03/02/2021 - 12:40

الوحدةُ هيبةٌ والفُرقةُ خَيبةٌ

قد يقول البعض، بأنَّ خوض الأحزاب التي شكَّلت المشتركة في قائمتين أفضل، وسينجم عن وجود القائمتين منافسة للحصول على الأصوات، وهذا سيرفع نسبة التصويت لدى العرب، وسوف تعبر كلاهما نسبة الحسم.

الوحدةُ هيبةٌ والفُرقةُ خَيبةٌ

اجتماع سابق لمركبات المشتركة (أرشيفية)

قد يقول البعض، بأنَّ خوض الأحزاب التي شكَّلت المشتركة في قائمتين أفضل، وسينجم عن وجود القائمتين منافسة للحصول على الأصوات، وهذا سيرفع نسبة التصويت لدى العرب، وسوف تعبر كلاهما نسبة الحسم.

إلا أنَّ وجود قائمتين متنافستين، سوف يؤدي شئنا أم أبينا، إلى تهجُّمات متبادلة بين جمهور ونشطاء القائمتين، وهذا سوف يفتح الطريق لأحزاب السلطة بالدّخول إلى مجتمعنا العربي بسهولة، بعد شبه غياب في السنوات الأخيرة.

هذا يعني العودة للتعامل مع جزء كبير منا من خلال مقاولي الأصوات، وليس مع قوى سياسية منظّمة لها صوتُها القوي والمؤثر محليًّا وحتى دوليًّا.

من الطبيعي جدًا أن يَنفُرَ البعضُ من أداء هذا أو ذاك من النواب خلال مسيرة العمل السياسي، وقد يُخطئ العاملون في الحقل في تقديراتهم بهذا الموقف أو ذاك، وطبيعي أن يفلحَ أحدهم في موضوع بذاته أكثر من غيره، ومن الطبيعي أن تحاول السُّلطة تفسيخ المشتركة، ولهذا تحرض ضدها واختلقت مقولة: ماذا فعلت لكم المشتركة؟

السؤال الذي يطرح هو ماذا فعلتم لنا أنتم الذين بيدكم السلطةُ والحلُّ والرَّبط؟ ولماذا تتنافسون في العنصرية ضدنا؟ وما هذا السَّلام الذي تتحدَّثون عنه مع دول عربية بعيدة آلاف الأميال مثل السودان، بينما أصبح العربي مواطنًا من الدرجة الثانية في قانون بادرتم أنتم بأنفسكم إليه؟ وعن أي سلام تتحدثون وأنتم ترفضون أي حلِّ مع شعبنا الفلسطيني إلا بتلاشيه واختفائه.

ترويج الإعلام الإسرائيلي، بأن النُّواب العرب مشغولون في القضية الفلسطينية ولا يلتفتون إلى قضاياهم اليوميّة، وقاحة واستهتار، بل إهانة للجماهير العربية ولممثليها، فالكنيست ليست قاعة للحفلات الترفيهية، وهي التي قرَّرت وتقرّر بمنهجية قوانين تتجاهل حقوق شعبنا المدنية والسياسية، منذ تأسيسها حتى اليوم.

من الوقاحة أن يُطلبَ من النواب العرب الصَّمت على الاحتلال وجرائمه، والقبول بمواطنة من الدرجة الثانية مقابل إضافة بضعة ملايين في الميزانيات.

الطبيعي هو ألا يكون نوابنا في جيب أحد، وهنالك ثوابت سياسية يجب أن تكون واضحة، على رأسها أننا جزءٌ لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني، ونطالب بحل قضيته حلا عادلا، مستندًا إلى القرارت الدولية، ومن جهة أخرى، نحن مواطنون في الدَّولة، ولن نرضى بأقل من المساواة الكاملة.

كذلك يجب أن نحارب الفساد في السلطة، لأننا الضَّحية الأولى للفساد، فالفاسدون يحرِّضون ويتطرَّفون أكثر من غيرهم، كي يغسلوا فسادهم بإشعال المشاعر الأشد عداءً للعرب.

أي إنجازات مدنية حقّقتها جماهيرنا سواء في الميزانيات أو في التوظيفات، كان بفضل جهود ومطالب بُنيت على أبحاث وأرقام وحجج دامغة وعمل مثابر، وما زال الطريق طويلا، وقضايانا المدنية الأساسية ما زالت ملتهبة، خصوصًا قضية العنف والجريمة، وأزمة السَّكن، ومنهاج التدريس العربي المُشوَّه.

وحدتنا قوّةٌ ضاغطة، لا يستطيع أحدٌ تجاهلها، بل أظهرت قضيتنا القومية والمدنية في المحافل الدولية، والأهم أنها تمنح شعبنا أملا وشعورًا بالوحدة والقُوَّة، نتكاتف ونحمي بعضنا بعضًا، نتفرق فتأكلنا ضباع العُنصرية.

صحيح أن هنالك بعض خلافات في تفاصيل الحياة المدنية، ولكن يجب دائمًا أن ننظر إلى الأهم والرئيسي، وهو الذي يشمل مصالح أكبر عدد من الناس في القضايا الأساسية الكبرى.

ليس مطلوبًا أن يكون جميع الأعضاء نسخة واحدة عن بعضهم البعض، فلكل عضو اجتهاده وشخصيته التي يعتدُّ بها.

قد يختلف الموقف من قضية عينية مدنية بين حزب وآخر (مثل المثلية الجنسية)، بل بين نائب وآخر من الحزب نفسه، ولهذا لا يحق لحزب أو ممثله بأن يفرض رؤيته على الآخرين في قضية كهذه، لا المؤيد ولا المعارض، أو اتخاذها ذريعة للفُرقة، فما يجمعنا أكبر بكثير من التقوقع والتمحور حول قضية هامشية جدًا في مجتمعنا المحافظ أصلا.

لقد خاضت أحزابنا الانتخابات من قبل في قائمتين انتخابيتين، في أكثر من تركيبة وبتبديلات وتغييرات عديدة، وعرف كل فريق حجمه، وأكبر تمثيل حصلت عليه هذه الأحزاب كان من خلال المُشتركة، فكانت أفضل إنجاز عدديًا ومعنويًا، جميع الأحزاب ربحت من الوحدة، وأضافت إلى رصيدها، وأظهرتنا كقوة انتخابية لا يُمكن تجاهلها، إضافة إلى كونها نموذجًا للتعاون بين مختلف التيارات السِّياسية، وأظهرت قدرتنا على الالتفاف حول ما يجمعنا، أكثر من التمسّك بما يُفرِّقنا.

بمجرد دخولنا إلى الكنيست، أصبحنا داخل اللعبة البرلمانية السياسية، فلسنا أحزابًا لرعاية المحميِّات الطبيعية، بل أحزاب تمثل شعبًا تُمارسُ ضدَّه أسوأ سياسات التمييز العنصري في العالم، بمنهجية لها أهداف واضحة شرِّيرة، لا يستطيع أحدٌ تجاهلها.

اقرأ/ي أيضًا | مسؤولية جماعية

هناك خلافات أيديولوجية شاسعة لا يمكن جسرها بين أحزاب السُّلطة وبين الأحزاب العربية كلّها، فلا يوجد أي مشترك بين الحزب الحاكم الحالي والأحزاب العربية، كذلك فإن البدائل المتوقّعة في معظم مركّباتها أشدُّ يمينية من الليكود الحاكم، لهذا فإن الحديث بأن نكون جزءًا من السُّلطة والقرار، هو محضُ سرابٍ وعبث، لن يؤدي في النهاية إلا إلى تفرقة قوتنا البرلمانية وتشتّتها، والانشغال في عورات بعضنا، أمام قوى تتنافس في إنجازاتها العنصرية ضدنا، وضد كل شعبنا بشكل عام، فاعتصموا يا أصحاب الشأن بحبل وحدتكم، فالوحدة بذاتها إنجاز للأحزاب وللشَّعب، وهي أهم بكثير من عدد المقاعد، علمًا أن الوحدة تحقق تمثيلا أوسع كما أثبتت جولات كثيرة سابقة، فالوحدة هيبة والفرقة خيبة.

التعليقات