29/04/2021 - 17:50

"تجاوزوا الحد... إنه أبرتهايد"

تُعتبر منظمة "هيومن رايتس ووتش" المنظمة الحقوقية الثانية بعد "بتسيلم" التي وصلت إلى استنتاج بأن إسرائيل تقيم نظام فصل عنصري - أبرتهايد بين البحر والنهر، تتمتع فيه مجموعة عرقية، هي اليهود الإسرائيليين، بأفضلية على مجموعة عرقية أخرى هي الفلسطينيين.

حواجز الاحتلال (أ ب)

تُعتبر منظمة "هيومن رايتس ووتش" المنظمة الحقوقية الثانية بعد "بتسيلم" التي وصلت إلى استنتاج بأن إسرائيل تقيم نظام فصل عنصري - أبرتهايد بين البحر والنهر، تتمتع فيه مجموعة عرقية، هي اليهود الإسرائيليين، بأفضلية على مجموعة عرقية أخرى هي الفلسطينيين.

وتكمن أهمية مثل هذا التعريف أو الاعتراف، في أنه يتعامل مع فلسطين التاريخية كوحدة جغرافية واحدة يحكمها واقع سياسي واحد هو الحكم الإسرائيلي، بغض النظر عن أشكاله المناطقية المختلفة، وكذلك مع تاريخ الصراع منذ عام 1948، الذي طالما حاولت إسرائيل محوه وإقناع العالم بأن القضية هي قضية الأراضي المحتلة منذ عام 1967، وبالتالي، فإن هذا التعريف يضع الأمور في نصابها الصحيح ويتعامل مع الفلسطينيين الباقين في منطقة 48 ومع لاجئي 48 كضلعين أساسيين في قضية الصراع، بعد أن حاولت كافة "التسويات السياسية" تغييبهما.

من هنا نرى أن "هيومن رايتس ووتش" تستهل تقريرها بعنوان "تجاوزوا الحد"، بالقول: "يعيش اليوم حوالي 6.8 مليون يهودي إسرائيلي و6.8 مليون فلسطيني في المنطقة الممتدة من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن"، بينما تستهل "بتسيلم" تقريرها بعنوان "إنه أبرتهايد" بالقول: "يقيم في الأراضي الممتدّة بين النهر والبحر أكثر من 14 مليون إنسان - تقريبًا نصفهم يهود ونصفهم فلسطينيّون".

وفي حين يحطم تقرير "بتسيلم" التعريف السائد حول "وجود نظامين متوازيين يفصل بينهما الخطّ الأخضر: الأوّل يعمل داخل حدود إسرائيل السياديّة وهو ديمقراطيّ وثابت يقيم تحت كنفه نحو تسعة ملايين إنسان جميعهم مواطنون إسرائيليّون؛ والثاني يعمل في المناطق التي احتلتها إسرائيل في العام 1967" لأنه "لم يعد يمت للواقع بصلة بمرور 50 عاما من الاحتلال ووجود مئات آلاف المستوطنين وضم القدس رسميا وضم الضفة فعليا"، وتأكيدها على "وجود ناظم واحد يجري تطبيقه في الأراضي الممتدة بين البحر والنهر، يتمثل بتعزيز وإدامة تفوق مجموعة من البشر، هم اليهود، على مجموعة أخرى هم الفلسطينيون".

يرى تقرير "هيومن رايتس ووتش" أن "المنطقة الممتدة بين البحر والنهر والتي تشمل إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة)، فيها إسرائيل هي القوة الحاكمة الوحيدة؛ التي تمارس في باقي المناطق سلطة رئيسية، إلى جانب حكم ذاتي فلسطيني محدود، وهي تمنح في هذه المناطق امتيازات بشكل ممنهج لليهود في أغلب مناحي الحياة، وتميّز ضدّ الفلسطينيين، حيث توضح كل من القوانين، والسياسات، وتصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين أن إبقاء الهيمنة الإسرائيلية اليهودية على التركيبة السكانية، والسلطة السياسية، والأرض هو ما يوجّه سياسة الحكومة الإسرائيلية منذ زمن طويل".

وتجد المنظمتان تطابقا واضحا للفعل الإسرائيلي مع تعريف جرم "الفصل العنصري – أبرتهايد"، باعتباره جريمة ضد الإنسانية استنادا إلى "اتفاقية الفصل العنصري"، فيما يتعلق "بإدامة هيمنة مجموعة عرقية ما من البشر على مجموعة عرقية أخرى واضطهادها إياها بصورة منهجية"، وكذلك استنادا إلى "نظام روما" الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يُعرّف جرم الفصل العنصري بأنه "أية أفعال لا إنسانية... تُرتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه القمع المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية أخرى، وتُرتكب بنيّة الإبقاء على ذلك النظام".

وبالعودة لإعادة الاعتبار للجغرافيا والتاريخ الفلسطيني، يشير تقرير "هيومن رايتس ووتش" إلى أن "إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948، مارست تمييزا منهجيا ضدّ الفلسطينيين وانتهكت حقوقهم داخل حدود الدولة ما قبل 1967"، حيث "رفضت السماح للفلسطينيين بالوصول إلى ملايين الدونمات من الأراضي التي صودرت منهم"، كما أنها "حرمت عشرات آلاف الفلسطينيين في منطقة النقب، العيش بشكل قانوني في المجتمعات التي عاشوا فيها على مدى عقود".

وينبش التقرير في جذور التمييز العنصري الإسرائيلي، بتسليط الضوء على نظام المواطنة الإسرائيلي القائم على مسارين منفصلين وينظر فعليا إلى اليهود والفلسطينيين على أنهم منفصلون لكن غير متساوين، حيث يحتوي "قانون المواطنة الإسرائيلي" لسنة 1952 مسارا منفصلا مخصصا لليهود بشكل حصري، ويمنحهم الجنسية بشكل تلقائي، وهو منبثق عن "قانون العودة" لعام 1950، الذي يضمن لليهود الذين يحملون جنسيات أخرى حق الاستقرار في إسرائيل.

في المقابل، فإن المسار الخاص بالفلسطينيين يربط الحصول على المواطنة بإثبات الإقامة قبل 1948 في المنطقة التي أصبحت فيما بعد ضمن دولة إسرائيل، ووجود اسم الشخص في سجل السكان حتى العام 1952، وحضوره الدائم في إسرائيل أو دخولها بشكل قانوني في الفترة بين 1948 و1952.

وفي إشارة إلى خلق قضية اللاجئين، يشير التقرير إلى كيفية استخدام السلطات الاسرائيلية هذه الصيغة لحرمان أكثر من 700 ألف فلسطيني ممن "فرّوا" أو "طردوا" سنة 1948 وأحفادهم من حق الإقامة، واليوم صار عدد هؤلاء يتجاوز 5.7 مليون نسمة، وكيف أن هذا القانون خلق واقعا يستطيع فيه اليهودي الحامل لأي جنسية أخرى، والذي لم يدخل إسرائيل يوما، من الانتقال إليها والحصول على جنسيتها، بينما يُمنع من ذلك الفلسطيني الذي طرد من منزله وبقي أكثر من 70 عاما في مخيم للاجئين في بلد مجاور.

يضاف إلى ذلك أيضا قانون منع لم الشمل لسنة 2003 المسمى "قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل" الذي يمنع منح الجنسية الإسرائيلية والمكانة القانونية طويل الأمد، حصريا، لفلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، المتزوجين من مواطنين إسرائيليين أو مقيمين في إسرائيل.

وفي سياق هندسة المكان بحيث تستولي على أكبر مساحة ممكنة من الأرض مع أقل عدد ممكن من السكان، يورد تقرير "هيومن رايتس ووتش" كيف أعلنت السلطات الإسرائيلية في السنوات الأولى من عمر الدولة أراضي المهجّرين الفلسطينيين "أراضي غائبين" أو "مناطق عسكرية مغلقة"، ثم استولت عليها وحولتها إلى أراضي دولة وشيدت تجمعات يهودية فوقها. وكيف مارست أيضا عمليات استيلاء تمييزية على أراض داخل إسرائيل، حيث اعتمدت على آليات مختلفة للاستيلاء على 4.5 مليون دونم على الأقل من أراضي الفلسطينيين، وهو ما يتراوح بين 65 و75% من مجموع الأراضي التي كانت بملكيّة الفلسطينيين قبل 1948، وبين 40 و60% من مجموع الأراضي التي كانت بملكيّة الفلسطينيين ممن بقوا هناك بعد 1948، وأصبحوا مواطنين إسرائيليين.

وبدون شك، فإن سياسة مصادرة الأراضي وغيرها من سياسات تمييزية ضد السلطات المحليّة الفلسطينية داخل إسرائيل، حالت دون فرص التوسع الطبيعي التي تحظى بها البلديات اليهودية، حيث بات يعيش الغالبية العظمى من المواطنين الفلسطينيين، الذين يشكلون نحو 19% من سكان إسرائيل، على أقل من 3% من مجموع الأراضي داخل إسرائيل.

وفي النقب، يشير التقرير، إلى أن السلطات الإسرائيلية ما زالت ترفض الاعتراف قانونيًا بـ35 بلدة وقرية بدوية فلسطينية، ما يجعل من المستحيل لنحو 90 ألف شخص العيش بطريقة قانونية في التجمعات التي كانوا قد عاشوا فيها منذ عقود. فيما تسعى السلطات الإسرائيلية إلى تركيز التجمعات البدوية في بلدات وقرى أكبر معترف بها، من أجل توسيع الأراضي المتاحة للتجمعات اليهودية.

وبالمحصلة فإن تقرير "تجاوزوا الحد - السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد" يُذكّر بأن إسرائيل مارست حكما عسكريا على جزء من السكان الفلسطينيين طيلة تاريخها البالغ 73 عاما باستثناء ستة أشهر فقط، حيث مارست ذلك على الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين داخل إسرائيل من 1948 إلى 1966، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة من عام 1967 فصاعدا، بالمقابل فقد حكمت منذ تأسيسها جميع الإسرائيليين اليهود، ومنهم المستوطنون في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بموجب قانون مدني فيه احترام أكبر للحقوق.

وفي إطار تعزيز هيمنة الإسرائيليين اليهود على الأرض، جعلت غالبية الفلسطينيين الذين يعيشون خارج المدن الإسرائيلية الرئيسية ذات الأغلبية اليهودية، متمركزين في جيوب محاصرة ذات كثافة عالية وخدمات رديئة، كما أنها قيّدت حصولهم على الأرض والمسكن، بينما رعت نموّ التجمعات اليهودية القريبة.

كما أنها اتخذت خطوات أخرى لضمان الهيمنة اليهودية، ومنها اعتماد الدولة لسياسة "فصل" الفلسطينيين بين الضفة الغربية وغزة، التي حالت دون تنقل الأشخاص والبضائع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، و"تهويد" المناطق التي يسكنها عدد كبير من الفلسطينيين، بما في ذلك القدس وكذلك الجليل والنقب في إسرائيل.

التعليقات