14/09/2020 - 16:33

إسكات البرلمان في الهند

كل هذا يجب أن يُـفضي عادة إلى انعقاد جلسة برلمانية نشطة. لكن المجلس التشريعي ذاته سيجتمع في ظروف غير طبيعية ومرهقة، وهو ما ينعكس في التدابير الاستثنائية التي أعلنت قبل انعقاد الجلسة.

إسكات البرلمان في الهند

البرلمان الهندي (أ ب)

ينشر "عرب ٤٨" مقالا مترجما في إطار التعاون مع "بروجيكت سنديكيت".


بعد توقّف دام قرابة ستة أشهر، من المقرر أن يعود البرلمان الهندي إلى الانعقاد في منتصف شهر أيلول/سبتمبر، في وقت يشهد أزمة وطنية متفاقمة الحدة. لكن أخشى ما أخشاه هو أن يكون البرلمان غير قادر على محاسبة حكومة البلاد الفاشلة.

الواقع أن البرلمان ملزم بالاجتماع الآن لأن دستور الهند يقلّص البعد بين الجلسات إلى ما لا يتجاوز ستة أشهر، وبسبب جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) اضطر البرلمان إلى تعليق جميع جلساته منذ آذار/مارس. ومع ارتفاع الإصابات إلى 4.5 مليون حالة حتى الآن، أصبحت الهند الآن ثاني أكثر بلدان العالم تضررا بالجائحة بعد الولايات المتحدة، متجاوزة البرازيل وروسيا.

علاوة على ذلك، تواصل معدلات الإصابة الارتفاع، وخاصة في المناطق الريفية حيث لم تمدد السلطات إجراءات الاختبار بالقدر الكافي في وقت سابق. ما يدعو إلى التفاؤل هو أنّ معدل الوفيات نتيجة للإصابة بكوفيد-19 يظل منخفضا نسبيا، عند مستوى 55 وفاة لكل مليون شخص، وهذا يمثل 1% فقط من الوفيات بين جميع أسباب الوفاة.

ولكن إذا لم تكن الخسائر في أرواح البشر مرتفعة، فإن خسارة سبل العيش كانت هائلة بسبب عمليات الإغلاق القاسية وغير الفعّـالة التي بدأت في آذار/مارس. وقد انهار الناتج المحلي الإجمالي بنحو 23.9% على أساس سنوي في الفترة من نيسان/أبريل إلى حزيران/يونيو، ما يجعل الهند الدولة صاحبة الاقتصاد الرئيسي الكبير الأسوأ على مستوى العالم. كما أصبحت البطالة شائعة مع فقدان نحو 21 مليون وظيفة بأجر خلال الجائحة، فضلا عن ملايين أخرى من الوظائف في القطاع غير الرسمي، وخاصة بين عمال المياومة، الذين أصبحوا الآن عاجزين عن تدبير نفقاتهم اليومية. كما أُغـلِـقَـت المؤسسات الصغيرة والمتناهية الصِـغَـر في مختلف أنحاء البلاد. أما الملايين من العمال المهاجرين، الذين ساروا إلى ديارهم في يأس أثناء الإغلاق، فقد وجدوا أنفسهم في حال أسوأ في اقتصادات قراهم الأصلية الراكدة.

تبدو حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي عاجزة تماما عن وقف الانهيار الاقتصادي، وكأنها أصيبت بالشلل نتيجة لتدهور المؤشرات في مختلف القطاعات. وقد تبين أن التحفيز المالي الذي استُـقـبِـل بضجة إعلامية ضخمة كان أقل من عُـشـر الحجم الذي ادعاه مودي، وفشل في تخفيف حِـدة الضائقة على مستوى البلاد. كما أصبحت الميزانية التي جرى إقرارها قبل عمليات الإغلاق مباشرة في حالة يرثى لها، واتضح أن كل افتراضاتها كانت في غير محلها.

وكأن كل هذا لم يكن سيئا بالقدر الكافي، فإذا بأزمة كبرى تندلع على حدود البلاد المتنازع عليها مع الصين، حيث قُـتِـل 20 جنديا هنديا بوحشية في حزيران/يونيو على مرتفعات الهيمالايا الجليدية في إقليم لاداخ. ولم يُـتَـرجَـم الحديث حول وقف إطلاق النار إلى انسحاب القوات، بل أرسل الجانبان تعزيزات إلى خط السيطرة الفعلية الهش الذي يفصل بين قوات الطرفين. وهذا الأسبوع، أعلن وزيرا خارجية البلدين عن اتفاق جديد لوقف إطلاق النار، ولكن يتبقى لنا أن نرى ما إذا كان هذا ليتحقق بالفعل.

من ناحية أخرى، صعدت باكستان سلوكياتها العدائية عبر الحدود في كشمير، التي تغلي بالاضطرابات بعد الحملة القمعية التي شنتها حكومة مودي العام الماضي. ويخشى كثيرون على نحو متزايد أن تواجه الهند حربا على جبهتين قبل نهاية العام.

كل هذا يجب أن يُـفضي عادة إلى انعقاد جلسة برلمانية نشطة. لكن المجلس التشريعي ذاته سيجتمع في ظروف غير طبيعية ومرهقة، وهو ما ينعكس في التدابير الاستثنائية التي أعلنت قبل انعقاد الجلسة. فلا يجوز لأي عضو في البرلمان دخول المبنى دون شهادة فحص لم يمر عليه أكثر من ثلاثة أيام قبل موعد الجلسة تثبت أنه غير مصاب بمرض فيروس كورونا 2019. وفي الداخل، ستطبق قواعد التباعد الاجتماعي في الغرف الضيقة عادة، مع توزيع أعضاء البرلمان على مختلف مقاعد مجلسي النواب والشيوخ وصالات الزوار.

نتيجة لهذا، سيتناوب المجلسان الاجتماع لمدة نصف يوم لكل منهما في جلسات تستمر لمدة أربع ساعات بدلا من الساعات الست المعتادة، وعلى مدار أيام الأسبوع السبعة بدلا من الخمسة التقليدية. الأمر الأسوأ من ذلك هو أن الحكومة ورؤساء الجلسات قرروا نظرا لضيق وقت الجلسات الاستغناء عن ساعة الأسئلة، التي تُـعَـد الفرصة الوحيدة لأعضاء البرلمان للمطالبة بإجابات غير مكتوبة من الوزراء حول مجموعة متنوعة من المواضيع. (في الاستجابة للاحتجاج، وافقت الحكومة على قبول أسئلة مكتوبة قبل أسبوعين، والتي سيقدم الوزراء حولها إجابات مكتوبة).

يُـعَـد تعليق ساعة الأسئلة استجابة نموذجية من الحكومة التي تمقت استجوابها. لم يعقد مودي مؤتمرا صحافيا واحدا في الهند في السنوات الست التي قضاها في منصبه، ومن المعروف عنه أنه لا يمنح موافقته على المقابلات إلا عندما تنال الأسئلة موافقة مسبقة. والمحتجون الذين يشككون في قدرة الحكومة في الشوارع متهمون بالتحريض على الفتنة، في حين يندد بالمنتقدين باعتبارهم معادين للوطن. على سبيل المثال، أدين محام بارز نشر تغريدة على موقع تويتر تفيد اعتراضه على قرارات صادرة مؤخرا عن المحكمة العليا بتهمة الازدراء الجنائي. ومؤخرا، ركزت وسائل الإعلام الرئيسية، بعيدا عن استجواب الحكومة في ما يتصل بأدائها، على التفاصيل المروعة لانتحار أحد ممثلي بوليود ونظريات المؤامرة التي تدور حول هذه الواقعة.

في الوقت ذاته، تتعثر الحكومة وتحاول إخفاء عجزها بمجموعة متنوعة من ألاعيب العلاقات العامة المثيرة، بما في ذلك صورة غريبة حديثة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي وهو يطعم طيور الطاووس في حديقته. وكان الإنكار هو الرد الرسمي على الفشل، كما كانت الحال مع ادعاء مودي مؤخرا بأن الهند لم تخسر أي أرض لصالح الصين، على الرغم من صور الأقمار الصناعية والأدلة على الأرض التي تشير بوضوح إلى خلاف ذلك.

تلقفت الصين هذا التصريح بكل سرور لنفي تعديها على أكثر من ألف كيلومتر مربع من الأرض. ولم يكن قادة الصين أول من يدرك إمكانية الإفلات بأي فعلة مع هذه الحكومة الهندية، ما دام مودي قادرا على ادعاء النصر في الداخل.

وبناءً عليه، فإن البرلمان يجب أن يضطلع بوظيفة بالغة الأهمية، لكن العديد من أعضاء البرلمان يخشون أنه سيكون عاجزا عن القيام بهذه الوظيفة. فسوف تستخدم الحكومة أغلبيتها الساحقة لإقرار ما تشاء من مشاريع القوانين، وخاصة تلك التي تقضي بتحويل عشرات المراسيم أو الأوامر التنفيذية الصادرة خلال الأشهر الستة الأخيرة إلى قوانين، بينما تتجنب مناقشة القضايا المهمة.

كان ميلُ الحكومة إلى استخدام أغلبيتها كختم موافقة واضحًا بالفعل في الدورات السابقة. وقد تختصر هذه الدورة عند ظهور أي علامة تفيد إصابة أحد أعضاء البرلمان بكوفيد-19 ــ توفي عضو واحد في البرلمان بسبب هذا المرض منذ مارس/آذار.

الواقع أن هذه التدابير الظاهرة التي تفرضها الجائحة ــ أقنعة الوجه، والتباعد لمسافة أكبر بين أعضاء البرلمان، وشاشات التقسيم البلاستيكية ــ قد لا تشكل في حد ذاتها كل أوجه الاختلاف في هذه الدورة البرلمانية. وأخشى أن تختصر أعلى هيئة تشريعية في ديمقراطيتنا في لوحة إعلانات لقرارات الحكومة. إن الأمر ينطوي على مخاطرة حقيقية تتمثل في ضياع روح الحوار والمناقشة والاختلاف والمداولة، في حين تحترم الهند الشكليات الظاهرية للعملية البرلمانية.


ترجمة: إبراهيم محمّد علي

شاشي ثارور شغل سابقا منصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، ومنصبي وزير الدولة للشؤون الخارجية ووزير الدولة لتنمية الموارد البشرية في الهند، وهو عضو البرلمان عن حزب المؤتمر الوطني الهندي.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.


www.project-syndicate.org

التعليقات