12/05/2020 - 19:02

لا مخافة الله ولا حِكمة ولا سُلطة

جاء في الحديث الشريف "رأس الحكمة مخافة الله"، وفي التوراة "رأس الحكمة مخافة الرّب"، وجاء في جمهورية أفلاطون، أنه يجب تربية الأطفال على وجود ثواب وعقاب في الآخرة، فمن يعمل صالحًا يثاب، ومن يعمل شرًا يعاقب.     

لا مخافة الله ولا حِكمة ولا سُلطة

سهيل كيوان

جاء في الحديث الشريف "رأس الحكمة مخافة الله"، وفي التوراة "رأس الحكمة مخافة الرّب"، وجاء في جمهورية أفلاطون، أنه يجب تربية الأطفال على وجود ثواب وعقاب في الآخرة، فمن يعمل صالحًا يثاب، ومن يعمل شرًا يعاقب.

الحكمة في هذا المعنى والسياق الديني، تعني أن الإنسان ما دام يخاف من قوة عليا تراقب أعماله وتحاسبه عليها، فسوف يكون حكيمًا ويرتدع عن أعمال الشر، بل وسيفعل خيرًا، أما من لا يخاف الله، فيفقد الحكمة ويرتكب الشرور لأنه لا يخشى عقابًا نتيجة أعماله المنكرة.

عمومًا، فإن المجتمعات التي آمنت بهذه الفكرة وذوّتتها بصدق، كانت الجريمة والتجاوزات الأخلاقية فيها أقل بكثير من غيرها.

لم يبق المجتمع بسيطًا، وصارت العلاقات بين الناس أكثر تركيبًا، ومبنية على المصالح المشتركة أو المتضادة، ونمت تفاوتات طبقية، وتراجع الإيمان بالرقيب والردع الإلهي.

وكما هو معروف، في كل زمان ومكان، من يعمل السّبعة وذمّتها، و"السبعة" هي الفواحش السبع، أما ذمّتها، فهي القسم كذبًا بأنه لم يفعلها.

لهذا ولأجل الحفاظ على سلامة المجتمع نشأ رجال صلح ووجهاء، يصلحون بين الناس ويحكمون فيما شجَر بينهم.

كان لدى جاهة الصلح العشائري قدرة على فرض الحلول، فهي مدعومة بقوة الرجال المستعدين لفرض الحق بالقوة، كذلك فهي تملك قدرات مالية تسهم في الحلول عند الضرورة، ومن لا يمتثل لقراراتها، ينبذ اجتماعيًا ويقاطَع ويدفع ثمنًا باهظًا.

كانت الجاهة عامل ردع قوي، فهي تمثل عائلات وطوائف ورجال فكر وعقلاء وعارفين لأحكام الدين والأعراف الاجتماعية.

كانت جريمة القتل تؤدي إلى خراب بيت القاتل وأسرته، فتضطر عائلته أولًا على الرحيل، وهذا إذلال من بعد عزّ، وتشرّد بعد استقرار، إذ أنها تضطر إلى اللجوء في بيوت وبلاد الآخرين، ومنهم من كان يضطر لبيع أرضه لدفع ديّة القتيل، ووصل البعض إلى التسوّل، وكم من عائلات كانت غنية، أفقرتها جرائم القتل والثأر وغيرها.

مع تطور وسائل الإنتاج وانعكاسها على الحياة الاجتماعية، تراجع الإيمان الداخلي (مخافة الله)، وتراجع نفوذ وقوة جاهات الصلح، وحلّت مكانهما سلطة الدولة، فهي التي تتكفل بإخافة المجرمين ومعاقبتهم.

إلا أن كل دولة لها مصالحها، فالدولة في النهاية تخدم طبقة معيّنة من الناس، ولهذا فهي قد تكون معنية بالاستقرار أحيانًا، وأحيانا بالفوضى بين الناس، بين عائلات وبين طوائف وشرائح اجتماعية، وترفع الحماية عن بعضها كي ترغمها على الولاء لها، أو على تنازلات في قضايا معينة، أي أن تطبيق النظام وفرض الأمن، قد يكون ورقة مساومة بيد السلطة على رعاياها.

في حالتنا فإن الدولة غير معنية بالهدوء والسكينة في مجتمع تعتبره في قانونها درجة ثانية، بل ويرى فيه رئيس حكومتها عدوّا، بل هي معنية بمجتمع متفكك ومتآكل ومنشغلٍ بنفسه وجراحه، ومستنزف الطاقات، وفاقد لثقته بنفسه على إدارة شؤونه، إضافة إلى إمكانية استغلال الخوف والذعر في تمرير مخططات، من الصعب تمريرها في الظروف العادية.

هذا يعني نشوء فراغ في الرّدع، فلا مخافة الله موجودة، ولا تقاليد اجتماعية رادعة، ولا سلطة حازمة.

هذا يعني الفوضى وخراب البيوت، ويعني القلق على الأرواح والأملاك والمستقبل، يعني تحوّل مجتمعنا إلى غابٍ، يصبح فيه المسلح وفاقد الضمير القائد وصاحب الحل والربط، هذا يعني تسليم مستقبل الأجيال القادمة إلى المجهول والضياع.

من يمارسون القتل يعرفون أن السلطة ليست معنية في ملاحقتهم، وهم بهذا المعنى عملاء، يسعون لتخريب مجتمعنا من داخله، يفعلون هذا وهم مدركون بأن السلطة ليست جادّة في الكشف عنهم، بالضبط لأنهم يخدمون عنصريتها مقابل سكوتها عنهم.

إن القلوب تنزف لما حدث ويحدث من جرائم قتل، وخصوصًا عندما تكون على خلفيات منافسات انتخابية، فضحاياها من خيرة الشبان، ليسوا تجار ممنوعات ولا من مجموعات السوق السوداء والخاوة، وهذا يعني أن الصراع ليس محصورًا بأفراد اختلفوا على تقسيم غنيمة، بل بين عائلات محترمة تمثل أكثرية المجتمع، وهذا أمر مرعب، فالمجتمع الذي بناه آباؤنا بعد النكبة بدموعهم وعرقهم وحنكتهم وصبرهم على مدار عقود، بات آيلا للسقوط والتفكك فوق رؤوسنا، بسبب صراعات على السلطة المحلية وتبعاتها، في ظل سلطة مركزية تقف متفرّجة.

يا أبناء شعبنا، اتقوا الله بأنفسكم وأهاليكم، استيقظوا من لوثة السلطة والكِبر والجاه الفارغ الكاذب، فكل هذا لا يساوي نقطة دم واحدة، ولا دموع يتيم أو ثاكل وأرملة.

ليس لنا إلا أنفسنا، أوقفوا هذه النزعة القاتلة من الكِبر الكاذب، فأي كبرياء وعشرات الآلاف من بيوتنا بلا ترخيص ومهددة وفي بعضها يجري تنفيذ الهدم؟ أي كبرياء ونحن مواطنون من الدرجة الثالثة في القانون؟ أي كبرياء ولغتنا تهان وتشوّه على كل لافتة وتحظر في كل مكان؟ أي كبرياء ونحن غير آمنين في بيوتنا، استيقظوا أيها الغافلون.

اقرأ/ي أيضًا | مسلسلات سواد الوجه

التعليقات