنه ممكن للمضي به لتحقيق تقدم بـ"عملية سياسية".

تكرار الحديث عن الثوابت الفلسطينية من دون ممارسة سياسية لا تستطيع حمايتها، والحالة الانتظارية التي منيت بها مواقف عربية وفلسطينية للرهان تارةً على إدارة أميركية، وأخرى على حكومات إسرائيلية تتبارز بين اليمين اليمين العنصري واليسار المتغطرس، جردت الفلسطينيين من وسائل القوة بعد الرضوخ للشروط والاملاءات والضغوط طيلة ربع قرن، والالتزام بتنفيذ اشتراطات أمنية وسياسية، كانت بالأساس تعمل على نزع جوهر الصراع وتجريد مضمونه التاريخي من محتواه.

سيُعلن عن صفقة القرن بعد أن أصبحت واقعا فعليا على الأرض، وأيًا تكن بنودها فهي كما يرى الأميركي والإسرائيلي وبعض الزاحفين من النظام العربي نحو قبول الصفقة والتطبيع والقبول بها، أن الأجواء مهيأة أفضل من أي وقت مضى لتمرير صفقة تصفية الحقوق الفلسطينية، فلا مؤشر عربيا يدل على غير ذلك ولا فلسطينيا. على العكس تمامًا، من يظن بإعلان مستمر على اجترار مواقف لا تقدم سوى مزيد من الأوهام للشارع الفلسطيني، حتى الحديث عن انتفاضة ثالثة فهذا يحتاج لوحدة موقف فلسطيني وإجماع يُخرجهم من مغطس الانقسام. فإذا كان حجم الإجراءات والعدوان بهذه الضخامة من ضم القدس والاعتراف بها ونية ضم الأغوار والمستوطنات، مع ملفات ضخمة لا تقل أهمية وخطورة في الصفقة المنتظرة، لا يمكنها الدفع بِحثْ الجانب الفلسطيني لترتيب البيت سريعا، فـعلى ماذا الرهان بعد فشل معظمه؟

يعرف الشارع العربي والفلسطيني، أن بعض النظام الرسمي العربي الناشئ مع نكبة الفلسطينيين منذ العام 1948 من القرن الماضي، هو جزء من صفقة تمكين المؤسسة الصهيونية لإنجاز مشروعها، وصفقة اليوم لا تكتمل إلا باستمرار منظومة القمع العربي، وبدونها لم يكن باستطاعة إسرائيل وأمريكا المضي نحو تحقيق "الحلم الصهيوني". فمواجهة المشاريع والصفقات لا تتم بإقامة معتقلات وزنازين ومنظومة حاكمة فاشية تقوم بقصف وتدمير المدن والقرى والأرياف بالصواريخ والبراميل المتفجرة، لكسب رضا المحتل عن الوظيفة التي تمهد الأرضية لإلحاق الهزيمة بـ"عدو" الحلم الصهيوني.

خسارة الشارع العربي والفلسطيني مع تغول أنظمة الطغيان والقمع والفساد، وتحالف السلطة معها وتمجيد طغيانها وإجراءات عدوانها على مجتمعات كانت وستبقى حصن الدفاع عن معظم القضايا، لن تجلب غير وصفات مستحيلة لمواجهة المحتل، فالنتائج ماثلة أمامنا. وفي ظل الحديث عن ترتيب صفقة القرن يرتفع مستوى التطبيع مع إسرائيل، ويرتفع معه منسوب القمع والوحشية للشارع العربي المنتفض على أنظمة وسياسات كارثية، ويزداد الشرخ في الساحة الفلسطينية.

لا يملك الطرف الرسمي العربي ولا السلطة الفلسطينية ما يوحي بإفشال ما يحاك للحقوق الفلسطينية، مع أن تشخيص جوهر المخاطر طفحت به أدبيات حركة التحرر الوطني الفلسطيني بالإضافة إلى أطنان التصريحات الدولية والعربية المتلاعبة بهم، كل ذلك لم يحثهم ويدفعهم لبناء إستراتيجية واضحة لحماية الحقوق الفلسطينية. كذلك تحليل الوضع الإسرائيلي الداخلي وتفصيل البازار الانتخابي بين نتنياهو وغانتس، وتذكير المجتمع الدولي بالقرارات الدولية المتصلة بالصراع مع المحتل والحق الفلسطيني، لم يفد ويحمي هذا الحق، فالحديث شيء والممارسة نقيض مختلف تماما.

الاستمرار في لعبة العملية السياسية الشكلانية وإهدار الوقت في لعبة الخروج من الانقسام الفلسطيني، وإدارة الظهر لشوارع عربية ثائرة، ستتيح بالتأكيد للمحتل الانقضاض على ما تبقى من أحلام الدولة والاستقلال الفلسطيني المزعوم، وهو ما يتم فعليا، أما الإصرار على تقديم وصفات مستحيلة للمواجهة دون تطبيقها والأخذ بها سيزيد حتما من فرص الانتقال لما هو أبعد من صفقة القرن.

رسمت السلطة الفلسطينية لنفسها خطوطا حمراء منذ أوسلو، مما شكل هاجسا ضاغطا شوش عليها الرؤية، كذلك فعلت بقية الفصائل والحركات، وأربك عليها حساب الاحتمالات والنتائج سيما بعد الضغوط التي تعرضت إليها من الولايات المتحدة وإسرائيل والنظام العربي، وفي إشارة إلى الفارق الشاسع بين موقف السلطة وبين موقف الشارع الفلسطيني والعربي الثائر بوجه سياسات أنظمة متخاذلة، اختارت حركة التحرر الوطني الفلسطيني ومعها السلطة الوقوف دوما بجانب أنظمة قمعية ووحشية، تعمل على تطويع الشوارع العربية مع صفقات تبدأ بالتطبيع مع الوحشية والطغيان، ولا تنتهي بالتطبيع مع صفقة يستحيل معها تقديم وصفة من اجترار الفشل لهزيمتها .

التعليقات