31/05/2020 - 17:18

مرونة الزناد وردة الفعل

الاحتجاجات على مقتل فلويد لم تندلع بقرار سياسي، الانتفاضة انطلقت من الغضب والإهانة الجماعية التي شعر بها المنتفضون، ولأننا نشعر بذات الإهانة الممزوجة بالعجز لردة الفعل الجماعيّة العفويّة، على القيادات السياسية أن تحول هذا الغضب إلى فعل سياسي

مرونة الزناد وردة الفعل

3 طلقات كانت كفيلة بالحديث عن الشاب الفلسطيني إياد الحلاق بصيغة خبر كان، و8 طلقات قبلها جعلن مصطفى يونس جثة أمام عيون والدته وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة. الشهيدان يونس والحلاق، دفعا حياتهما ثمن قمحيّة بشرتهما، وجورج فلويد الأميركي دفع حياته ثمن سمارها، الذي وجد نفسه مخنوقًا بين ركبة الشرطي الأميركي الأبيض والأسفلت. ثلاثتهم نماذج لضحايا عنف السلطة البنيوي.

الفلسطيني مدان حتى تُثبت إسرائيليّته ولن يُشفع له حتى بعد إثباتها، وكذلك بالنسبة للأميركيين الأفارقة بعد أن "رضوا بالبين"، إلا أن البين لغاية الآن، لا يرضى بهم. ضجّت شوارع مدينة مينيابوليس الأميركيّة وامتلأت أزقتها بالأميركيين سود البشرة يصدّرون غضبًا شديدًا على مقتل فلويد، ودخلوا في صدامٍ مع الشرطة وأجهزتها إلى أن وصلت الأمور لحرق وتحطيم مراكز الشرطة في المدينة وتعطيلها بشكل شبه كامل.

فلويد لن يكون الضحية الأخيرة لعنصرية الشرطة الأميركيّة، لكنها ربما ستتأخر كثيرًا الضحية التاليّة على يد الشرطة، لأن الشرطي الأميركي القاتل، أولًا قد اتهم بالقتل وهو ما يشكل ردعًا للعنصريين؛ ثانيًا، لأن شرطة المدينة والولاية تدفعان ثمن عنصرية القوات الأمنيّة وتسجل خسائر مادية كثيرة وهذا أكثر ما يوجع دول القوة والسيطرة والمال.

لماذا لن تتأخر الضحيّة القادمة على يد أجهزة "أمن" الاحتلال؟ أولًا، لأن الجناة لم يُلاحقوا قضائيًا ولا يدفعون أثمان جرائمهم؛ ثانيًا، في شهر أيار/ مايو الجاري اغتالت إسرائيل 4 فلسطينيين، شهيد في مخيم الفوار وفي رام الله وفي تل أبيب وفي القدس المحتلة، ولم تخسر وتتضرر إسرائيل من هبة شعبيّة أو احتجاجات تكبدها خسائر لتردعها يوم غد من اغتيال إضافي.

الدم العربي رخيصًا

إن ازدياد مظاهر العنف والجريمة في المجتمع الفلسطيني ككل، له تداعياته وأسبابه المرتبطة ارتباطًا مباشرًا بوجود منظومة استعماريّة تسلب الأفراد سلطتهم على حياتهم وتفرض سلطتها عليهم، لكن هذا ليس موضوعنا؛ إن قضيّة قتل الفلسطيني على يد الصهيوني، وقتل الفلسطيني للفلسطيني، في امتحان النتيجة الشخص قُتل وانتهت حياته، فلماذا لم نغضب على إسرائيل وندفّعها ثمن إجرامها؟ ببساطة، لأننا لم نضع حدًا لإراقة دماء أبناء شعبنا على يد المجرمين من أبناء جلدتنا، ولأننا لم نضع حدًا أيضًا للمنظومة الأمنية والعسكريّة التي تقتلنا بين فترة وأخرى، فلا صدق بمطلبنا من الاحتلال ألا يقتلنا لأنه يستمد شرعيّة القتل ليس من القرار السياسي الأعلى فحسب، إنّما من سهولة إراقة دماء أنفسنا.

ومن يدفع ثمن إجرامه سيتردد كثيرًا إذا فكّر بسلب أرواح الآخرين في المستقبل، سواء كان المجرم فلسطينيًا أو جنديًا صهيونيًا.

حينها، ستخاف إسرائيل وأفراد شرطتها وجيشها من قتل الفلسطيني حين يدركون حدة الرّد والعقوبة والتداعيات. في كلّ مرّة يقتلنا فيها الاحتلال، يتأهب أمنيًا للتصدي لكل ردة فعل ولقمعها، فتُصدم الشرطة ومخابراتها من الضعف وقلة الحيلة المخيمة على الفلسطينيين.

كيف نحمي أنفسنا؟

هذه المرحلة تطلب من القيادة الفلسطينيّة قرارًا سياسيًا جريئًا وتاريخيًا، قرار التصدي لا غير لهذا الواقع. انطلقت دعوات المظاهرات والاحتجاج على استشهاد إياد الحلاق من حركات متعددة منها المستقلة ومنها اللجان الشعبيّة وأخرى الحزبيّة، التي ستُنظم يوم غد الإثنين وبعد غد.

ما المطلوب من لجنة المتابعة العليا؟ اتخاذ قرار التصعيد وأن تتبنى هذه الاحتجاجات والحشد إليها وتنظيم غيرها، وألا تلعب دور الضابط لغضب المتظاهرين، وإذا أرادت أن تأخذ خطوة تصعيديّة إضافيّة، فلتغضب هي الأخرى، وتدفع المحتجين إلى التصعيد لمنع إراقة دماء شبابنا.

الاحتجاجات على مقتل فلويد لم تندلع بقرار سياسي ولم يقودها قيادات سياسية، الانتفاضة انطلقت من الغضب والإهانة الجماعية التي شعر بها المنتفضون، ولأننا نشعر بذات الإهانة الممزوجة بالعجز لردة الفعل الجماعيّة العفويّة، على القيادات السياسية أن تحول هذا الغضب إلى فعل سياسي متقدم يردع القتلة من تنفيذ جريمة أخرى.

التعليقات