24/11/2020 - 17:01

من حقّ نسائنا الحياة!

القيادة السياسة مطالَبة أكثر من أي وقت مضى من أجل أن تتبنى القضية كأولوية من أجل إحداث تغيير، إذ لا يمكن التحرّر والنهوض بمكانتنا السياسية بمعزل عن مشروع سياسي اجتماعي متكامل يضمن الأمن والأمان الشخصي لنسائنا، بل حياة كريمة وضمان

من حقّ نسائنا الحياة!

الصورة توضيحية (من الأرشيف)

يأتي اليوم العالمي لمناهضة كافة أشكال العنف ضد النساء في عام 2020، وقلوبنا مُثقلة بسبب ما يحدث من استباحة لدماء نسائنا. بيوتنا وبلداتنا لم تعد آمنة لهنّ، ولا الحيّز الخاص ولا العام كذلك، وأصبحت قضية تعنيف المرأة تسيطر على خطاب مكانة المرأة العام بدل أن يكون في عصرنا منصة من أجل تعزيز الدور المجتمعي وتقاسُم الأدوار في ظل مجتمع فلسطيني يُحاصَر من الاحتلال ومن سياسات النيّل من استقرار المجتمع وتطويره واستقلاله.

إن هذه القضيّة ليست شخصيّة بل سياسية ووطنية، انطلاقا من أن الشخصي هو سياسي وعام. ولا تقتصر هذه القضية على نساء بحالات فردية ومؤسسات وقيادات نسوية تناضل من أجلها، بل يجب أن تتحول إلى قضية شعب كامل يناضل من أجلها بجهود مكثفة من الحراكات الوطنية والسياسية والنسوية والاجتماعية.

القيادة السياسة مطالَبة أكثر من أي وقت مضى من أجل أن تتبنى القضية كأولوية من أجل إحداث تغيير، إذ لا يمكن التحرّر والنهوض بمكانتنا السياسية بمعزل عن مشروع سياسي اجتماعي متكامل يضمن الأمن والأمان الشخصي لنسائنا، بل حياة كريمة وضمان الحريات الشخصية الكاملة لهنّ وللجميع.

وما يزال انعدام وجود مشروع اجتماعي سياسي يضمن العدالة للجميع سبب أساسي في تعميق حالة الفوضى واللا جدية في التعاطي مع قضية العنف والجريمة بحق نسائنا، بالتالي هنا تقع مسؤولية المجتمع في مواجهة تقاعس أجهزة الشرطة والقضاء ومسؤولية تحويل القضية إلى رأي عام وإلى أجندة العمل السياسي وعدم التعامل مع هذه القضية الحارقة بشكل موسمي، إلى جانب مسؤولية المجتمع أمام نفسه بأن لا يشكّل حاضنة ودفيئة للمجرمين بيننا، كلّ من مكانه، بطاقات تربوية تجسّد العمل التربوي والثقافي في أوساط طلابنا وبين مراكز الثقافة إلى جانب النضال الشعبي السياسي الاجتماعي الذي يعمل من أجل تحرير المجتمع من ثِقَل معتقدات ذكورية تفرض سيطرة الرجال على النساء ضمن سياسة المفهوم ضمنا.

إن الطبيعة المتعددة الجوانب للعنف ضد المرأة توحي بضرورة إعداد إستراتيجيات مختلفة بحسب اختلاف مظاهر العنف والجريمة واختلاف الأوساط التي يحدث العنف فيها.

تحتاج هذه الإستراتيجيات النموذجية والتدابير العملية، على وجه التحديد، إلى بناء سياسة نشطة تتمثل في إدراج منظور النوع الاجتماعي والجنسانية ضمن المسار العام لجميع السياسات والمشاريع ذات الصلة بالعنف ضد المرأة، وفي تحقيق المساواة الجندرية حتى الوصول إلى العدالة، إضافة إلى تعميق التوازن في النوع الاجتماعي ضمن مجالات اتخاذ القرار ذات الصلة بالقضاء على العنف ضد المرأة.

وينبغي أن تُطَبَّق الإستراتيجيات النموذجية والتدابير العملية بوصفها مبادئ توجيهية بشكل يتوافق مع الصكوك الدولية ذات الصلة.

من هنا، يأتي سؤال؛ ما العمل؟ من أجل تذويت قيم إنسانية ثقافية تقودنا نحو العدالة، وبالتالي طرح واقع جديد مناهض لكل أشكال التمييز والعنف ضد المرأة.

وما شهدناه مؤخرا مع المغدورة وفاء عباهرة كان صعبا وقد كشف بصورة واحدة، العطل المؤسساتي وسياسات إسرائيل في التعامل مع العنف والجريمة بمجتمعنا وضد نسائنا بشكل خاص. قدرة وفاء الشخصية تجاوزتنا جميعا كمؤسسات وكمجتمع، كانت شجاعة لأنها أرادت الخروج من دائرة العنف والجريمة، لأنها كانت ترى هذه النهاية الصعبة والمؤلمة، وأرادت أن تحمي نفسها وأطفالها. وفاء لم تصمت أمام الظلم والتعنيف بل قرعت كل الأبواب وكشفت لنا أن هذه الدوائر المؤسساتية؛ الشرطة والقضاء، تتعامل باستعلاء واستهتار مع نسائنا ولا يمكن التقدم بهذه القضية إلا إذا غيرنا توجهنا وتعاملنا مع هذا الواقع الخطير وألزمنا إسرائيل بالتعامل بجديّة مطلقة في ملفات العنف والجريمة.

ندرك تماما علاقتنا مع الشرطة الإسرائيلية ومع المنظومة ككل، ولكن يجب فضح هذا التقاعس من خلال الضغط الشعبي، ويجب أن يكون التعامل مهنيا وليس سياسيا استعلائيا ذكوريا، وكذلك إن ما يحدث في المنظومة القضائية خطير جدا، وعلى وجه الخصوص رأينا الاستسهال في التعاطي مع المجرم من قِبل القاضي، وهل القضاة الذين يقفون على رأس المحاكم العائلية والشرعية شاركوا في استكمال حول حقوق المرأة وقضاياها وقضايا العنف ضد المرأة؟ يجب التقصي جيدا من هذا الأمر، وكيف تدار الأمور؟

بعد عشرات السنين من العمل النسوي الفلسطيني بمؤسساته ومدارسه المختلفة، استطاع أن يضع هذه القضية ضمن المشهد العام على أن تبقى في وعي وأذهان الجميع، وقد قطعت شوطا واسعا في تعميق مفاهيم نسوية اجتماعية قد تكون القاعدة الأساس في التعامل مع قضايا المرأة عموما، وانكشفنا من خلالها على التزامنا جميعا في النضال الشعبي والسعي قدما نحو العدالة الاجتماعية الكاملة. وحتى اليوم جميعنا ملزمون من أجل إحداث تغيير في عملنا التربوي والوطني والمدني.

ما تزال القضيّة بحاجة إلى عمل نضالي مكثف على كافة الأصعدة. نحتاج إلى إدراج القضية ضمن برنامج تربوي مخصّص للمدارس، ويجب أن يصبح موضوع التربية الجنسانية إلزاميًّا من رياض الأطفال حتى الثانوية، فالتربية مفتاح هام نحو مستقبل أفضل، ولكن لا يجب التخلي عن النضال الجماهيري في رفع الوعي والمسؤولية تجاه القضية. إضافة إلى دور المنصّات الرقميّة من أجل رفع منسوب الوعي، فالحيّز الرقمي لم يعد افتراضيا، بل أصبح يرسم واقعا كاملا، ضمن مضامين ومفاهيم عدة، ولها أهميّة كبرى من أجل إحداث التغيير المنشود.

نريد حياة كريمة للجميع، ومن حق نسائنا الحياة، من حقهن أن يعشن بعيدات عن دائرة العنف، الكلامي، والجسدي والجنسي والاقتصادي. قد نعود للحديث عن مسؤولياتنا في تحديد وتدعيم نساء معنفات ومن أجل ذلك يمكن التدقيق في التفاصيل، ولكن للحديث أيضا عن التعنيف الاقتصادي وهو بمثابة امتلاك كامل لكيان المرأة وقراراتها، ويسيطر الرجل على المنتج الاقتصادي الخاص، لذلك نرى أحيانا نساءً تعود لدائرة العنف فقط من باب الحاجة الاقتصادية الحرجة لها وهذا يجعلها مستمرة في دائرة الخطر.

كما يجب أن يكون لنا موقف ومسؤولية بمواجهة العنف الجنسي وعدم التستر عليه، إذ يجب كسر حاجز الصمت وفضح المتحرشين.

ولدت المرأة كما الرجل حرة ومتساوية في الحياة والحماية، ونريدها شريكة حقيقية في الحيّز الخاص والعام، وشريكة في جميع مستويات صنع القرار، ونريدها أن تحيا أيضا حياتها حرّة وآمنة.

التعليقات