07/02/2021 - 18:44

الانتخابات تحت حراب الاحتلال أفيون الشعوب

ولكن، وبفضل جرثومتي الأسلوة والأسلمة، أصبح الشعار الأكثر واقعية "الانتخابات تحت حراب الاحتلال أفيون الشعوب"، هو أفضل ما يعبر عن الواقع السائد في 18% من أرض فلسطين، مع خليط من حالة هستيرية جماعية، هوس غير واقعي، (وبارانويا) فصائلية.

الانتخابات تحت حراب الاحتلال أفيون الشعوب

من لقاء سابق بين عباس ومشعل

يتمحور الاهتمام هذه الأيام في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة حول الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة. وتدور صراعات تأخذ طابعًا أيديولوجيًا إقصائيًا أحيانًا، وآخر يجترّ إنجازات الماضي، ويتفاخر بنوستالجيا نضالية تصل حد الكافكاوية. في حين يحاول تيار آخر لمّ شمل القوى الستالينية المتبقية على الساحة، دون وجود روح ثورية تغييرية تتحدى الوضع الراهن. تتزامن هذه التحركات مع بروز واضح للتوجهات العشائرية التي تشكّل نقيضًا للعملية الديمقراطية برمتها.

ولكن، تبقى المنافسة الرئيسية محصورة بين برنامجين انتخابيين واضحين رغم محاولات التغطية، وكلاهما يميني. برنامج انتخابي يواصل سياسة التنسيق الأمني ويؤمن إيمانًا مطلقًا بدور المفاوضات، والتطبيع، والاعتماد على اقتصاد السوق، وسياسة نيوليبرالية تتبع روشيتّات البنك الدولي والدول المانحة الغربية، والتي تتطلّب عدم مقاطعة إلا بعض بضائع المستوطنات، وذلك بعد أن قامت دول الاتحاد الأوروبي نفسها بوسم - وليس مقاطعة تلك البضائع. وبرنامج آخر انعزالي، شيزوفريني، لا يرى أي إمكانية للتعايش مع أشكال المقاومة التي لا يسيطر عليها وفق نظرته الأيديولوجية الضيقة. وبالتالي، حصر المقاومة في حروب دفاعية لا تحمل أبعادًا تحريريّة، مع الانزلاق سياسيا في مستنقع أوسلو من خلال الانخراط في عملية انتخابية تحت حراب الاحتلال، وتشكيل سلطة شكلية لا تختلف عن المجلس الذي حكم جيتو وارسو، مع غلو محافظ في تطبيق قوانين اجتماعية وهّابية لا تأخذ التنوع الفكري والأيديولوجي للشعب الفلسطيني بعين الاعتبار. والحقيقة أن هذا البرنامج الانعزالي، الذي يروج لحماس، يعاني من حالة شيزوفرينيا؛ فتارة يتحدّث عن مآسي الحصار، وتارة عن "غزة الجميلة" وإنجازات المرحلة السابقة. أضف لذلك حالة من البارانويا تتمثل في انعزال كلّيٍ عن الواقع المعاش.

ما يثير الأسى الشديد في الدعوة للتوجه لصناديق الاقتراع ليس غياب الحقائق، بل الاستسهال وغياب المهنية وعدم احترام عقول الناس. أي أنّ النظرة الفوقية الحزبية في التعامل مع الجماهير هي السائدة على اعتبار أنّ سكان الضفة وغزة قطيع يمكن تحريكه بريموت كونترول أيديولوجي، أو من خلال التذكير بالراتب الذي يدفع من قبل فصيل حاكم. وللمرة الثالثة سيتم نسخ ولصق برامج تدعي أنها تقوم على أسس "المعايير المهنية، الكفاءات، الخبرات الأكاديمية، النزاهة، حسن السمعة، الحكم الرشيد، تحمل المسؤولية، ومواجهة الصعاب، وتلبية متطلبات الشعب الفلسطيني، المشاركة المجتمعية... إلخ"، مع أنّ الواقع المعاش بعد الدورتين الانتخابيّتين السابقتين يثبت عكس ذلك.

ولا يمكن إنكار إمكانية تدخّل منظومة الأبرتهايد والاستعمار في أي عملية انتخابية في الأراضي المحتلة حيث يبرز السؤال الأكبر، كيف يمكن لانتخابات تجري تحت حراب الاحتلال، وبالتنسيق معه، أن تكون "خطوة على طريق الوحدة والتحرير؟" في الواقع ما هي، وفي أحسن حالاتها، إلا محاولة لتحسين شروط الاضطهاد. وعليه فإن الانسحاب من المشاركة في ظل النظام السياسي الأوسلوي، المكبّل بقيود احتلال وأبرتهايد واستعمار استيطاني، يرسل رسالة قوية لصنّاع القرار.

إنّ الانسحاب من المشاركة في الوقت الراهن هو فعل سياسي رافض، لأنّ النظام الأوسلوي المهيمن على صناعة القرار لا يسمح بالتغيير الجذري، ولأنّ التجربة السابقة أثبتت فشل كل القوى السياسية الكلاسيكية في توجيه دفّة التحرير وما أقل من ذلك، وها هي تكرر نفس الأخطاء في الدعوة لانتخابات تحت حراب المحتل. ما كان يهيمن على المشهد السياسي في الفترة السابقة هو الغياب الكامل للمهنية في عمل نفس التيارات السياسية الحاكمة والمعارضة، فبالإضافة لعدم جدوى التوجه لصناديق الاقتراع تحت حراب الاحتلال، فإن جميع البرامج المطروحة ليست فقط غير مقنعة، بل تعمل على غسيل دماغ الناخبين.

إنّ الواقع المعاش في شطري البانتوستان الفلسطيني يرتبط ارتباطًا عضويا بالواقع السياسي، أي الاحتلال العسكري المباشر والحصار القروسطي الإبادي. وبالتالي، فإنّ غياب رؤية إستراتيجية سياسية واضحة كما كان الحال في النضال ضد النظام العنصري في جنوب أفريقيا والجزائر، مثلًا، وفي ظل الفشل اللامتناهي للحكومات الفلسطينية المتعاقبة بسبب امتلاكها برامج سياسية أوسلوية، مع غياب عنصر غاية في الأهمية منها، ألّا وهو أن العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين هي علاقة احتلال بمقاومة، مضطهِد بمضطهَد، بما يعنيه ذلك من العمل على تطوير أشكال المقاومة بدلًا من الهوس غير المنطقي بانتخابات. وفي ظلّ توسيع مفهوم المقاومة والنضال لإكسابهما أبعادًا شعبية كفاحيّة، فإنّه يتحتم العمل على إيجاد برنامج إجماعي يعمل على تحشيد الجماهير. برنامج يكون بالضرورة ديمقراطيًا في طبيعته، يحترم ويعطي المقاومة ضد أشكال الاضطهاد ثلاثية الأبعاد أولوية، ويضع نصب عينيه تحقيق السلام العادل بدون تنازل عن الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني بمكوناته الثلاث. فمحاولة رشوة مكوّن سكّاني، في الضفة أو غزة، على حساب مكوّن آخر تحت ادّعاءات ومسمّيات مثل "البرنامج المرحلي" و"الاستقلال الوطني" يجب أن تنتهي بلا رجعة. وعليه، فإنّ هذا البرنامج الضروري، في ضوء غياب الرؤية القيادية الإستراتيجية، يتحتّم عليه الربط بين النضالات الفلسطينية المتعددة من الاحتلال العسكري في الضفة وغزة، والذي، للأسف، أصبح العنوان الوحيد للنضال، وضد التمييز العنصري القبلي ضد فلسطيني عام 1948، والعمل على عودة اللاجئين وتعويضهم.

ولكن، وبفضل جرثومتي الأسلوة والأسلمة، أصبح الشعار الأكثر واقعية "الانتخابات تحت حراب الاحتلال أفيون الشعوب"، هو أفضل ما يعبر عن الواقع السائد في 18% من أرض فلسطين، مع خليط من حالة هستيرية جماعية، هوس غير واقعي، (وبارانويا) فصائلية.

التعليقات