20/08/2020 - 21:25

الاتفاق الإسرائيلي مع الإمارات... اختراق يهدد الدومينو العربي بالانهيار 

تكمن أهمية الاتفاق الإسرائيلي - الإماراتي في كونه اختراقًا من شأنه أن يقود إلى انهيار "الدومينو" الخليجي بشكل خاص، والعربي الرافض لإسرائيل، وصياغة شرق أوسط جديد، لا تشكل فيه القضية الفلسطينية ناظمًا لتحالفاته الإقليمية، وتحتل فيه إسرائيل دورًا محوريًا في

الاتفاق الإسرائيلي مع الإمارات... اختراق يهدد الدومينو العربي بالانهيار 

إحراق صورة ترامب وبن زايد ونتنياهو في نابلس (أ ب)

تكمن أهمية الاتفاق الإسرائيلي - الإماراتي في كونه اختراقًا من شأنه أن يقود إلى انهيار "الدومينو" الخليجي بشكل خاص، والعربي الرافض لإسرائيل، وصياغة شرق أوسط جديد، لا تشكل فيه القضية الفلسطينية ناظمًا لتحالفاته الإقليمية، وتحتل فيه إسرائيل دورًا محوريًا في السياق العربي.

بهذا المعنى، اعتبر أحد الكتاب الإسرائيليين أن بنيامين نتنياهو يلعب في هذا المقام دور شمعون بيرس مصمم شعار "الشرق الأوسط الجديد"، الذي طالما سخر منه نتنياهو وقاومه، فيما يقول زلمان شوفال، سفير إسرائيل الأسبق في واشنطن، إن نتنياهو بخلاف رابين وبيرس يعمل من أجل فرض سلام بحكم الأمر الواقع بتأييد من قسم كبير من العالم العربي والأسرة الدولية، واستنادًا الى مقولته هو، "سلام مقابل سلام" وليس الأرض.

يترافق هذا التحول مع تبدلات جذرية في الشرق الأوسط، في مقدمتها انتقال مراكز القوى الإقليمية التقليدية من القاهرة ودمشق وبغداد – في غمرة الحروب الأهلية وتفكك الدولة وانهيار الاقتصاد – إلى محيط الخليج الفارسي.

وقد تضاءل كما يقول ميخائيل ميلشطاين من معهد السياسة والإستراتيجية الإسرائيلي، في أعقاب الربيع العربي تأثير تلك الدول التي قادت العالم العربي على مدى عقود عديدة وتفاخرت بلقب "القوى الثورية والتقدمية"، في المقابل صعد نجم إمارات النفط التي وقفت على مدى سنوات طويلة في هوامش العالم العربي (خاصة في ما يتعلق بالنزاع العربي – الإسرائيلي)، واقتصر دورها على الدعم الاقتصادي للأنظمة العربية السائدة وللفلسطينيين.

ويأتي الاتفاق مع إسرائيل، على حد قوله، لتثبيت المكانة القيادية للإمارات المتحدة في المجال العربي، وفي نطاق التعاون الوثيق مع حليفيها المركزيين، السعودية ومصر، اللتين تشاركانها في الرؤية المتعلقة بصورة المنطقة، وفي تعريف التهديدات والفرص الكامنة فيها، والتمييز بين الأصدقاء والشركاء الإستراتيجيين وبين الأعداء.

وتشارك في هذا "المعسكر الثلاثي"، وفق ميلشطاين، معظم دول الخليج باستثناء قطر والأردن، ويحظى بتأييد دول شمال أفريقيا والسودان، ويقوم على ثلاثة مبادئ أساسية تتمثل في تشخيص مشترك للأعداء، وعلى رأسهم إيران وحلفاؤها في معسكر المقاومة و"المعسكر الشيعي"، وفي تعريف مشترك للولايات المتحدة كسند إستراتيجي أمام الأخطار الخارجية، وخصوصًا ما يعرف بالخطر الإيراني، وفي دحر الموضوع الفلسطيني إلى هوامش جدول الأعمال الإستراتيجي - القومي والإقليمي - واتخاذ موقف أساسي إيجابي تجاه إسرائيل كلاعب أساسي في إطار الصراع ضد إيران.

في السياق ذاته، عزا البروفيسور والدبلوماسي الإسرائيلي، داني رابينوفيتش، مبادرة الإمارات لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، إلى رغبة الإمارات في تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية ونسج تحالف ضد إيران وتقوية موقعها الإقليمي كحام للفلسطينيين في وجه الجناح المتشدد في حكومة إسرائيل، مشيرًا إلى أن هذا التوجه الجيوسياسي قد يشكل مسارًا للبحرين وعُمان وربما السعودية أيضًا.

ويشير رابينوفيتش إلى البعد الاقتصادي للاتفاق المتمثل بالانقضاء المبكر لحقبة النفط، لافتا إلى ان دول الخليج تضخ 30% من إنتاج النفط العالمي، وأنه يشكل 90% من مدخولاتها ويوفر لمواطنيها ناتجًا قوميًا من الأعلى في العالم، إذ يشكل الناتج القومي للفرد في الإمارات السابع في العالم وبقيمة 70 ألف دولار سنويًا، بعد أن سجل ارتفاعا بـ140% منذ القفزة التي حدثت في أسعار النفط في السبعينيات من القرن الماضي، فيما ازداد الناتج القومي السعودي بـ50 ضعفًا، وللمقارنة فإنه في ألمانيا ازداد بـ14 ضعفًا فقط.

وللمقارنة، يورد الباحث الإسرائيلي أنه عندما تم تعبيد شارع الإسفلت الأول في الإمارات عام 1966 كان في الدولة ألف سيارة فقط، في حين يبلغ عدد السيارات اليوم ثلاثة ملايين ونصف، فيما يقترب عدد الطائرات الخاصة من عدد السيارات التي كانت بحوزتها عام 1966، في حين تبلغ كمية الطاقة التي يستهلكها "موقع التزلج" الكائن في قلب دبي ما يستهلكه مليونين من المواطنين السودانيين سنويًا.

ولعل وهج المال والثروة والثراء هو ما يخطف أبصار الإسرائيليين، ويجذبها باتجاه الإمارات وغيرها من دول الخليج، ويجعل تطبيع العلاقات الاقتصادية والسياسية على قدر كبير من الأهمية بالنسبة لإسرائيل، علمًا أنها لم تكن يومًا "دولة عدو" بالمعنى الفعلي للكلمة، بل أن بعضها ومنها الإمارات أقام علاقات سرية وشبه علنية معها منذ عشرات السنين.

أما المفارقة، فتكمن في أن إسرائيل التي استخدمت في الخمسينيات والستينيات "دول المحيط"، تركيا وإيران، لفك العزلة المفروضة عليها والتخلص من تهديد العالم العربي لها في حينه، تستخدم اليوم أهم الدول العربية في مواجهة دول المحيط تلك التي تحولت إلى إهم قوتين إقليميتين، أي إيران وتركيا.

ويرى البروفيسور الإسرائيلي، دان شفطان، أنه فضلا عن المساهمة الدبلوماسية والإمكانية العظيمة للتعاون الاقتصادي الذي يفتحها الاتفاق مع الإمارات، فإن الحديث يدور عن إنجاز إقليمي دراماتيكي، إذ إن هذا الاختراق الذي يحظى بمباركة مصر، يؤطر المحور الإستراتيجي لإسرائيل ومصر والسعودية والأردن (رغم امتعاضه الزائف لأغراض داخلية، حسب تعبيره) والبحرين وعُمان - وفي سياق آخر اليونان وقبرص أيضًا - ضد نظامي إيران وتركيا الراديكاليين، حسب تعبيره.

ويتفق جميع شركاء هذا المحور، كما يقول شفطان، على أن إيران وتفرعاتها و"الإخوان المسلمين" وزعيمهم إردوغان، أعداء، فالإمارات لا تقاتل ضد إيران وفروعها في اليمن فحسب، بل ضد إردوغان أيضًا، وضد المليشيات التي جلبها إلى ليبيا والتدخل التركي العسكري الداعم لأعداء السيسي في الحدود الغربية لمصر، حسب تعبيره، كما يعرضون "الإخوان" النظام المصري والنظام الأردني للخطر، وبقلق عميق، ترى مصر واليونان وقبرص وإسرائيل محاولات إردوغان تثبيت هيمنة تركيا في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، كما كتب شفطان.

ولكن حتى برج خليفة لا يستطيع إخفاء واقع الأبرتهايد الذي تمارسه ضد الفلسطينيين، كما كتب أحد الحقوقيين الإسرائيليين، وأن "اتفاقية السلام" مع الإمارات ستفشل مثل سابقاتها في محاولة تجاوز القضية الفلسطينية والالتفاف عليها، والمقصود اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها مناحيم بيغن مع مصر واتفاقية وادي عربة التي وقعها إسحاق رابين مع الأردن، ولم تشترطا أيضا إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية الأخرى.
إلا إن نتنياهو، كما يقول الحقوقي الإسرائيلي ميخائيل سفارد، هو أول رئيس حكومة إسرائيلي يلوح بعدم حل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين كإنجاز سياسي، ويحاول أن يثبت من خلال الاتفاق مع الإمارات أنه بالإمكان تطبيع العلاقات مع دول كثيرة في الشرق الأوسط، في موازاة الاستمرار في احتلال شعب عربي آخر، إذ يتم التوقيع بالأيدي على الوثائق، في حين يداس على حنجرة الفلسطينيين بالأرجل، ويمكن القيام بالأمرين في الوقت ذاته، على حد تعبيره.

والغريب في الأمر، أن من يقدمه الزعماء العرب مجانًا لإثبات ذلك ويمكنونه من مواصلة الدوس على حنجرة الفلسطينيين حتى الاختناق، يلفقون ذلك تارة بمنع "الضم" وطورًا بصفقة سلاح أميركية لن تخرج إلى حيز التنفيذ، وبتهديد إيراني وهمي غير موجود سوى في عقولهم المريضة، وفي الحقيقة أن ما يحركهم هي مصالحهم التي باتت مرتبطة عضويًا بالتحالف الأميركي – الإسرائيلي، والذي يسعى لتكريس وضعيته في المنطقة إلى التخلص من القضية الفلسطينية وطي ملفها.

هذا التوجه يتجاهل واقع الحال الفلسطيني، الذي هو، على حد قول الحقوقي الإسرائيلي، أقوى من كل عمليات التطبيع، ولن تنجح كل أنظمة تتبع معارضي النظام التي ستبيعها إسرائيل للديكتاتوريات في منطقتنا، وكل عمليات التسوق التي سيقوم بها الإسرائيليون في المجمعات التجارية في دبي، في إخفاء جريمة الأبرتهايد التي يجري ارتكابها تجاه الشعب الفلسطيني، وفرض الدونية على الفلسطينيين بكل الطرق، وتطوير تفوق يهودي، وتأسيس حياة خالية من الحقوق لملايين الأشخاص، وقمعهم بالقوة وحرمانهم من كل موارد وطنهم.

وإن كانت هذه السياسة تبدو أقل بريقًا من الاحتفالات في حدائق البيت الأبيض، فهي تشكل محركًا قويًا لتغيير تدريجي، لكنه مستمر ودراماتيكي بالنسبة لإسرائيل، وخصوصًا في المجتمع المدني الدولي، وتدريجيًا أيضًا لدى زعماء سياسيين وحتى في تجمعات يهودية كثيرة في العالم، رغم محاولات قمعها بواسطة اتهام أطرافها باللاسامية.

إلى جانب واقع الأبرتهايد الذي لن يخفيه برج خليفة عن أنظار العالم، فإن الاتفاق وتبعاته، هو إلى جانب كونه فرصة اقتصادية تفتح أسواقًا جديدة أمام الشركات الإسرائيلية، وترسخ التعاون رسميًا في مجالات البحث والطب والحواسيب وإنجاز سياسي يحمل في طياته إمكانية كامنة لاتفاقات سلام مع دول عربية أخرى، مثل البحرين وعُمان والسعودية، فإنه يضع، كما يقول محلل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس"، تسفي برئيل، إسرائيل على محور الدول المتورطة عسكريًا وسياسيًا في الحروب والعمليات التي تجري في الشرق الأوسط، وهذا يضعها أيضًا على لوحة الاستهداف.

في المقابل، فإن الاطمئنان الإسرائيلي لعزل الفلسطينيين، لا يمكن أن يخفي "الفيل الكبير" الذي يربض في الضفة والقطاع، على حد تعبيره، وكما لم تفلح اتفاقات السلام مع مصر والأردن في منع اندلاع الانتفاضات الفلسطينية ولم تجلب التهدئة لقطاع غزة، هكذا سيكون حال الاتفاق مع الإمارات أيضًا.

التعليقات