18/03/2021 - 20:19

حكم ذاتيّ ثقافيّ مقابل التخلّي عن تغيير هويّة الدولة

الحديث يدور عن ميثاق يسمح باندماج واسع وإعطاء حقوق مدنية كاملة للعرب ولهويتهم كجماعة أقلية مقابل التخلّي عن طلب تغيير هويّة الدولة،

حكم ذاتيّ ثقافيّ مقابل التخلّي عن تغيير هويّة الدولة

(توضيحية - أ ب)

تأتي دعوة الجنرال احتياط والباحث في معهد "ديان" د. ميخائيل ميليشطاين لإعادة رسم العلاقة بين إسرائيل و"المواطنين العرب" الذين يحملون مواطنتها، في إطار ما وصفه بعقد اجتماعيّ جديد يمنحهم حكما ذاتيًّا في الثقافة والتعليم، مقابل تخلّيهم عن مطالبهم بتغيير هويّة الدولة، متطابقة للوهلة الأولى مع خطاب القوائم الانتخابيّة العربيّة السياسيّ، المقطوع عن أُفُقه الوطنيّ الفلسطينيّ والذي يختزل قضيّتنا من قضية شعب إلى قضيّة أقليّة تقتصر مطالبها على حقوق مدنيّة.

هذا الخطاب الذي قادته القائمة المشتركة منذ تأسيسها عام 2015، والذي تعزّز مع كل جولة انتخابية جديدة وصولا إلى التوصية على الجنرال غانتس، شكّل انسحابا من القضيّة الوطنيّة الفلسطينية، وفضاء معركة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، إلى زواريب القضايا المعيشية اليومية للمواطنين العرب، وإعلاء هذه القضايا إلى رأس سلّم الاهتمام السياسيّ.

وهو خطاب احتوى جميع الخطابات الأخرى، بما فيها خطاب "دولتان لشعبين" الذي اعتبره أصحابه سابقا حجر الزاوية، وخطاب "دولة جميع مواطنيها" الذي سيطر على أجندة فلسطينيي الداخل ردحًا من الزمن.

ميليشطاين يدّعي في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" مؤخرا، أنّه رغم وعي المواطنين العرب لهويتهم الذاتية فإنّهم يتطلّعون للاندماج في عموم مستويات الفعل في الدولة والتأثير على اتخاذ القرارات فيها، في ظلّ فهمٍ بأنّ إسرائيل لن تصبح قريبا؛ "دولة كل مواطنيها"، أو "دولة ثنائية القومية"، على حدّ تعبيره.

وهو يرى، بناءً على ذلك، ضرورة لإعادة صياغة "عقد اجتماعي" بين الدولة والمواطنين العرب، يقوم أوّلا على هجر ما يسمّيها بأنماط التفكير القديمة التي لم تؤدِّ إلى تطوير نماذج واقعية للتعايش، بل أدّت، وفق تعبيره، إلى التطرّف بين العرب واليهود والمقصود اعتبار العربي عدوا متخفيا، وانتهاج سياسة التمييز والإقصاء ضدّه من جهة، ومن جهة أخرى، تمسّك القيادات العربية بفكرة دولة مواطنيها في ظلّ تقويض طابع إسرائيل الصهيونيّ وهو ما لا تقبل به الأغلبيّة اليهوديّة.

ويرى الباحث في معهد "ديان" وجوب صياغة عقد اجتماعي يرتب العلاقات بين الدولة ومواطنيها العرب، على ضوء تعمّق الإحباط في أوساطهم على خلفية احتدام المشاكل الأساس في أوساطهم وعلى رأسها وباء الجريمة والعنف، وخيبة الأمل من القيادات السياسية العربية المتمسكة بالأجندات والشعارات القديمة إلى جانب حالة الانغلاق التي تبديها المؤسسة السياسية الإسرائيلية تجاه المواطنين العرب، والتي تتجسّد في عدم دمجهم في أماكن واقعية في معظم القوائم الحزبية للكنيست.

والحديث يدور عن ميثاق يسمح باندماج واسع وإعطاء حقوق مدنية كاملة للعرب ولهويتهم كجماعة أقلية مقابل التخلّي عن طلب تغيير هويّة الدولة، وهو يقترح، في المرحلة الأولى، مساواة الحقوق المدنية الكاملة للعرب، مثل التمثيل في المؤسسات الحكومية وحرية الفرص وتلقي الدعم المناسب في المجالات المدنية، إلى جانب الواجبات الملقاة عليهم والتي تتمثّل في توفير خدمة مدنية للشبان العرب في عدة مجالات.

ويذهب المقترح، في المرحلة الثانية، إلى حدّ اعتراف الدولة بالمواطنين العرب كجماعة أقلية، بما في ذلك فحص إمكانية إعطاء حكم ذاتيّ في مجالات التعليم والثقافة، كصيغة تتجاوب مع الواقع وتحاول تقديم جواب بالحدّ الأقصى، لما يصفها بالأماني والهويات للمجتمعيْن اللذيْن يعيشان في الدولة.

ولعلّ المتتبع لمؤتمر صحيفة "هآرتس" للشراكة اليهوديّة - العربيّة، الذي انعقد مؤخرا تحت عنوان "شركاء في المصير؛ شركاء في الحكم"، بمشاركة مختلف مركبات القائمة المشتركة، قد لاحظ ما هو المقصود بغياب القضية الوطنية من خطاب قادة الأحزاب العربية المختلفة، وتمحور هذه الأحزاب في خطاب المشاركة والتأثير والحقوق المدنية، فقد استعمل أيمن عودة مصطلح "حجر الزاوية" في الإشارة إلى الذات الحزبية، وليس في سياق القضية الفلسطينية، كما أثار تكرار سامي أبو شحادة لمصطلح المساواة انتباه محاوِره الذي تساءل إذا كان التجمّع قد تخلّى عن شعار دولة لكل مواطنيها.

التعليقات