17/11/2020 - 16:36

القاتل واحد منّا...

ربيع، قاتل طليقته من عرابة البطوف هو واحدٌ منا، هو ليس غريبًا عنا، إنه يشبهنا في ملامحه أولا، وفي أهوائه وممارساته السياسية وفي هواياته، إنه إنسان يعتز ببناته وأبنائه ويحبّهم

القاتل واحد منّا...

من المكان الذي نُفذت فيه الجريمة بعرابة

ربيع، قاتل طليقته من عرابة البطوف هو واحدٌ منا، هو ليس غريبًا عنا، إنه يشبهنا في ملامحه أولا، وفي أهوائه وممارساته السياسية وفي هواياته، إنه إنسان يعتز ببناته وأبنائه ويحبّهم، هكذا تخبرنا صفحته في "فيسبوك"، حيث نرى صور أطفاله أكثر من مرة، ومن الواضح أنه يعتز بهم ويحبهم، ولم يرد لهم أن يعيشوا أيتامًا، أو بغياب الأب في السجن.

واضح أن ربيع كناعنة لديه نفس المشاعر الوطنية التي تحرّك أكثرنا، فقد نشر في صفحته صورة لمحمد الدرة وكتب "جريمة قتل محمد الدرة تعود على نفسها".

وله صورة انتشرت منذ ارتكاب جريمته وهو على صهوة حصان أو فرس رافعًا علم فلسطين، وهذا ما كان يُنظر إليه باحترام من الجميع، وأما "بروفايله" فقد زيّنه بعبارة "إلا رسول الله" مثل ملايين المسلمين في العالم.

ماذا يعني وجود ملايين ومئات الملايين من عرب ومسلمين، مثل ربيع؟ ربيع هو أنا وأنت وأصدقاؤنا وجيراننا وزملاؤنا في العمل.

هذا يعني أن الظرف الذي جعل من ربيع مجرما قد يوصل الكثيرين منا للنتيجة نفسها أو لشبيهة لها، أو على الأقل أن يفكروا بتنفيذها.

لا يستطيع أحد أن يزعم بأنه خارج دائرة العنف، فربيع لم يأت من كوكب آخر، ولا من تل أبيب أو مسغاف، ربيع جاء من طينة مجتمع عرابة البطوف التي تمثل نموذجًا طيّبا لمجتمعنا، البلد المعروف بكثرة متعلّميه وحملة الشهادات العليا، ولكن هذا لم يمنع الجريمة.

ربيع الذي يبدو أنه مطلّق لأسباب لا نعلمها، يبدو أنه لم يصمد أمام الضغط الذي يمارسه هذا المجتمع المريض، والذي يحرّض الزوج على زوجته والشقيق على شقيقته والابن على والدته والطليق على طليقته.

هذا المجتمع المريض هو الفاشل فشلا جماعيًا وليس ربيع وحده، فالمجتمع الذي يتسلى بالحديث عن قصص الناس وخصوصياتهم، ولا يتردد في تداول سير الناس بالسوء والهتك، والذي ينظر بِهزءٍ إلى الرجل إذا ما وقع في مشاكل زوجية، أو مشاكل عائلية، فلا يرحم زوجًا أو طليقة أو أطفالا ولا يرحم ذوي الأسرتين، هذا المجتمع الوطني والمتعلم، هو نفسه الذي يتداول قصص الناس ومشاكلهم الاجتماعية بخفّة واستهتار وتسلية، وينتظر زلة من إحداهن كي يتناولها بألسنة حداد، ويصنّف الناس؛ فهذا شريف وذاك حقير، وهذا طاهر وعفيف وتلك منحلّة، و"ولا حدا غادر لها، ودايرة على حل شعرها"، هو نفسه المجتمع الذي يتباكى على المرأة بعد وقوع الجريمة، ولو بحثنا لوجدنا أن الحلقات القريبة من القاتل هي أكبر محرّض له على ممارسة العنف، قد يكون بصورة مباشرة أو بالتمليح، في الحيز العام والخاص.

ففي الدواوين نستمع إلى كلام مثل أن الرجال باتوا عاجزين أما نسائهم، وأن الرجال نامت والنسوان قامت، وأن بيوتنا خربت منذ تولت النساء أمورها، وأن مقياس الرجولة هو بمدى سيطرة الرجل ولو بالقوة والعنف على زوجته!

وهو المجتمع الذي يقول عن فلان بأنه رجل حقيقي لأنه صفع زوجته وأخرسها، أو قال لها "يلا خذي أغراضك وانقلعي إلى أهلك "، وهو المجتمع الذي يعتبر الهاربة من عنف زوجها منحرفة، وأن الشريفة تتحمل عنف رَجُلها لأجل بيتها وأولادها، بينما يغفل عنف الرجل وشططه، بل يرى به البعض فحلا، وفي أسوأ الأحوال يعتبرونه عصبيًا ولا حاجة للعمل من الصفعة والرفسة قضية كبيرة.

وهو المجتمع الذي يبيح للرجل كل الموبقات ويتغاضى عنها ثم يضعه في مراتب اجتماعية عالية، ولكنه يقف للمرأة على حافة زلّة واحدة كي يستبيحها هي ومن ربّاها ويبرر ضربها وتعنيفها، ولكن عندما تقع جريمة القتل نرى الجميع يتحدث عن المسكينة التي ظُلمت، وعن المجرم الذي لا رحمة في قلبه، والجميع يتحدث عن المجتمع وكأن المجتمع هو كائن غير هؤلاء البشر.

المجرم هو المجتمع الذي يكيل بمكيالين، فيطالب المرأة بامتصاص كل عاهاته بلا تذمّر، وإذا تذمرت أو شكت أمرها لأي جهة كانت، اعتبرها متمرّدة، وفاقدة للأصالة، وذلك أن الأصيلة تتحمل ولا تشكو.

هذا المجتمع هو أنا وأنت، هو عائلاتنا وأصدقاؤنا ورفاقنا وزملاؤنا في الحارة ونادي الحزب والمسجد. العنف في المجتمع العربي بات فوق قدرة المكاتب والعاملين الاجتماعيين على الاستيعاب، فالمشاكل الاجتماعية تضاعفت عشرات المرات، وسوف يزداد الأمر سوءًا في السنوات القادمة، لأن المشاكل مرتبطة كلها بعضها ببعض، السياسية والاقتصادية والتربوية، والفقر المادي والفكري ودور السلطة في الإهمال، وأهم شيء دور المجتمع، ولن يتحسّن وضعنا ما لم يذوّت كل واحد منا بأنه سيتحمل مسؤولية شخصية في كبح جماح العنف وخصوصًا الممارَس ضد النساء، وذلك بتربية الأجيال الصاعدة على المساواة بين الإبنة والابن، في كل مستويات الحياة، وليس في واحدة دون أخرى، وعلى تنمية روح الحوار واحترام الآخر في مشاعره وجسده وكل خصوصياته، وتحريم العنف مهما كان بسيطا تجاه أي طرف كان.

التعليقات