16/02/2021 - 20:26

هل دخل العرب نادي غزو الفضاء؟

من دواعي سرور أي عربي، أن يحقّق أبناء أمَّته إنجازات علمية في أي مجال كان، فنحن نفرح لعربي سجّل هدفًا في شباك فريق منافس مثل محمد صلاح عندما يسجِّل، فكيف سنشعر ونحن نرى العرب يغزون الفضاء ويكشفون أسراره؟

هل دخل العرب نادي غزو الفضاء؟

من دواعي سرور أي عربي، أن يحقّق أبناء أمَّته إنجازات علمية في أي مجال كان، فنحن نفرح لعربي سجّل هدفًا في شباك فريق منافس مثل محمد صلاح عندما يسجِّل، فكيف سنشعر ونحن نرى العرب يغزون الفضاء ويكشفون أسراره؟

في الأيام الأخيرة نقل مسبار "الأمل" لصاحبته دولة الإمارات العربية المتحدة، صورة أولى لكوكب المريخ عن قرب 24 ألف كيلومتر، بعدما قطع المسبار رحلة من ستين مليون كيلومتر، في مهمة للمسبار وهي دراسة الغلاف الجوي لكوكب المريخ على مدار عامين.

الإمارات هي واحدة من دول قليلة وصلت إلى مثل هذا النشاط الفضائي. ولكن السؤال، ما هو دور العلماء العرب الإماراتيين أو إخوانهم من العرب في صناعة هذا المسبار وإطلاقه؟ الجواب هو ليس لنا من المسبار سوى دفع ثمنه.

قام المشروع على أرض عربية، ولكن منفّذ العمل هي ثلاث جامعات أميركية، هي جامعة كولارادو وكاليفورنيا وأريزونا التي عقدت معها دولة الإمارات اتفاق بناء مسبار الأمل.

نُقل المسبار في طائرة أنتونوف أوكرانية من دبي إلى جزيرة تانيغاشيما اليابانية، ومن هناك حمله إلى الفضاء صاروخ من صناعة شركة ميتسوبيشي اليابانية.

عن هذا الحدث العلمي قال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دُبيّ ونائب رئيس دولة الإمارات، إن في هذه العملية ثلاث رسالات، أولها إلى العالم بأن العرب لعبوا ذات مرة دورًا في المعرفة الإنسانية.

والرسالة الثانية إلى العرب، بأننا قادرون على منافسة أعظم الأمم في السباق على المعرفة، والرسالة الثالثة هي للأفراد، الذين يسعون للوصول إلى القمم، بأن لا يضعوا حدودًا لطموحاتهم، وأنه يمكنهم الوصول حتى الفضاء.

كل هذا صحيح، ولا يقلل أحد من أهمية هذه الخطوة عربيًا، ولكن كونك اشتريت سيارة مارسيدس لا يعني أنك صنعتها، وكونك تستخدم الهاتف لا يعني أنك أنت الذي صنعه، وقد تقتني أعظم غواصة أو طائرة في العالم، ولكن هذا لا يعني أنك صاحب السَّيطرة عليها، فمن صنعها هو المُسيطر عليها، وبإمكانه أن يعطي إشارة توقف عملها متى شاء.

لا شك أن في العالم العربي طاقات هائلة من الأدمغة، ولكن يبقى السؤال، هل يمكن استثمار هذه الطاقات وتوجيهها في المسارات العلمية الصحيحة وفتح أبواب الإبداع أمامها؟

المال لوحده لا يكفي ليجعل دولة ما عضوًا في نادي غزو الفضاء، لأن غزو الفضاء صناعة متقدمة لا تأتي من فراغ، بل تسبقها مقومّات في الصناعات المتقدمة، والدقيقة منها بشكل خاص، والاستثمار في مراكز الأبحاث الكثيرة.

عندما نقرأ سيرة العالم الفيزيائي البريطاني ستيف هوكينغ 1942-2018، ننحني احترامًا لإنسان لم تمنعه إعاقته الجسدية الهائلة عن طموحاته الهائلة في محاولة اكتشاف أسرار الكون، وقد ترك إرثا غنيًا من الأبحاث التي تعتبر فتوحات فكرية في علم الكون، ولكن هذا ما كان ليتوفر لستيف هوكينغ لولا مواطنته في دولة تدعم الأبحاث العلمية، ولديها مراكز أبحاث علمية، وتحتضن كل مفكّر أو صاحب طموح في علوم الفضاء وغيرها من العلوم.

الشعوب الحرّة التي تحكمها مؤسسات دولة عصرية، تتقدم علميًا وتستطيع الوصول بعيدًا.

للأسف فإن الرغبة الإماراتية في دخول نادي غزاة الفضاء، لا تعكس واقع سياسة هذه الدولة تجاه شعوب المنطقة، حيث ناصبت العداء للشعوب الثائرة على الدكتاتوريات، وموَّلت تنظيم داعش الإرهابي ودعمته بالمال والسِّلاح، بهدف تخريب ثورات الشعوب وتشويهها وإجهاضها، ثم طبّعت علاقتها مع دولة الاحتلال دون التفات إلى أن هذه الدولة تحتل أرض شعب عربي آخر وتقمعه، وترفض الاحتكام إلى الشرعية الدولية.

صورة البحث العلمي في العالم العربي قاتمة، وذلك عندما نعرف نسبة الميزانية المخصصة للأبحاث العلمية من الميزانيات العامة.

في بحث بسيط نجد أن إسرائيل تنفق على الأبحاث العلمية أكثر من الدول العربية كلها مجتمعة، ففي الوقت الذي تخصص إسرائيل 4.7% من ميزانيتها للأبحاث العلمية حسب تقرير من العام 2017، فإن الدول العربية تخصص أقل من 1% من ميزانياتها للبحث العلمي، وفي معظمها أقل من نصف بالمئة.

علما أن الدول العربية إذا شاءت أن تلحق بركب الأمم المعاصرة، فعليها أن تنفق أكثر من الدول المتقدمة على البحث العلمي كي تَسدَّ الفجوة الهائلة بينها وبين دول العالم المتقدم.

مسبار "الأمل" سوف يستأنف بث الصُور قريبًا ليستفيد العلماء منها، ولكن معظمهم بلا أدنى شك سيكونون من غير العرب!

لا أمل في تقدّم ذاتي وحقيقي في أي نوع من العلوم ما دام الشرط الأساسي مفقودًا، وهو حرّية الشعوب ، وفقدان الحرية يعني خللا أساسيًا في جميع مناحي الحياة، وعلى رأسها الأبحاث العلمية التي تحتاج كليهما الحرية والمال.

التعليقات