24/05/2021 - 14:16

احتواء الهجمة الجديدة

من الضروري متابعة ورصد سلوك المستعمِر وما يمارسه من جنون وما يخططه ضدنا. نحن من سلبنا الوطن وحشرنا في غيتوات وسجون كبيرة، بعد أن نجح شعب فلسطين، من البحر إلى النهر، منذ بداية شهر رمضان الأخير، في تهشيم أوهام المستعمِر

احتواء الهجمة الجديدة

اعتقال في مظاهرة احتجاجية في حيفا (عرب 48)

من الضروري متابعة ورصد سلوك المستعمِر وما يمارسه من جنون وما يخططه ضدنا. نحن من سلبنا الوطن وحشرنا في غيتوات وسجون كبيرة، بعد أن نجح شعب فلسطين، من البحر إلى النهر، منذ بداية شهر رمضان الأخير، في تهشيم أوهام المستعمِر وأحلامه بتصفية قضية فلسطين، وكي وعي شعبها.

يختزن المستعمِر الآن شعوره بالصدمة والخيبة، وشهية حيوانية بالانتقام ممن يعتبرهم بأنهم طعنوه من الداخل، أي ذلك الجزء من شعب فلسطين الذي كان أول ضحايا النكبة وجريمة التطهير العرقي، وأُخضع لنظام سيطرة خاص تحت المواطنة الإسرائيلية، ومنع أقاربهم المطرودين من العودة إلى وطنهم. ويعتمد المستعمِر الآن عقيدة الصدمة والترويع، أميركية المنشأ، والتي يستهدفون من خلالها الجيل الجديد، بطل الهبة الشعبية الجديدة.

نحن نحتاج لخطة وقائية مستعجلة لنصد الهجمة الشرسة، والأهم للحيلولة دون تغلغل آثارها السلبية في الوعي العام، مع أن معطيات المجتمع الفلسطيني الحالية أكثر صلابة من المرحلة السابقة. نقول ذلك لأن الهبة الحالية رسخت المصير المشترك أكثر من أي وقت مضى، ويترتب على ذلك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق هذا الجزء من شعبنا.

مرّ هذا الجزء من شعبنا بثلاث محطات تاريخية مؤسِّسة، اجترحها هو بنفسه، كفعل مقاوم ضد الظلم؛ يوم الأرض عام 1976، هبة القدس والأقصى في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2000، وانتفاضة 2021. وكلها فاجأت المستعمِر وصدمته، لأنه لم يكن يتصور أن ينهض الفلسطينيون، حاملو المواطنة الكولونيالية الإسرائيلية، كل مرة، رغم كل محاولات التدجين والاحتواء، والنهب والحصار، خصوصًا تلك المخططات التي يطلقها بُعيد كل حدث كبير. لقد جرى تطور مسيرة الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، بالتوازي مع تطور وصعود الحركة الوطنية الفلسطينية في الشتات، وبتأثير من هذا الصعود، وبسبب سياسات النهب والمصادرة والحصار الاستيطاني والتهويد ومحاولات طمس الهوية.

لا يجوز أن نتفاجأ من حقيقة أن نظام الأبرتهايد الكولونيالي يصر على رفض فهم أسباب انتفاضة فلسطين، وأسباب انخراط فلسطينيي الداخل في النضال الشعبي، ولا يريد أن يتفهم لماذا تدافع غزة عن ذاتها، إذ لا يرى الحصار الإجرامي الوحشي إلا مجرد عقاب لمجموعة مجرمين، وأنهم ليسوا شعبًا أو بشرًا طردهم من بيوتهم، وحلّ محلّهم وبنى البيوت الفارهة مكانها، ولاحقهم في مخيمات البؤس بطائراته وصواريخ الإبادة. وليس قادرًا على رؤية بشر آخرين في مدينة القدس، هي عاصمتهم، وأن لهم أماكنهم الدينية المقدسة، ويعتبر مواصلة طرد الناس من بيوتهم للمرة الثانية بعد النكبة، رسالة إلهية.
إن تحولات المشروع الصهيوني في العقدين الأخيرين، وهيمنة النزعات الخلاصية المسيانية، ونجاحه في ضم أنظمة عربية ساقطة إليه، كل ذلك دفعه الى الاعتقاد أنه قاب قوسين أو أدنى من الاجهاز على آخر بذور المقاومة داخل الشعب الفلسطيني.

وبخصوص فلسطينيي الداخل (48)، كانت مفاجأة المستعمِر أو صدمته الكبرى، والتي هي في الحقيقة تعبيرا دقيقا عن إحساسه بالتفوق العنصري، وتفاقم نظرته الدونية تجاه الفلسطيني. ولن يكون مستعدا لتذكر أو الاعتراف بالأذى الذي ألحقه بهم. هذا الأذى الذي يتواصل بوتيرة أكبر، وبعنف أشد. هو لا يرى نهب الأرض والبيوت والحصار فعلا عنيفا، إنما ممارسة لحق مستمد من عقيدة الاستعمار الإبادي، ومن أساطير توراتية موهومة. والآن يستعد لإلحاق المزيد من هذا الأذى بنا، ويكفي أن تتنقل بمشاهدتك بين القنوات التلفزيونية الإسرائيلية لترى حجم التحريض، حتى أنك ما عدت تميز الصحافيين عن المسؤولين الحكوميين، الذين يتحدثون عن خطط واسعة من القمع والاعتقالات والعقاب المضاعف، بل يطالبون في المقابلات مع المسؤولين، باعتماد المزيد من العنف ضد المواطنين العرب.

لذلك، لن تجدي في ظل هذه المعطيات الصعبة محاولات الإقناع والتخفف من حمل القضية الوطنية، أو إدارة حوار ناعم من خلال أجهزة إعلامهم، ومع جميع أجهزة نظام الأبرتهايد. هذا النهج اعتمده رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، منذ عقدين من الزمن وربما أكثر، وانتقل مؤخرا إلى أعضاء كنيست عرب، فماذا كانت النتيجة؟ زيادة شراهة المستعمر في قضم المزيد من الأرض، وفي التهويد، والحصار والقمع والمعاناة؛ والأخطر هو تشويه الوعي الوطني، وتعطيل وتأخير إطلاق الطاقة النضالية للشعب، فضلا عن المهانة أو إهانة الذات.

طاقاتنا يجب أن تتجه إلى داخلنا أولا، أن نحافظ على تماسكنا، وألاّ تهزنا حملة الاعتقالات والتحريض والوعيد؛ وأن نتكاتف ونتضامن، ونعيد تنظيم مجتمعنا، وألا نسمح بالعودة إلى الوراء. نضالنا في الداخل كان دائما شعبيا وغير عنيف، واعتمدنا الطرق الشرعية في الدفاع عن وجودنا ضد العنف الموجه ضدنا يوميا، المتمثل بهدم البيوت وتهجير الناس والتهويد وسلب الأرض، وإفقارنا ونشر الجريمة الداخلية، والاعتداء بوحشية علينا في المظاهرات، وإطلاق العنان للعصابات الفاشية للاعتداء علينا في الشوارع وفي بيوتنا. وقد لاقى كل ذلك مقاومة شعبية باسلة بالإضافة إلى تنظيم عفوي ذاتي، لا بد أن يتعزز.

وفي إطار هذا التوجه، يجب أن يتجه جزء من جهدنا للتحالف مع القوى اليهودية الثورية الرافضة لنظام الأبرتهايد والمناهضة للاستعمار والصهيونية. وربما حان الوقت لإقامة تحالف جدي معهم، مهما كان عددهم وهامشيتهم في المجتمع الإسرائيلي في الوقت الحالي؛ لأن هذا التحالف يتسق مع رؤيتنا للعدالة والتحرر والحرية والمساواة، ويقوي البعد الإعلامي والأخلاقي في نضالنا المشروع.
أما الجبهة العالمية، فتزداد أهميتها للقضية الفلسطينية في ضوء تفاعل حركات الشعوب في أوروبا وأميركا خاصة، مع الانتفاضة الفلسطينية، وهناك جحافل من الشباب متجندة في هذه المعركة.

شعب فلسطين موحد، وهو في صيرورة نحو مغادرة الحلول الجزئية والظالمة؛ وبديلها التحرر الكلي من منظومة قمع كولونيالي واحدة. وفي السياق ذاته، يقف فلسطينيو الداخل أمام تحديات عديدة وكبيرة، أبرزها يتمثل في دورهم القادم في مشروع التحرر الوطني الديمقراطي.

التعليقات