23/03/2020 - 15:47

لا تُقتَل يا بُنيّ

يا بنيّ، صرنا نكتفي برماد الأفراح لمواجهة المفاجع التي تُحزِنْ الأفئدة التي غدت كالحطب اليابس، فمن فرط إصرارنا على الموت بتنا نعتقد إننا نملك القدرة على الحياة، لكن أية حياة هذه التي يرسمها لنا الجهل ويقدرها لنا الطيش المميت؟

لا تُقتَل يا بُنيّ

الأسير أحمد أبو جابر

مع كل فجرٍ يدق النور أبوابنا، نركض لاستقبال الصباح الجديد بقلوب مفعّمة بالحياة، وإذ بأزيز الرصاص ودوي الانفجارات يطفئ هذا النور.

يليه صمت الموت الذي لا يشقّه سوى صفارات الإسعاف وخبرٌ تتناقله الشفاه همسا: "قُتِلَ"، تتبعه صرخة أمٍ مفجوعة.

حين تسأل ماذا جرى؟ الكل يعرف أنها عمليةُ قتلٍ، وحين تشدّد بالسؤال من الجاني؟ يكون الجواب جاهزا، فلا أحد يعرف سوى القتيل! وعندما تتساءل عن السبب، يُجمع الكل على تفاهة الموضوع وعبثيّة الموت.

إذا كيف يكون هذا الموت الذي يعرف الناس كل تفاصيله ما عدى القاتل الذي لا يعرفه أحد. يا لهُ من قاتل ذكي ومحظوظ، يركب بساط الريح ويعتمر قبّعة الخفاء، وينتقل من مكان لآخر ليقوم بفعلته النكراء، تراهُ عيون الناس وتنكره قلوبها المرتجفة جبنا وشماتة.

وفي حال كهذا، يُطرح السؤال؛ هل في هذا الموت جرأة أو رجولة؟ حتى أم المغدور لا تعرف حارق كبدها لتغفر لهُ وتسامحه، لذا تعيش بين الشكّ واليقين، سائلة نفسها ما إذا كان ابنها الجاني أم المجني عليه.

ليس في الموت رومانسيّة يا بنيّ، لا بطولة. حين تُقْتَلُ سيبكيك الكثيرون. حتى الذين يكرهونك سينضمون إلى الركب وسيلعبون نفس الدور، دور الثكالى والحزانى والمفجوعين. سيتعالى اسمك يا بنيّ على مدار ثلاثة أيام العزاء وفي نهاية اليوم الثالث، حين ينفضُّ الجميع وتصمت جوقة المعزّين سيُوقّعُ الصمت القاتل قبل اسمك بفعل كان فعلا ماضيا ناقصا ليعلن في السّر: "بالنّاقص عربي آخر".

يا بنيّ، صرنا نكتفي برماد الأفراح لمواجهة المفاجع التي تُحزِنْ الأفئدة التي غدت كالحطب اليابس، فمن فرط إصرارنا على الموت بتنا نعتقد إننا نملك القدرة على الحياة، لكن أية حياة هذه التي يرسمها لنا الجهل ويقدرها لنا الطيش المميت؟

لا تُقْتَلْ يا بنيّ، لا أُريدك بطلا ميتا، بل أُريدك ابني الحيّ لنستقبل معا صباح الحياة الجديد مع كل فجرٍ يدق فيه النور أبواب القلوب التي تقدّرُ نعمة الحياة وتَعْرِف قُدسيّتها.


* الأسير أحمد أبو جابر من مدينة كفر قاسم، يقبع في السجون الإسرائيلية منذ 33 عاما.

التعليقات