15/07/2021 - 17:33

عباس لا يريد "ضرة" وحكومة بينيت - لبيد تريد المشتركة "شبكة أمان"

السؤال الذي يطرح نفسه في ضوء هكذا وضع هو إذا كان العرب هم من يحمون هذه الحكومة من الداخل والخارج من السقوط، فلماذا يسمحون لشاكيد ببناء المزيد من المستوطنات بأصواتهم؟

عباس لا يريد

(أ ب)

بعد أن صار منصور عباس في "الجيب"، غدت المشتركة هي الأكثر ملاحقة من قبل طرفي المعادلة السياسية الإسرائيلية وبشكل خاص الائئتلاف الحكومي الهش، الذي يحتاجها كشبكة أمان في وجه معارضة قوية، متماسكة ولا تنخدع بالدعاوي الأمنية المفبركة من قبل "الشاباك"، والتي اعتقدت وزيرة الداخلية، أييليت شاكيد، أنها كافية لجلبها صاغرة للتصويت على قانون "المواطنة".

إنها تختلف عن معارضة الوسط واليسار الهجين، اللذان تحولا تحت وطأة هيمنة أيديولوجية اليمين على مدى السنوات الماضية، إلى ختم مطاطي بأيدي حكومة نتنياهو المنصرفة، قبل أن يتوجا اليمين الاستيطاني نكاية بتحالف اليمين المستند على الشرقيين والحريديين.

لقد رأينا كيف يسقط تحالف نتنياهو المعارض "دون أن يرف له جفن" قانون المواطنة، غير ملتفت إلى توصيات "الشاباك" الأمنية، بل ويُحمّل مسؤولية تبعات ذلك للائتلاف الحكومي الهشن غير القادر على حماية المنجزات التي حققتها حكومته، وبضمنها هذا القانون العنصري، داعيا إياه للتنحي، غير آبه بدعوات وزيرة الداخلية المتغطرسة التي تحدته أن يصوت ضد القانون.

نتنياهو يعرف أولا أن الجدار الأمني الإسرائيلي لن ينهار بتغييب مؤقت لقانون يحمل أصلا بعدا ديموغرافيا وليس أمنيا؛ وهو قادر ثانيا على إلقاء مسؤولية ذلك على هشاشة الائتلاف الحكومي، والإقناع بأن وظيفة المعارضة ليست مساعدة هذا الائتلاف على النجاة، على حساب خيانة دورها كمعارضة وفق ما تقتضيه قواعد النظام الديمقراطي.

عودة على بدء؛ فإن قانون المواطنة كشف أيضا عمق المأزق الذي وضع منصور عباس نفسه وأعضاء الكنيست من قائمته فيه، وأظهر مدى الخزي والإحراج الذي ربما لا يحتمله طويلا عضو كنيست عربي فلسطيني وهو يصوت أو حتى يمتنع عن التصويت، لتمرير قانون عنصري يستهدف تمزيق شمل عائلات من أبناء وبنات شعبه.

لقد كان هذا القانون ربما الدليل الأوضح على تشابك المدني والوطني في صيرورة حياة الفلسطينيين في الداخل ونضالهم، وأظهر عقم التوجه الداعي إلى فك الارتباط مع القضية الوطنية الفلسطينية واستحالته، لأن هذه القضية الوطنية تقع في صلب حياتنا اليومية، بل هي تسيطر على الحيز الجغرافي الذي يضيق عكسا كلما تكاثرنا بفعل سياسة سلب الأرض وتهويد المكان ونتنفسها مع الهواء الذي لوثته المصانع والكسارات المحيطة بقرانا ومدننا، دون أن نستفيد من ريعها فقط لأننا عرب فلسطينيون.

لقد حولوا الحب والزواج إلى قضية أمنية/ وطنية، وقضية الإنجاب إلى خطر أمني/ ديموغرافي يعكر صفو الدولة اليهودية، وحتى قضية البقاء على أرضنا، مجرد البقاء، كما هو حاصل في النقب اليوم وكما حصل في الجليل سابقا، حولوها إلى مقاومة تعيق مخططات المشروع الصهيوني، كما حولوا غضبنا واحتجاجنا على انتهاك حقوقنا أو درة تاجنا القدس والأقصى المبارك، إلى أعمال إرهابية يزج تحت ذريعتها الآلاف من شبابنا في السجون.

لو كان الأمر بأيدينا، كما يقولون، لـ "تخلينا عن القضية" و"عشنا بسلام"، ولكن بالنسبة لهم نحن القضية وليس فلسطينيي أراضي الـ67 فقط، بالنسبة لهم كل فلسطيني حيثما هو موقعه على أرض فلسطين أو لاجئ يطالب بالعودة إلى أرض فلسطين هو القضية، وهو بحد ذاته يشكل مشكلة أمنية وسياسية لأن وجوده، مجرد وجوده يصطدم مع المشروع الصهيوني.

هذا الكلام فهمه توفيق زياد وعبد الوهاب دراوشة في تفاهمات الجسم المانع زمن حكومة رابين، عندما أعطيا الأولوية للقضية الوطنية الفلسطينية على القضية المدنية، ولم يدعما هذه الحكومة إلا بعد إحداث النقلة باتجاه الاعتراف بالشعب الفلسطيني وممثله الشرعي منظمة التحرير الفلسطينية وحقه في تقرير المصير وإجراء مفاوضات سياسية مع قيادته، ولم يدركه أيمن عودة الذي صمم وقاد ما عرف لاحقا بنهج التأثير الذي أفضى إلى التوصية على الجنرال غانتس، وهو يفاخر بأعداد الشهداء الفلسطينيين الذين أوقعهم في العدوان الذي قاده كقائد لأركان جيش الاحتلال في الحرب على غزة.

زياد ودراوشة لم يدعما رابين - قائد عمليات "تكسير العظام" في الانتفاضة الأولى - بل رابين قائد "عملية السلام" (بغض النظر عن تحفظاتنا على هذه العملية ومآلاتها)، وهذا فارق جوهري اختلفت نتائجه بمقتل الأول (رابين) بأيدي المعسكر الذي قاده نتنياهو وبارتماء الثاني (غانتس) في حضن نتنياهو وتشكيل حكومة مشتركة معه.

وإذا كان أيمن عودة هو البطل التراجيدي لهذا النهج الذي انتهى إلى انضمام منصور عباس في سابقة تاريخية غير مألوفة إلى الحكومة الإسرائيلية، وهي في جوهرها حكومة احتلال واستيطان وعداء لحقوق شعبنا الفلسطيني، فإنه من الإنصاف أيضا التمييز بين عباس وعودة الذي لا نعتقد أنه كان ليصل إلى نقطة الحضيض التي وصلها عباس باندماجه الكامل في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بما يعنيه ذلك من تحمل وزر الفظاعات والجرائم التي ترتكبها ضد شعبنا أينما تواجد، بما فيها جماهير الداخل.

لقد كان أقصى ما يمكن أن يصله عودة هو استنساخ تجربة زياد - دراوشة في الجسم المانع، عبر دعم حكومة من الخارج دون أن يتحول إلى شريك كامل في المسؤولية عن جرائمها وفظائعها ضد شعبنا، كما هي الحالة القانونية لعباس وقائمته اليوم، وهو الأمر الذي يحفظ له حرية مناورة أكبر وربما يعود عليه أيضا بمكاسب أكثر، وذلك بالرغم من التنازل عن القضية الوطنية أو مقايضة المدني بالوطني وهو ما لم يفعله توفيق زياد ودراوشة في عهد حكومة رابين.

وإذا كان حصول الشيء ولو متأخرا أفضل من عدمه، كما يقول المثل العبري، فإن عودة - طيبي يحاولان استغلال هشاشة الائتلاف الحكومي الراهن وعرض نفسهما، المشتركة أو أجزاء منها، كشبكة أمان، خاصة وأنهما كانا قد أوصيا على لبيد، في حينه، كمرشح لتشكيل الحكومة، وهما يدركان أن الرئيس الفعلي سيكون بينيت، وأنهما كانا ليفضلان على عباس لولا أن الأخير كان يتمتع بتأهيل، لم يتمتعا به، من نتنياهو الذي أراد ضمه لحكومة برئاسته لولا معارضة سموتريتش.

والحال كذلك، كان لا بد أن يثير الغزل الواقع في الأيام الأخيرة مع المشتركة، غيرة الموحدة وعباس الذي لا يريد له "ضرة"، ويشعر أن الأمر سينتقص من قيمته كلسان ميزان، في حين يسعى شركاؤه ليس إلى التحرر من "قبضته" فقط، بل هم بحاجة إلى أصوات المشتركة كشبكة أمان إزاء المنشقين من الداخل وعشية التصويت على الميزانية التي تحتاج إلى 61 صوتا، هي غير متوفرة للائتلاف الحكومي اليوم، بسبب تأرجح موقف عضو الكنيست من حزب "يمينا"، عميحاي شيكلي.

والسؤال الذي يطرح نفسه في ضوء هكذا وضع هو إذا كان العرب (أعضاء الكنيست) هم من يحمون هذه الحكومة من الداخل والخارج من السقوط، فلماذا ما زالت أييلت شاكيد تخاطبهم بالقول: أيها المغفلون لقد خسرتم حرب 1948 وستواصلون دفع ثمن هزيمتكم؟ ولماذا يسمحون لها ببناء المزيد من المستوطنات بأصواتهم؟

التعليقات