23/05/2021 - 11:19

درس للسلطة الفلسطينية ورئيسها

مع انتهاء العدوان على قطاع غزّة، وفشل حكومة الاحتلال في تحقيق "انتصار" أرادته واضحًا، يمكن القول إن ما بعد العدوان لن يكون كما قبله. والحديث هنا لا يقتصر على قدرات المقاومة الفلسطينية التي ظهرت خلال أيام الحرب، وصواريخها التي طاولت

درس للسلطة الفلسطينية ورئيسها

من المواجهات في البيرة (وفا)

مع انتهاء العدوان على قطاع غزّة، وفشل حكومة الاحتلال في تحقيق "انتصار" أرادته واضحًا، يمكن القول إن ما بعد العدوان لن يكون كما قبله. والحديث هنا لا يقتصر على قدرات المقاومة الفلسطينية التي ظهرت خلال أيام الحرب، وصواريخها التي طاولت تل أبيب وضواحيها، على الرغم من أهمية هذا المعطى وتأثيره الميداني، إلا أنه لا يمكن صرفه في مرحلة ما بعد الحرب، والتي تتصدّرها المعطيات السياسية، وهو ما يجب أن تأخذه الفصائل الفلسطينية، وخصوصًا حركة حماس، في الاعتبار. ولعل الحركة بدأت تسير في هذا الدرب الذي سيكون طويلًا، وإشارة رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، خلال كلمته أول من أمس، إلى "تعزيز العلاقات مع المجتمع الدولي" كانت لافتة في هذا الخصوص.

وبانتظار أن تخطو "حماس" خطوة كهذه، يمكن ملاحظة أن السلطة الفلسطينية بدأت حصد النتائج السياسية لمرحلة ما بعد العدوان، ورئيسها محمود عبّاس يعيش نشوة حاليًا لم يعرفها منذ أكثر من أربع سنوات، فالاتصال الذي تلقاه بداية العدوان من الرئيس الأميركي، جو بايدن، كان ينتظره منذ تولي الأخير السلطة في الولايات المتحدة، وهو (عبّاس) قد بادر في ذلك الحين إلى إعلان استعداد السلطة العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل، وهي إستراتيجيته المفضلة، غير أنه لم يتلق أي ردة فعل أميركية حقيقية، إلى أن جاء العدوان وتداعياته، والذي لم يجعل بايدن يخاطب عبّاس فحسب، بل دفعه، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الكوري الجنوبي، إلى المطالبة بـ"الاعتراف بمحمود عبّاس قائدًا للشعب الفلسطيني".

موقف الإدارة الأميركية جديد نسبيًا، وخصوصًا أنها لم تدرج القضية الفلسطينية على سلم أولوياتها، إلى أن دفعها العدوان وما تلاه من تحركات على الأرض في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني إلى إعادة ترتيب الأولويات، وهو ما يمكن قراءته من تصريح بايدن عن الحاجة إلى العودة إلى حل الدولتين. تصريح يعني عودة الولايات المتحدة إلى العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، ومعها عودة الدول الأوروبية التي انكفأت مع الانسحاب الأميركي من ملف التسوية في آخر عهد باراك أوباما، ثم إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر لفعل ما تريد خلال حكم دونالد ترامب. ترجمة هذه العودة على الأرض قد لا تكون بعيدة، والدعوة إلى جلسات تفاوضية ماراثونية جديدة قد لا تتأخّر، وهو ما يبدو أن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، يحضر له في الاتصالات الهاتفية التي أجراها أخيرًا.

هذه المعطيات تتنزّل طربًا على مسامع رئيس السلطة الفلسطينية ومسؤوليها، وهم لا شك بدأوا يعدّون العدة لماراثون تفاوضي جديد من غير المعلوم إلى أين سيؤدي. لكن قبل ذلك لا بد أن يقف هؤلاء، وفي مقدمتهم عبّاس، عند الأسباب التي أعادت الولايات المتحدة إلى ملف العملية السياسية. فلولا الحراك الشعبي، في القدس أولًا، والذي أعاد القضية الفلسطينية إلى دائرة الضوء، وما تلا ذلك من حرب وهبّات، لم تكن الإدارة الأميركية لتلتفت إلى الملف الفلسطيني في الأمد القريب، وربما ولا البعيد. لذا، لا يجب أن يُنظر إلى هذه العودة من زاوية سياسية فقط، ومن الأجدى توظيف أوراق القوة الفلسطينية ميدانيًا خلال المفاوضات وقبلها. فحالة الضعف والتذلل التي كانت عليها السلطة الفلسطينية خلال مراحل التفاوض السابقة، خصوصًا في عهد عبّاس، لن توصل إلى نتيجة، ولن تدفع أحدًا إلى الاهتمام أو الضغط لإنهاء الملف بالتوصل إلى حلول. وهو ما يجب أن يأخذه أبو مازن بعين الاعتبار، وإظهار أن لديه أوراق قوة حقيقية قادرة على الضغط. والحديث هنا ليس عن صواريخ أو طائرات مسيّرة، فالتظاهرات والإضراب العام في الضفة والداخل الفلسطيني لم يقل إيلامًا عن الترسانة العسكرية للفصائل الفلسطينية، وهو أمر لن يكلف أبو مازن الكثير، بل على العكس سيحسن موقفه السياسي محليًا وعربيًا ودوليًا بعد سنوات من النبذ.

المقال نُشر في صحيفة "العربي الجديد"

اقرأ/ي أيضًا | حول الإخفاق الصهيوني

التعليقات