25/03/2021 - 15:52

أوهام الأحزاب العربية

موضوعيا، ليس بإمكان الأحزاب العربية الحصول على الكثير من أي حكومة إسرائيلية، بسبب العنصرية البنيوية ضد العرب في هذه الدولة؛ وثانيا أن الأحزاب العربية ليست منظمة بالشكل والمستوى المطلوبين وتتعامل مع بعضها كأعداء

أوهام الأحزاب العربية

(أ ب)

دامت نجومية رئيس القائمة الموحدة، النائب منصور عباس، في وسائل الإعلام وخصوصا تلك الناطقة بالعبرية، 24 ساعة فقط. وخلال هذه الساعات بُنيت أوهام وتخيلات اختراق السقف الزجاجي للأحزاب العربية، ووُصف عباس كمن سيُنصّب بنيامين نتنياهو، أو من يتم اختياره في المعسكر المعارض لنتنياهو، رئيسا للحكومة الإسرائيلية.

وجاءت هذه النجومية القصيرة الأمد، بعد أن طرح عباس خلال الشهور الماضية خطته "البراغماتية"، القائلة إن القائمة العربية الموحدة "ليست في جيب أحد، لا في اليمين ولا في اليسار". وأراد عباس أن يوحي بذلك أنه سيدعم معسكر نتنياهو، أو المعسكر المعارض له، بعد مفاوضات يحصل بموجبها على اتفاق يقضي بحل قضايا يعاني منها المجتمع العربي، وفي مقدمتها الجريمة والعنف المستشري، وتوسيع مسطحات نفوذ السلطات المحلية العربية وحل مشاكل البناء، والاعتراف بقرى مسلوبة الاعتراف في النقب.

إلا أن الانطباع الذي ساد في المجتمع العربي في الأشهر الأخيرة، هو أن عباس يسعى إلى تأييد نتنياهو وليس أي أحد آخر. وساد هذا الانطباع في أعقاب سلسلة متواترة من التصريحات والمواقف وأداء الموحدة في الكنيست، أبرزها تغيّب نوابها عن جلسة التصويت على حل الكنيست، دعما لنتنياهو وخلافا لقرار القائمة المشتركة التي كانت الموحدة أحد مركباتها. لكن الموحدة باتت مستقلة الآن بعدما انشقت عن القائمة المشتركة، رغم أنه لا ينبغي، من الناحية الوطنية، أن تعتقد أنها مستقلة بقراراتها وأنها بمعزل عن مجتمعها وشعبها.

في المقابل، ألمح قياديون في الليكود مقروبون من نتنياهو - بينهم رئيس الائتلاف في الكنيست، ميكي زوهار، والوزير تساحي هنغبي – إلى احتمالية تشكيل نتنياهو حكومة بدعم خارجي من الموحدة، بعد تأكد تجاوزها نسبة الحسم وحصولها على خمسة مقاعد في الكنيست. وفي هذه الأثناء، حصلت الموحدة على أربعة مقاعد بعد فرز "المغلفات المزدوجة".

ساعات النجومية الـ24 هذه انتهت صباح اليوم، عندما أعلن رئيس الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش، وحليفه إيتمار بن غفير، تلميذ الحاخام الفاشي مئير كهانا، أنهما يرفضان ولن يسمحا بتشكيل حكومة يمينية بدعم من الموحدة. وطالب سموتريتش نتنياهو بأن "يخرج هذه الفكرة من رأسه"، وبذلك أفشل إمكانية دعم الموحدة، حتى من خارج الحكومة أو بالامتناع عن التصويت. ويعني هذا الإنذار الذي وضعه سموتريتش وبن غفير أن نتنياهو لن يتمكن من إجراء أي مفاوضات مع عباس حول أي شيء.

يُقال إنه "إذا تكررت المأساة تصبح مهزلة". والمقصود بـ"المأساة" هنا هو تكرار أوهام وتخيلات الأحزاب العربية، فالقائمة المشتركة أوصت بعد انتخابات الكنيست الماضية أمام الرئيس الإسرائيلي بتكليف رئيس تحالف "كاحول لافان"، بيني غانتس، بتشكيل الحكومة. ورغم أنه كان بإمكان غانتس، نظريا، تشكيل حكومة لأن الأحزاب في المعسكر المعارض لنتنياهو – وبضمنها الـ15 نائبا من المشتركة - حصلت على أغلبية في الكنيست، إلا أنه في النهاية قرر شق كتلته والانفصال عن المعسكر الذي يقوده والانضمام إلى نتنياهو وتشكيل حكومة "وحدة" والتوقيع على اتفاق ائتلافي يعده مثل "وعد إبليس بالجنة" بالتناوب على رئاسة الحكومة.

ورفض غانتس حينها تشكيل حكومة برئاسته لسبب واحد ووحيد، هو رفضه لدعم من الأحزاب العربية، وإن كان الحديث عن دعم من خارج الحكومة، ومن دون التزام بخطوات تجاه المجتمع العربي. وبالإمكان الاستفادة من هذه التجربة أيضا، أن نتنياهو قادر على عدم الالتزام بأي تعهد أو اتفاق يوقعه، مثلما فعل مع غانتس. وحتى لو نجح نتنياهو بتشكيل حكومة الآن، فعلى الأرجح أنه سيخرق بنودا في اتفاقيتها الائتلافية وفقا لمصلحته الشخصية.

في هذه الأثناء، يحاول المعسكر المعارض لنتنياهو تشكيل الحكومة. ليس واضحا كيف سينجحون في ذلك، لكنهم يأملون بانضمام حزب "يمينا" إليهم، وأن يشكلها رئيسه نفتالي بينيت. وينبغي الإشارة في هذا السياق إلى تصريح عيساوي فريج من حزب "ميرتس"، اليوم، بأن حزبه لا ينفي تأييد بينيت كرئيس للحكومة. لكن حتى في هذه الحالة، لن يتمكن هذا المعسكر من تشكيل حكومة إلا في حال حصوله على دعم القائمة المشتركة على الأقل. فقوة المعسكر المعارض لنتنياهو 57 عضو كنيست، وإذا انضم "يمينا" إليهم تصبح قوتهم 64 عضو كنيست، لكن بينهم 6 نواب المشتركة.

وإذا رفض اليمين دعما من الموحدة، فإن "يمينا" على الأقل، وربما حزب غدعون ساعر أيضا، سيرفضون دعما من حزب عربي. وحتى لو وافق بينيت وساعر، ومعهما يائير لبيد وغانتس وأفيغدور ليبرمان، على دعم من المشتركة والموحدة من خارج الحكومة، فماذا سيمنحون الأحزاب العربية في المقابل. واضح جدا أن هذه إمكانية غير واقعية.

وبعد إنذار سموتريتش وبن غفير، تتركز آمال نتنياهو على النتائج النهائية للانتخابات، وأن تمنح معسكره مقعدين آخرين في الكنيست. إلا أن اليمين لا يبني آمالا كبيرة على ذلك، وبدأت جهات في اليمين ممارسة ضغوط، يُتوقع أن تتصاعد بشكل هائل، وتنظيم مظاهرات ضخمة في الأيام المقبلة، لإقناع بينيت، شبه المقتنع، وساعر بالأساس، من أجل الانضمام إلى معسكر نتنياهو وتشكيل حكومة يمينية. ومن أجل تحقيق ذلك، نتنياهو جاهز لتقديم أي تعهد وأي تنازلات لهما، خوفا من سن المعسكر المعارض له قانون يمنعه كمتهم بمخالفات جنائية من تشكيل حكومة.

ومن الناحية الموضوعية، فإن الاعتقاد بأن حزبا عربيا بإمكانه تنصيب رئيس حكومة "دولة اليهود" هو وهم مطلق. كذلك ليس بإمكان الأحزاب العربية الحصول على الكثير من أي حكومة إسرائيلية، وذلك لعدة أسباب، أولها العنصرية البنيوية ضد العرب في هذه الدولة؛ وثانيا أن المجتمع العربي، وبشكل خاص أحزابه، ليست منظمة بالشكل والمستوى المطلوبين من أجل تحصيل حقوق، خاصة وأن هذه الأحزاب لا تتعامل مع بعضها كخصوم، وإنما كأعداء.

التعليقات