09/02/2021 - 17:44

مرضٌ اسمُه التّعصُّب...

يعاني الكثير من البشر من مرض التعصّب، وهو مرضٌ يؤذي فيه المتعصبُ الآخرين في بدايته، ثم يؤذي من حوله وجماعته، لأنه ينتقل من حلقة بعيدة إلى حلقة أضيق وأقرب، حتى يتقوقع ويصبح انعزاليًا ومُكتئبًا ومؤذيًا لنفسه

مرضٌ اسمُه التّعصُّب...

النائبان منصور عباس وأيمن عودة (رويترز)

يعاني الكثير من البشر من مرض التعصّب، وهو مرضٌ يؤذي فيه المتعصبُ الآخرين في بدايته، ثم يؤذي من حوله وجماعته لأنه ينتقل من حلقة بعيدة إلى حلقة أضيق وأقرب، حتى يتقوقع ويصبح انعزاليًا ومُكتئبًا ومؤذيًا لنفسه.

عندما تقترب الانتخابات المحلية أو القُطرية، يُحبُّ كل منافس جمع أنصاره ليلتفّوا من حوله أو حول حزبه، أو القائمة الانتخابية التي يمثلها، ويرى بعضُ القادة أن أفضل الطُّرق وربما أسهلها لتوحيد جماعته، هي التحريض على المنافسين، أو بث الشّعور بخطر يحيق بمصالحها، وذلك لاستنهاض الهِمم والتجسير فوق التناقضات والخلافات الجانبية استعدادًا لمواجهة ما هو أخطر.

يرغب المتعصّب أن يظهر بمظهر البطل الذي يحمي جماعته، فهو المدافع الصنديد عنهم، فتراه يتطرّف ويتشدَّد أكثر فأكثر لإثارة إعجابهم، وسماع إطراءاتهم عليه، ويرفض المشاركة في التفاوض، أو في وقف الهجوم على الطرف الآخر، وتهدئة الخواطر وتنقية الأجواء، ويسعى لإفشال كل محاولة إيجابية، تقرّب القلوب وتطفئ نار الضغينة والحقد.

خلال هذه الفترة القصيرة التي تسبق الانتخابات تحدث إساءات كثيرة متبادلة، فكل فئة لديها متعصِبّوها الذين يهاجمون الآخرين من خلال صفحات الفيسبوك وغيرها، ومن المؤسف أن نرى سيلا من الشتائم والأوصاف البذيئة لهذا أو ذاك من أعضاء الكنيست العرب، أو لقادة لجنة المتابعة أو من السلطات المحلية، خصوصًا عندما نتابع التعقيبات على تسجيلات فيديو لهؤلاء الأعضاء، نرى أن معظمها بذيئة لا تمثل روح شعبنا، لا موقفًا ولا لغة ولا أخلاقًا، بعضها من حسابات واضحة وأخرى من حسابات غامضة المصدر.

وانقسمت المشتركة أو انشقت عنها قائمة، ومن الطبيعي أن يحاول كل طرف تحميل المسؤولية للآخرين، ورغم ذلك فإن إساءة طرف إلى الآخر تضر بالفريقين لأن هذا يجعل التخلّي عن الفريقين أمرًا سهلا، بحجّة أن كليهما لا يستحقان الدَّعم، وهناك من يتّخذها ذريعة للتصويت لأحزاب السُّلطة أو يمهِّد إلى ذلك، كذلك فهناك من سيتخذُّها ذريعة لعدم التصويت من أصله من غير قناعات أيديولوجية سابقة، وذلك بحجة تلقين الأطراف كلهم درسًا ومعاقبتهم وبحجة أننا منحناكم فرصة فكنتم خمسة عشر عضوًا ولكنكم لم تستغلوها بشكل مقنع.

عندما ينشغل كل طرف بتضخيم أخطاء الآخر، وكيل البذاءات له، فإن هذا حتمًا سينفّر الناس، فهل هذا يعني التخلي عن المنافسة؟ طبعا لا، ومن الطبيعي أن تكون منافسة على كسب الأصوات. في الواقع أن هناك خلافات فكرية، ويجب الاعتراف بها وتقديمها إلى الجمهور، الخلاف هو على طريقة التوجّه والتعامل مع السُّلطة، وفي كيفية استغلال منبر الكنيست لنيل الحقوق، هذا هو سبب الانشقاق وما من سبب آخر.

ما نراه الآن هو نهجان مختلفان وواضحان، وليس معركة كراسي كما يزعم البعض، وعلى الجمهور أن يقرّرَ أي النهجين يريد. كما يجب تركيز الحملة الانتخابية والترفُّع عن البذاءات، والعمل على رفع مستوى النقاش ليكون نقاشًا مبدئيًا حول رؤيتين مختلفتين.

واجبنا خلال هذه النقاشات أن نحافظ على أساسيات أخلاقنا، وألا نكيل التهم جزافًا للآخرين فكلنا ضحايا وليس بيننا جلادٌ وضحية. الحقوق لم تؤخذ ولا مرة عبر التاريخ عبر تملّق الجلاد، ولا تستعاد من يد ذلك الذي حرمك منها، من خلال الالتصاق به والتهادن معه.

واجبنا الأخلاقي ألا نقلّل من شأن تضحيات غيرنا، خصوصًا أولئك الذين دفعوا من أعمارهم ومن سعادة أسرهم ثمنًا باهظًا فسُجنوا أو استشهدوا أو طُردوا من أعمالهم، وأغلقت أبواب الرِّزق في وجوه بعضهم بسبب مواقفهم الوطنية التي يجب أن ينحني لها كل شريف، سواء كان يتفق مع الطريق الذي اختاروه لنضالهم أو لم يتفق.

لا شك أن قيادات الأحزاب ليست معنية بالتصعيد لأنه لن يصبَّ في مصلحتها، كذلك فإن من واجب أنصار هذه الأحزاب الوعي بأن انتخابات الكنيست ليست معركة موت أو حياة، ولا هي التي ستحسم مستقبلنا في وطننا، رغم أهمية وجود تمثيل لنا فيها في المنظور القريب.

نحن أحوج ما نكون إلى السِّلم الاجتماعي في داخل بلداتنا، وللأحزاب وكوادرها دورٌ كبير في تصدّر مشهد السِّلم والتسامح، وأن يكونوا نموذجًا طيِّبا خصوصًا للشَّباب الصاعد، من خلال مشاركتهم في النشاطات الكفاحية الميدانية، وتوجيههم إلى الخير والاحترام بالكلمة الطيّبة والقدوة الحسنة.

التعليقات