07/02/2020 - 15:53

توحيد المبادرات لا الاسترخاء في النقد

لم يعد مقبولاً مواصلة عقد المؤتمرات والورشات واللقاءات، خاصة تلك التي تعقد في الخارج بصورة منفصلة، إلا إذا كان الهدف التباحث لحسم مسألة التنسيق والانخراط في جهد جماعي يرقى إلى مستوى المسؤولية التاريخية الملقاة على الجميع.

توحيد المبادرات لا الاسترخاء في النقد

لم يكشف المخطط الأميركي الصهيوني المصمم لتصفية قضية فلسطين عجز البنى الفلسطينية الرسمية عن التحضير المسبق لمواجهتها فحسب، بل عجزنا جميعًا. ليس قصدنا مساواة المسؤولية بين البنى القائمة منذ عشرات السنين، كمنظمة التحرير وسلطة أوسلو أو من حاول خلق بديل مثل حركة حماس من جهة، و الأطر والمجموعات والأفراد الناقدون للوضع (قياديون سابقون ، أكاديميون، مثقفون وناشطون) من جهة ثانية.

والحق يقال إن حركة حماس رغم ما عليها وما لها، فقد مثلت محاولة جريئة لاستئناف المواجهة مع المستعمر بعد كارثة أوسلو، إلا أنها فشلت في تقديم بديلٍ تحرري، ما حوّلها إلى جزءٍ من الأزمة التي تضرب الحركة الوطنية الفلسطينية في العمق.

لقد فاضت ساحات التشخيص والنقد، والتصورات والحلول النظرية والمؤتمرات والورشات عن الحاجة، على حساب الجهد لإحداث نقلةٍ نوعية وكبيرة في آليات التأثير من خلال جمع جميع أو غالبية هذه الأطر والمجموعات والمؤتمرات والملتقيات، والروابط والحَراكات الشعبية والشبابية، والكتابات النقدية الغزيرة والنوعية التي تعج الساحة بها، من دون التمكن من إحداث التأثير الملموس الذي يهز أركان الوضع القائم ويستبدله.

نعم، لم تذهب جميع هذه المحاولات والاجتهادات والمبادرات سدىً، وهي بمثابة الضمير الفلسطيني الحيّ، وتعبير عن رفض الاستسلام. هي باتت جزءًا من عملية تكوين وعيٍ بديل، لمّا يتبلور بعد في صيغة موحدة، وفي حاملٍ اجتماعي يُنتظر أن ينتهي من مخاضه إلى مولود جديد واعد.

في ظل المخطط الصهيوني والأميركي الحالي، لم يعد أي مبررٍ للقوى والجهات الشعبية الفلسطينية الطامحة إلى توفير بديل أو إلى تحفيز تغيير حقيقي وحاسم في الساحة الفلسطينية، مواصلة العمل بصورة متفرقة ومنفصلة.

ولم يعد مقبولا لأي فرد أو مجموعة أو مؤسسة مواصلة الانغلاق في "جمهوريته" الصغيرة، وكأن التغيير سيأتي من خلالها فقط. من يدعو الآخرين إلى الوحدة، وجب عليه أولا ممارسة وحدوية وأن يبذل كل جهدٍ فكري وعملي من أجل الوصول إلى هذا الهدف.

وللتوضيح، ليس مطلوبًا أية وحدة سياسية أو وطنية، لأن الوحدة تكون أحيانًا مدفوعة بمصالح آنية، ومعدومة العمود الفقري الأيديولوجي أو القيمي التحرري المناهض للاستعمار والصهيونية. ومثال على ذلك، القائمة المشتركة بنسختها الحالية، ومنظمة التحرير الفلسطينية بتركيبتها الراهنة المترهلة. تنبني الوحدة الوطنية المطلوبة على ركيزة أخلاقية تضحوية، وعلى فهمٍ مبدئيّ للصراع؛ فهمٌ لكيفية إدارة عملية التغيير والنضال المستند إلى تقدير ما هو ممكن وما هو غير ممكن.

يمكن إحصاء عشرات المبادرات التي نشأت خلال فترة أوسلو، وخاصة بعد إقدام نظام الفصل العنصري الكولونيالي الإحلالي؛ المبادرات التي أدلت ولا تزال بدلوها للخروج من المأزق الحالي المستمر، منذ اجتياح مناطق سلطة أوسلو عام 2002.

ويمكن إحصاء عشرات الهبات الشعبية المحدودة، التي تجددت منذ ذلك الاجتياح، وأبرزها هبّات القدس، التي كانت أروع تجلياتها تلك التي شهدتها المدينة في صيف عام 2017، والتي عُرفت بانتفاضة البوابات الإلكترونية، ولاحقًا مسيرات العودة في غزة. كل ذلك أكد طاقة التمرد الهائلة الكامنة، في شعبنا، واستعداده لو أزيلت العقبات الداخلية وتوفرت قيادات مؤهلة حكيمة وجريئة، لمواصلة نضاله من دون كلل.

ملخص الاقتراح، هو أن نبادر فورًا كل من إطاره المستقل، في الداخل والخارج، إلى التلاقي والعمل على تشكيل هيئة تنسيق عليا، تُنظم الصوت الناقد والساعي إلى إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، وإعادة الناس إلى السياسة، إلى الفعل الثوري المُنتج.

لم يعد مقبولاً مواصلة عقد المؤتمرات والورشات واللقاءات، خاصة تلك التي تعقد في الخارج بصورة منفصلة، إلا إذا كان الهدف التباحث لحسم مسألة التنسيق والانخراط في جهد جماعي يرقى إلى مستوى المسؤولية التاريخية الملقاة على الجميع.

لقد أنتجت أغلب هذه المبادرات أدبيات نقدية عميقة وتصورات مكتوبة، وبعضها شامل ومفصل عن كيفية اختراق جدار التشظي والانقسام والخراب؛ وساهمت في إدخال مضامينه وتوجهاتها لدى شرائح واسعة من النخب، وخصوصًا بين طلائع الشباب الـكثر وعيًا ونشاطًا.

وبات يجمع هذه المبادرات والطلائع مفاهيم وطنية واجتماعية تحرّرية، تقول بوحدة الشعب الفلسطيني، وبتطابق ألأرض والشعب، وبإعادة تعريف قضية فلسطين كقضية تحرر وطني، وإعادة تعريف إسرائيل كنظام أبرتهايد كولونيالي إحلالي، تجب مقاومته ودحره وصولاً إلى تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني والعدالة . فكيف يتسق الجهد الشعبي المعارض الداعي إلى الوحدة مع مواصلة العمل الانفرادي والمشتت!

هذا هو الفعل الوحيد، الذي يُمكن أن ينقل الكلام إلى ألأرض، يُنظّم الناس ويُحوّل النضال إلى طريق حياة. إنّ المقاومة الشعبية وحدها، المنظمة والمنهجية والمدروسة، التي تستطيع استعادة فكرة فلسطين، وبناء المجتمع ومؤسساته الثقافية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية، قبل أن يُهلكه نظام القهر الاستعماري بمخططاته السافرة والخبيثة.

التعليقات