02/07/2020 - 11:17

السؤال الكبير

السؤال الكبير الذي علينا، نحن الفلسطينيين، الإجابة عليه فهو التالي: هل نحن مصرون وقادرون على هزيمة إسرائيل الصهيونية، أم نحن مستعدون للتصالح والتعايش معها بعد، أو بشرط، تقليم أظافرها؟

السؤال الكبير

مظاهرة في غزة رفضًا للضم (أ ب)

نظريًا، يتم إنجاز مشروع الدولة الواحدة (ثنائية القومية أو المفدرلة أو غير ذلك) للفلسطينيين والإسرائيليين اليهود، إذا تم ذلك يوما، عبر أحد الطريقين التاليين:

أولا، بالانتصار على إسرائيل (والصهيونية) عسكريًا، وهو الطريق الذي ينادي أو يتعلل به ضمنًا إن لم يكن جهرًا، القوميون الفلسطينيون والعرب وكذلك الإسلاميون الجذريون.

ثانيا، بالانتصار على إسرائيل (والصهيونية) حقوقيًا، وهو ما ينادي أو يتعلل به الرومانسيون الحالمون والمثاليون، وكذلك الليبراليون الفلسفيون (حسب تعريف جون رولز)، سواء فلسطينيين عربًا أو غير ذلك.

كلا الطريقين لإنجاز مشروع الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية يتطلب، إذًا، هزيمة الصهيونية، وإسرائيل درة تاجها. لكن الفرق بين الطريقين كبير وشاسع. فحسب الطريق الأول، ينتج عن الانتصار المتخيل هيمنة فلسطينية على (من يبقى من) اليهود في فلسطين. أما حسب الطريق الثاني، فينتج عن الانتصار المتخيل المساواة في الحقوق بين الفلسطينيين (يشمل اللاجئين أو من يختار العودة منهم) وبين اليهود الإسرائيليين (أو من يبقى في البلاد منهم).

غني عن القول إن أتباع كلا الطريقين لم يكونوا حقًا وصدقًا من أنصار حل الدولتين من هذا النوع أو ذاك للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. ولكن تداعي بنيان حل الدولتين الكلاسيكي (والذي يقوم على الأضلاع الثلاثة التالية: القدس الشرقية عاصمة، الدولة على أساس حدود 1967، وعودة اللاجئين حسب القرار الأممي 194) يعطي مزيدًا من شحنات الدافعية والثقة لأتباع هذين الطريقين. وغني عن القول أيضًا إن أتباع كلا الطريقين يقرون مسبقًا وعلنًا بأن المشوار لإنجاز مشروع هزيمة إسرائيل (والصهيونية) طويل وشائك، وإن طوله الزمني يقاس بالأجيال.

أما أنا فلست من أتباع أي من الطريقين المذكورين، رغم ما بكل منهما من مراودة أماني دفينة لدي. لست من أتباع أي منهما لأسباب رئيسة كالتالية:

أولًا، إن المعطيات على الصعد المحلية والإقليمية والعالمية لا تتيح أي مجال لهزيمة إسرائيل (والصهيونية) سواء عسكريًا أو حقوقيًا.

ثانيًا، إن يهود إسرائيل والعالم، بأغلبيتهم الساحقة، ضد حل الدولة الواحدة، ديمقراطية كانت أو غير ذلك.

ثالثًا (والأهم)، أن الشرعية الدولية ما زالت كما كانت منذ أكثر من سبعين عامًا، تنادي بحل الدولتين، من هذا النوع أو ذاك. وسوف تستمر، على الأرجح، بالمناداة بذلك طالما أن الدولة القومية هي اللبنة الأساسية في النظام العالمي.

والعبرة، إذا استثنينا "مكر العقل في التاريخ" حسب هيغل، فإن هزيمة إسرائيل (والصهيونية) بأي من الطريقين المذكورين تظل بعيدة المنال، بعيدة زمنيًا، ودرجة احتمال تحقيقها ضئيلة جدًا.

أنا، يا سادة وسيدات، لست رومانسيًا حالمًا ولست مثاليًا ولست إسلاميًا جذريًا ولست ليبراليًا فلسفيًا. ومن هنا، لست من أتباع أي من الطريقين المذكورين لهزيمة إسرائيل (والصهيونية)، مع أني أتمنى أن يحصل ذلك. أنا، يا سادة وسيدات، ما زلت، كما كنت، من أنصار حل الدولتين الديمقراطيتين. ولكن حل الدولتين الذي أنادي به يختلف كثيرا عن حل الدولتين الكلاسيكي الذي تداعى بنيانه بسبب الممارسات الإسراىيلية في القدس وخارج القدس. كما ويختلف جذريًا عن حل الدولتين الذي تنادي به "صفقة القرن"، أو صفقة نتنياهو - ترامب الجائرة والفاسدة.

حل الدولتين الذي أنادي به، كما ينادي به فريق من الفلسطينيين والإسرائيليين اليهود، من المعادين للصهيونية أو الحائمين على طرفها اليساري - الليبرالي، هو حل "دولتان، وطن واحد". وهو حل منصف يلبي، في اعتقادي، الحد الأدنى من المطالب المتنافسة للفلسطينيين (يشمل اللاجئين منهم) والإسرائيليين اليهود، وذلك إضافة الى فضائله الثلاث التالية: هو حل دولتين قابل للتطبيق أولًا، ولا يسد الطريق إلى الدولة الديمقراطية الواحدة ثانيًا، ولا يجافي قرارات الشرعية الدولية ثالثًا.

أما المبادئ الرئيسة التي يقوم عليها مقترح حل "دولتان، وطن واحد" فهي التالية:

• قيام دولة فلسطينية مستقلة على (أساس) حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وأي تعديل على الحدود يكون لصالح الدولة الفلسطينية.

• الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية؛ يهودية فقط بمعنى أن غالبية مواطنيها من اليهود.

• تلتزم الدولتان بقيم ومبادئ وممارسات الديمقراطية، وكذلك بمبدأ عدم التمييز ضد الأقليات العرقية - الثقافية. وتلغى تبعًا لذلك أية قوانين تكرس التمييز العنصري أو التفوق العرقي - الإثني.

• الفصل بين الدولتين يكون أساسًا سياسيًا، وليس جغرافيًا - ديمغرافيًا. وتبعًا لذلك، يمكن الحفاظ على وحدة البلاد.

• من يبقى من المستوطنين داخل حدود الدولة الفلسطينية يكون مواطنًا إسرائيليًا مقيمًا إقامة دائمة في دولة فلسطين وخاضعًا بالتالي لقوانينها وإجراءاتها.

• العودة الحرة للاجئين الفلسطينيين، بعد تعويضهم، إلى الدولة الفلسطينية. أما اللاجئون الذين يختارون العودة إلى إسرائيل بعد التعويض، فيكونون أساسًا مواطنين فلسطينيين مقيمين إقامة دائمة في إسرائيل.

• تكون مدينة القدس (بعد إعادة تحديد منطقة نفوذها) عاصمة للدولتين وتحت السيادة المشتركة لكلتيهما.

• تتشارك الدولتان في تلك الأمور التي يتعذر أو لا يجدر تقسيمها.

• احترام ارتباط مواطني الدولتين بالبلاد أو بأي أجزاء منها أو مكان فيها، وكذلك احترام حقهم في التنقل والعمل والإقامة في أي مكان يشاؤون؛ وهكذا...

يتضح من المبادئ أعلاه أن مبادرة "دولتان، وطن واحد" تضعنا في منتصف طريق غير مسدود باتجاه الدولة الديمقراطية الواحدة، ولكنها لا تلزمنا مسبقًا بذلك الحلم - الهدف. وهي، في اعتقادي، وسط ذهبي (بلغة أرسطو) بين "رذيلة" معظم حلول الدولتين المرفوضة فلسطينيًا، و"رذيلة" جميع حلول الدولة الديمقراطية الواحدة المرفوضة من قبل الغالبية الساحقة من الإسرائيليين اليهود. غني عن القول إن أي حل وسط، حتى لو كان ذلك الوسط ذهبيًا، ينطوي على تنازلات غير سهلة.

أما السؤال الكبير الذي علينا، نحن الفلسطينيين، الإجابة عليه فهو التالي: هل نحن مصرون وقادرون على هزيمة إسرائيل الصهيونية (أنصار الدولة الديمقراطية الواحدة من هذ النوع أو ذاك)، أم نحن مستعدون للتصالح والتعايش معها بعد، أو بشرط، تقليم أظافرها (أنصار مبادرة "دولتان، وطن واحد"، مثلا)؟ علمًا أن الإجابة على هذا السؤال الكبير تحدد، إلى حد بعيد، أنماط النضال وهوية الحلفاء والأعداء وأنواع المطبات على الطريق.

التعليقات